«الذكورة» شرط لإدارة المال والنفس
دأبت عبير على العناية بأفراد أسرتها، بعد وفاة والدها. وآثرت أن تلازم منزل أهلها وتكرس نفسها لرعاية أمها المريضة والعمل على تأمين المصاريف اللازمة لإعالة إخوانها وأخواتها الصغار، ولم تمنعها أنوثتها من أن تتصدى لظروفها الصعبة، وتقاتل كما يفعل «الرجال»، لدرء الجوع والظلم عن عائلتها. إلّا أن القانون منعها من أن تكون وصية على أفراد عائلتها القاصرين، فقط لأنها أنثى ولا تملك أهم شرط لتمام الوصاية ألا وهو «الذكورة»!
الوصاية على أموال عائلة عبير كانت وفق القانون من نصيب جدها وفي حال وفاته ستؤول إلى أعمامها، أو ولسخرية القدر لأحد إخوانها الذكور والذين هم بمثابة أولادها، إذ تنص المادتان 170 و172 من قانون الأحوال الشخصية السوري على أن «للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله، وهما ملزمان بالقيام بها».
حرم المشرع، إذاً، الأم أو الأخت من ممارسة حقها في الولاية على مال أي من أولادها أو إخوانها القصّر وحصر هذه الولاية بالأب والجد ومن ثم وصي الأب أو وصي الجد، بينما استبعد المرأة من الولاية على المال إلا في حالات استثنائية، كأن تصبح أموال القاصر في خطر مثلاً بسبب سوء إدارة الولي الذكر، ويجوز للقاضي عندها، وبحسب تقديره وبعد تأكده من أن ذلك في مصلحة القاصر، آخذاً بعين الاعتبار شهادة الولي الذكر.
ويذهب قانون الأحوال الشخصية السوري إلى أبعد من ذلك، فيمنح الجد في غياب الأب الحق بتعيين وصي آخر على مال القاصر، غالباً ما يكون العم أو الأخ، بالإضافة إلى أنه يحصر ولايتي النفس والمال مجتمعتين بالأب أو الجد من بعده، وفي غيابهما تنفصل الولايتان لتمنح للأقارب الذكور ثم القاضي من دون إتاحة فرصة الوصاية المالية للأم الحاضنة الطفل والمشرفة على تربيته. ويدخل في الولاية على النفس سلطة التأديب والتطبيب والتعليم والتوجيه إلى حرفة اكتسابية، والموافقة على التزويج وسائر أمور العناية بالشخص القاصر، بينما تشمل الولاية المالية إدارة أموال القاصر.
ويرى أصحاب الشأن أن هذه التشريعات وُضعت في زمن كانت فيه المرأة بعيدة كل البعد من إدارة أموال العائلة ومن كسب العيش، وأن هذه التشريعات لم تعد تتناسب مع وقتنا الحاضر الذي شقت فيه النساء طريقهن إلى سوق العمل، وأثبتن جدارة في توليهن المناصب الرفيعة. فمنهن اليوم مديرة شركة أو مصرف وعضو في البرلمان، ورئيسة تتحكم بحسابات دولة وأموالها. فكيف يمكن للمشرع السوري أن يحكم بأن الذكور أقدر على إدارة الأموال من النساء، ويحرم المرأة من حقها حتى من أن تتحكم بحساب مصرفي خاص بفلذات أكبادها؟
حال عبير كحال أمهات وأخوات كثيرات حرمن من حقهن في الولاية على أموال أولادهن أو إخوانهن القصر، فوقعن ضحية عنف اجتماعي وقانوني مضاعف. أم محمد، مثلاً، أرملة في الأربعينات من عمرها، توفي زوجها بعد سنوات قليلة من زواجهما، تاركاً في عهدتها طفلين ومستقبلاً قاتماً. لم تستطع أم محمد أن تنال الولاية المالية على نصيب أولادها من تركة زوجها، بل أصبح عم الطفلين ذو الخمسة والعشرين عاماً ولياً على أموالهما، وأصبحت موافقته إلزامية لتستطيع الأم التصرف بأي مبلغ من نقود طفليها. اضطرت أم محمد للعمل خادمة في المنازل لتحفظ كرامتها وتعيل أولادها، تاركة أمور التركة للأيام المقبلة، ريثما يكبر أولادها ويصبحون أولياء على أنفسهم ويتسلمون أموالهم.
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد