الســودان يـواجــه اختبــار «الثـورة»: بين غضب الشارع ومحاولات الانقلاب
ماذا يجري في السودان اليوم؟ تتوارد الأخبار متفرقة عن اشتباك من هنا، إحباط محاولة انقلاب من هناك. عن شارع يغلي غضباً وعن خطاب معارض يرفع السقف، في وقت تصب الأزمة الاقتصادية المحتدمة، بين غلاء الأسعار والتدهور الحاد لسعر صرف الجنيه، الزيت على نار المشهد السوداني الداخلي. وكل ذلك على خطّ موازٍ مع أزمة لا تقل سخونة بين الجنوب والشمال، وهي مرشحة للتصاعد مع تعمق الخلافات الحدودية والنفطية بين الطرفين.
فهل وصلت الثورة إلى السودان فعلاً؟ يعتري المشهد العام إرباك شديد في تعريف مفهوم الثورة وأشكالها اليوم، ولكن بغض النظر عن الدخول في متاهة المصطلحات الصاعدة عربياَ، يمكن الحكم بأن المسار السوداني الداخلي، القائم بين شعب من جهة ونظام من جهة أخرى، بات مرشحاً للانفجار.
في الواقع، بدأت مؤشرات الأزمة تطفو على السطح مطلع الصيف الماضي، عندما وجد الرئيس السوداني عمر البشير نفسه، بمواجهة رقعة احتجاجات شعبية وطلابية واسعة. وقد جاءت هذه الاحتجاجات رداً على خطة التقشف التي أطلقتها الحكومة، والتي تسببت حينها في ازدياد أسعار المواد الغذائية والوقود بنسبة 50 في المئة.
وهنا قد يتصاعد الجدل في توصيف الوضع السوداني، بين من يعتبر أن النظام السوداني هو عرضة لهجوم دولي (أميركي إسرائيلي تحديداً)، كان مسؤولاً عن انفصال الجنوب ويمعن في تشويه صورة البشير لأنه يقف في وجه المصالح الكبرى، وبين آخر ينظر إلى ما يحصل ضمن إطار يركز على الشأن الداخلي. الطرف الثاني يرى أن نظام البشير فاشل في إدارة الشأن العام، وهو نظام فاسد وقد أوصل أداؤه الاقتصادي البلاد إلى شفير الإفلاس، لذا من الطبيعي أن ينفجر الشارع في وجهه.
ومهما كان ما ستصل إليه نتيجة النقاش، يبقى أن ما يجري في الداخل السوداني أمر يستحق الوقوف عنده.
الجديد في المشهد اليوم، هو خروج أحزاب «قوى الإجماع الوطني» المعارضة في السودان بإعلان أمس، جددت فيه عزمها على إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي، بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير وإقامة بديل ديموقراطي وتغيير شامل بكل الوسائل السياسية والجماهيرية السلمية.
وناشد بيان المعارضة، الذي حمل عنوان «إعلان أم درمان السياسي»، جماهير الشعب السوداني «الاستعداد للمعركة الجماهيرية الفاصلة مع هذا النظام المتعسف». في وقت، أكد وقوفه مع «الحقوق المشروعة» لسكان دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وآبيي، محمَّلاً حكومة الخرطوم مسؤولية انفصال الجنوب واشتعال الحرب في هذه المناطق.
أما اقتصادياً، فوصفت المعارضة الميزانية الجديدة التي أجازها مجلس الوزراء أخيرا بأنها «ميزانية حرب» وليست «ميزانية تنمية»، مستدلة على ذلك بـ«تخصيص الحكومة ثمانية مليارات ونصف المليار جنيه (نحو مليار ونصف المليار دولار) للأمن والدفاع مقابل مليار جنيه (نحو 280 مليون دولار) للصحة والتعليم.
