المجامــع الانتخابيــة منــذ العــام 1903 والإسم البابوي وعــزلة الكرادلــة

المجامــع الانتخابيــة منــذ العــام 1903
منذ بدايات القرن الـعشرين لم يدم أي مجمع خاص بانتخاب البابا لفترة تطول عن أربعة أيام، بمعدل ثماني دورات انتخابية في كل منها.
ويعتبر مجمع العام 1903 استثنائياً، إذ دام لفترة أطول بسبب تأثير الدول الأوروبية، حيث رفض امبراطور النمسا فرانسوا جوزيف انتخاب الكاردينال ماريانو رامبولا، ليتم من بعدها انتخاب البابا بيوس العاشر.
وفي العام 1914، وبعد شهر على بداية الحرب العالمية الأولى، احتاج الكرادلة إلى أقل من ثلاثة أيام، وعشر عمليات تصويت، ليتم انتخاب الكاردينال جياكومو ديلا كييزا، البابا بنديكتوس الخامس عشر.
وفي العام 1922 اعتبر المجمع الذي انتخب الكاردينال أمبروغيو داميانو أكيل راتي، البابا بيوس الحادي عشر، من الأصعب والأكثر تعقيداً، حيث احتاج الكرادلة إلى إجراء 14 عملية اقتراع خلال أربعة أيام.
في المقابل، فإنّ المجمع التالي، في العام 1939، كان الأقصر، وقد تم خلاله إجراء ثلاث عمليات اقتراع في يوم واحد لاختيار الكاردينال أوجينو باتشيلي، البابا بيوس الثاني عشر.
وفي العام 1958 جرى انتخاب الكاردينال أنجلو غيسيبي رونكالي، البابا يوحنا الثالث والعشرون، بعد اللجوء إلى 10 عمليات اقتراع خلال ثلاثة أيام.
وفي العام 1963 تم انتخاب الكاردينال جيوفاني باتيستا مونتيني، البابا بولس السادس، خلال عملية الاقتراع السادس، وفي أقل من يوم واحد.
في الواقع، لا يوجد رابط بين مدة انعقاد المجمع وفترة البابوية. ففي العام 1978 تم انتخاب الكاردينال كارول جوزيف فويتيلا، البابا يوحنا بولس الثاني، بعد إجراء ثماني عمليات اقتراع، ودامت حبريته 27 عاماً.
وفي العام 2005 تم انتخاب الكاردينال جوزيف راتسينغر، بنديكتوس السادس عشر، بعد إجراء أربع عمليات اقتراع خلال يومين. وجرى الأمر ذاته مع الكاردينال ألبينو لوتشياني، الذي أصبح يوحنا بولس الأول في العام 1978.

الإسم البابوي

يتيح التقليد الكنسي للبابا الجديد أن يختار الاسم الذي سيحمله خلال حبريته.
والخيارات المتوافرة للحبر الأعظم هي إمّا أن يُضفي الشكل اللاتيني على اسمه في المعمودية، أو أن يختار اسم أحد أسلافه، أو اسم أحد القديسين.
وتنصّ القاعدة على أن يختار خليفة القديس بطرس على عرش الكنيسة اسمه فور انتخابه في جمعية الكرادلة، الذين يعقدون مجمعاً انتخابياً... عندئذ يُعلن عميد الكرادلة اسم الحبر الأعظم الجديد أمام الجموع من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، وذلك بعد الصيغة اللاتينية الشهيرة: «هامبيموس بابام» («لدينا بابا»).
وكان يوحنا بولس الاول، الذي انتخب في 1978، والذي لم تستمر حبريته سوى 33 يوماً، أول من اختار ان يحمل اسماً مزدوجاً غير مسبوق في تاريخ البابوية، وقد أراد بذلك أن يُعرب عن امتنانه وتمسكه بالإرث الذي تركه للكنيسة البابوان يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس.
أما يوحنا بولس الثاني، الذي خلفه في تشرين الاول العام 1978، فبرر اختيار اسمه في رسالته البابوية الأولى «فادي البشر» في الرابع من آذار العام 1979، برغبته في السير على خطى أقرب أسلافه.
اما الكاردينال جوزف راتسينغر، فاختار اسم بنديكتوس السادس عشر، مستلهماً بنديكتوس الخامس عشر، بابا السلام خلال الحرب العالمية الأولى.
البابا فرانسيس كان أمام احتمالات عدة بالنسبة إلى الاسم الذي سيحمله خلال حبريته: الشكل اللاتيني لاسم عائلته، اسم بابا سابق يقرن به رقمه، اسم قديس، أو تحديد الاسم بالنظر إلى معناه مثل بيوس (التقي) واينوسنتوس (البريء).
ويمكن ان تدخل اعتبارات شخصية ايضا في الحسبان، كما حصل مع البابا يوحنا الثاني والعشرين الذي اختار اسمه مستلهماً اسم والده. وكان البابوات يحتفظون بأسمائهم في المعمودية، وقد استمر هذا التقليد حتى نهاية الالف الاول، لكنه تغيّر في العام 996 عندما تخلى غريغوريوس الخامس عن اسمه في المعمودية (برونو)، واقتدى به 131 من 133 من أسلافه حتى يوحنا بولس الثاني.
وقبل القرن العاشر، غيّر ستة بابوات فقط أسماءهم لأسباب مختلفة. وكان الاستثناء الاول يوحنا الثاني في العام 533. ولأن اسمه كان مركور، فلم يشأ أن يحمل اسم إله وثني.
ومنذ الجليلي سمعان بطرس، اول بابا يموت شهيداً في العام 64 بعد الميلاد، لم يجرؤ اي بابا على اعتماد اسم بطرس.
والاسم الاول الذي اختير مراراً هو سيكستوس في العام 257 مع البابا سيكستوس الثاني. ومنذ ذلك الحين، فإن الأسماء التي غالباً ما اختيرت هي يوحنا (21 مرة) وغريغوريوس (16) وكليمنضس وبنديكتوس (15)، وليون واينوسنتوس (13) وبيوس (12).
ولا يأخذ هذا الإحصاء في الاعتبار «البابوات المزيفين» (البابوات الذين تعتبر الكنيسة أنهم انتخبوا بطريقة شابتها مخالفات قانونية) .

عــزلة الكرادلــة

يتم انتخاب البابا في خلال مجمع يضم 120 كاردينالا كحد أقصى، وكان عددهم 115 خلال المجمع الحالي.
هؤلاء الكرادلة يجب أن تقلّ أعمارهم عن الثمانين عاماً، وذلك حتى يوم رحيل البابا السابق.
يعقد المجمع في كنيسة سكستين في الفاتيكان، ويطلق عليه اسم «كونكلاف»، الآتي من عبارة «كوم كلاف» اللاتينية، والتي تعني «الإغلاق بشكل محكم»، وهو ما يحدث فعلاً في عملية انتخاب البابا حيث يتم إقفال المكان الذي يضم المجمع الانتخابي بإحكام. وهذا التدبير معتــمد منــذ أن قرره البابا غريغوار العاشــر في العام 1274، منعاً للتأثــير على الكرادلة خلال عملية انتخاب البابا الجديد.
بعد الدخول في مرحلة العزلة، يبدأ الكرادلة عمليات التصويت، ويستعينون خلالها بأوراق اقتراع مكتوب عليها عبارة «أنتخب كحبر أعظم»، ولا يعود عندها على المقترع إلا وضع الاسم الذي اختاره، وبخط خال من أي علامة تشير إلى صاحبه. يطوي بعدها المقترع ورقته، ويتوجه إلى المذبح، حيث يوجد الإناء المخصص، ليقترع وهو يقسم اليمين بأنه انتخب حسب ضميره أمام الله.
وتجري أربع دورات انتخابية في اليوم، بمعدل اثنتين صباحاً، وأخريين بعد الظهر.
وفي حال اختيار بابا بنسبة أصوات تزيد على الثلثين يصعد الدخان الأبيض، معلناً انتخابه للحشود المجتمعة في الخارج.
وقبل ذلك، يسأل عميد الكرادلة البابا المنتخب (أنجلو سولدانو حالياً) عما إذا كان يقبل بانتخابه القانوني كحبر أعظم، وفي حالة موافقته يُسأل عن الاسم الذي يريد أن يُعرف به، وعندها يصبح حبراً أعظم.
ينتقل من بعدها البابا الجديد للاختلاء بذاته والصلاة، لمدة تقارب الأربعين دقيقة في ما يسمى بـ«غرفة الدموع». ومن بعدها يتم إلباسه ثياب البابوية، التي تكون محضرة سلفاً وفق عدد من القياسات.
وكان يجري عادة إحراق إناء، يحتوي على نسل من الخيوط والرماد، تحت ناظري البابا الجديد، ويُتوجه إليه بعبارة «Sic transit gloria mundi»، «هكذا يعبر مجد العالم».
ويشار هنا إلى أن البابوات حالياً لا يتوجوا بالتاج البابوي، لأنّ البابا بولس السادس ألغى هذا الطقس في المجمع الفاتيكاني الثاني في العام 1965.
وفي المرحلة الأخيرة، يخرج عميد الكرادلة الشمامسة (الفرنسي جان لويس توران حالياً)، ليعلن من شرفة بازيليك القديس بطرس العبارة اللاتينية:« Habemus papam dominum cardinale»، إضافة إلى الاسم الخاص بالبابا الجديد، قبل أن يطل البابا الجديد لإعطاء بركته للحشود معلناً بدء حبريته.

المصدر: السفير+ وكالات