يُذكر في السياق أن التحالف المعارض، الذي تأسس في العام 2009، يتألف من حوالي 20 حزباً، ويضم بشكل أساسي «حزب الأمة القومي» بزعامة الصادق المهدي و«المؤتمر الشعبي» بزعامة الإسلامي حسن الترابي، بالإضافة لحركات مجتمع مدني و شخصيات مستقلة، أبرزها رئيس التحالف، فاروق أبو عيسى، النقيب الأسبق للمحامين العرب.
وكان فاروق عيسى اعتُقل الأحد الماضي بعد خطاب «ناري» له انتقد فيه تعامل الحكومة بشأن مقتل أربعة طلاب سودانيين دارفوريين في قمع لتظاهرة لهم في جامعة «الجزيرة» احتجاجاً على زيادة الرسوم الجامعية. وفيما أفرج عنه بالأمس، أعاد عيسى اتهام الحكومة بالمسؤولية عما يحصل، معتبراً أنها «خائفة من المعارضة وتحركها».
وتأتي الأزمة الاقتصادية لتزيد الطين بلّة بشأن أداء الحكومة. الجنيه في أدنى مستوياته، التضخم وصل إلى مرحلة لا تُطاق، والأسعار إلى ارتفاع، إذ تخطت نسبة الزيادة المئة في المئة. كل ذلك يحصل وسط تجاهل حكومي شبه تام، يتخلّله محاولات ترقيع من هنا وهنا، «لا تغني عن جوع ولا تسمن».
في المقابل، وفيما تحاول السلطات السودانية لملمة المشاكل، مدّعية أنها ممسكة بزمام الأمور، يبدو أن التهديد يواجه البشير من داخل «منزله». فقد بدأت تتسرب أنباء عن محاولات انقلاب من داخل النظام، وعن صدامات على مستويات عالية بدأت تأخذ مداها في أروقة الخرطوم.
وفيما يخص الانقلاب، خرج المتحدث العسكري من الجيش السوداني خالد سعد لينفي الخبر، مؤكداً أن «القصر الجمهوري ومؤسسات الجيش والدولة تحت سيطرة الجيش السوداني.. وما تردد هو شائعات أطلقت في وسائل الإعلام ولها أهداف خارجية لإثارة القلاقل في السودان».
وجاء ذلك رداً على تقارير صحافية ذكرت أن السلطات السودانية اعتقلت عدداً من ضباط القوات المسلحة قبيل تحركهم في محاولة انقلابية جديدة، مشيرة إلى أن قائد المحاولة الجديدة برتبة عقيد تم اعتقاله ومعه عدد من الضباط.
يُذكر أن مساعد الرئيس السوداني، نافع علي نافع، كشف السبت الماضي عن محاولة انقلابية وقعت قبل المحاولة الأخيرة التي أحبطت مؤخراً واتهم فيها المدير السابق للمخابرات السودانية، وبذلك يصبح عدد المحاولات التي تم ضبطها ثلاث محاولات في أقل من شهر.
ومن جهتها، سلطت «مجموعة الأزمات الدولية» الضوء على تنامي الانشقاقات في صفوف حزب المؤتمر الوطني، علاوة على أن الكثير من الأعضاء والمؤيدين السابقين غير راضين عن قيادة الحزب.
وكذلك فعلت مجلة «لوكورييه انترناسيونال» الفرنسية التي أشارت إلى تنامي الغضب ضدّ البشير في أوساط قادة الجيش والزعماء الدينيين، مشيرة إلى أرجحية أن يأتي التغيير من داخل نظام البشير ذاته.
كما تشير المجلة إلى أن الحكومة في السودان ليست كتلة متناغمة، بل هي عبارة عن مجموعات من المصالح المختلفة: الجيش، أمن الدولة، الحزب الحاكم، طبقة النخبة، الأحلاف القبلية، «الإخوان المسلمون» في السودان والمجموعات السلفية.
وفيما يحاول النظام السيطرة بأساليب، كالدعوة إلى الحوار مع المعارضة من دون شروط، أو الدعوة إلى كتابة دستور وطني جامع، تصرّ المعارضة على أنها مجرّد محاولات مكشوفة لنظام بات مهترئاً من الداخل..لا ينفع معه سوى التغيير الجذري.
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد