نصف السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي
وصل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في اليمن إلى مستويات خطرة للغاية. هذا ما تقوله بيانات البنك الدولي لعام 2010، بعد أن صنفت البلاد ضمن العشرة الاسوأ عالمياً في معدلات انعدام الأمن الغذائي، وفي المرتبة الثالثة عالمياً في سوء التغذية (58% من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون حالة التقزم، 13,2% من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد ومصابون بالهزال).تنامت مستويات الفقر والبطالة في اليمن متجاوزة نسبة الـ43% من السكان، فضلاً عن أن معظم الفقراء يعيشون في المناطق الريفية (83% من إجمالي عددهم). ووفقاً لتقرير جمال بن عمر، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، المقدم إلى مجلس الأمن الدولي (2012)، فإن عشرة ملايين نسمة، وهو ما يقارب نصف السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، ونصف هؤلاء هم في حاجة ماسة إلى مساعدة فورية.كما تزداد حدة التفاوت الاجتماعي/ الطبقي، بحسب مسوحات ميزانية الأسرة، وتزداد اتساعاً فجوة توزيع الدخل. فبعد أن كانت الحصة المتواضعة للخُمس الأول (الذي يمثل 20% من السكان الأقل دخلاً) لا تزيد على 6 % من الدخل السنوي العام 1998، انحدرت نسبتها أكثر في مسح 2007، وهو الأخير الذي أجري، ولم تعد تتجاوز 1,6% .وعلى العكس من ذلك زادت نسبة الخُمس الخامس (ويمثل الـ20% من السكان الأكثر دخلاً وثراءً) فارتفعت من 48,8% عام 1998 إلى 67% في 2007، أي أن هؤلاء أصبحوا يستحوذون على أكثر من ثلثي إجمالي الدخل العام للبلاد .وتزداد الخدمات العائدة للأوضاع الصحية تدهوراً، إذ تشير نتائج مسح صحة الأسرة الى أن ربع النساء في سن الإنجاب يعانين سوء التغذية، كما بلغ معدل وفيات الأمهات 366 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، إلى جانب معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة الذي وصل إلى 102 حالة وفاة لكل ألف مولود.
تزايد البطالة وتراجع الاستثمارات
هناك العديد من المؤشرات الاقتصادية/الاجتماعية الأخرى التي تبيِّن مدى تدهور المستوى المعيشي، ومدى الصعوبات التي تواجه الاقتصاد الوطني، أهمها :- وصول نسبة البطالة العامة إلى أكثر من 40% من إجمالي القوى العاملة، كما تزايد إجمالي المسجلين من طالبي التوظيف لدى وزارة الخدمة المدنية والتأمينات، ليبلغ أواخر العام 2010 أكثر من 202 الف مسجل (معظمهم من أصحاب المؤهلات العلمية العليا). وتمثل النساء منهم ما نسبته 35%، في حين كانت الحكومة، وفقاً لسياستها المعتمدة آنذاك ولوصفات البنك الدولي، لا توفر أكثر من 10 آلاف درجة وظيفية سنوياً، بينما الزيادة السكانية ومخرجات التعليم ترفد سوق العمل سنوياً بأكثر من 250 ألف باحث جديد عن العمل والتوظيف .- مقابل السياسة الرسمية الساعية إلى تقليص هامش التوظيف في الجهاز الإداري للحكومة ومؤسسات القطاع العام، كانت الحكومة تعول على استقطاب الاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية، بهدف تحفيز النمو وامتصاص أفواج البطالة المتزايدة. لكن الاختلالات في الظروف الاقتصادية والأمنية المحلية، من تصاعد عمليات العنف والإرهاب وحالة عدم الاستقرار السياسي، إلى جانب العامل الخارجي المتمثل في تبعات الأزمة المالية العالمية مؤخراً، أثرت سلباً وأدت الى إحجام العديد من رؤوس الأموال عن القدوم الى اليمن والاستثمار فيه، فتراجع الاستثمار في 2009 مقارنة بالعام 2008 وانخفض عدد المشاريع المسجلة بنسبة (-6,85%)، وتراجع رأس المال الاستثماري بنسبة (-19,14%)، وتراجعت قيمة الموجودات الثابتة بنسبة (-49,41%)، وكذلك انخفضت فرص العمل بنسبة (-25,92%).
الدين العام والتضخموصل الدين العام الداخلي حتى نهاية العام 2009 الى 5,878 مليارات دولار، وأما الخارجي فوصل الى6,030 مليار دولار (منها حوالي ملياري دولار كقروض فشلت الحكومة في استخدامها). والمجموع هو 11,908 ملياردولار، بما نسبته 47,4% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني تجاوزه الحدود الآمنة. بل ان البنك الدولي يرى أن اليمن، ما لم ينفذ برنامجاً شاملاً للإصلاحات المالية والهيكلية، فإنه يتوقع ارتفاعاً إجمالياً للدين العام قد يصل، في الأجل المتوسط، إلى ما نسبته 65 % من الناتج المحلي الإجمالي.هذا إلى جانب تقلبات معدلات التضخم وارتفاعها، وهي وإن استقرت نسبياً في الآونة الأخيرة، إلا أنها كانت تراوح بين 25% في آب/أغسطس 2010، و12% نهاية العام المذكور، لتعود إلى الارتفاع من جديد مع أحداث الثورة الشعبية خلال النصف الأول من عام 2011، إضافة إلى التراجع المتواصل للاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي من حوالي 8,2 مليارات دولار عام 2008 إلى 6,9 مليارات دولار نهاية 2009، ثم إلى 4,7 مليارات نهاية 2010، ومنتصف العام 2011، بسبب عمليات الاستنزاف المالي التي مارسها النظام اليمني لمواجهة الانتفاضة الشبابية – الشعبية.
أزمة المياه والكهرباءيعتبر اليمن من أفقر بلدان العالم في المياه، إذ تعاني شحا شديدا في احتياطات ومصادر المياه على السواء، فلا تزيد حصة الفرد عن 115 مترا مكعبا سنوياً، مقارنة بالمتوسط المنخفض أصلاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يبلغ 1250 مترا مكعبا للفرد سنوياً. كما أن مصادر المياه المحدودة في اليمن قد تم استنزافها لتشرع في النضوب على نحو متسارع خلال العقود الثلاث الماضية.ولا تختلف الحالة بالنسبة لتوليد الطاقة الكهربائية التي لا تزيد على 1000 ميغاوات، ولا تغطي سوى 50% من استهلاك السكان على مستوى البلاد، فضلاً عن أن خدمات الربط بالشبكة الكهربائية في الريف تقتصر فقط على تغطية ما نسبته 20% من الأسر الريفية.
تراجع الموارد وعجز الموازناتهناك استمرار في تراجع الموارد العامة للدولة، المحلية والخارجية، وخاصة الموارد النفطية، بسبب التناقص المستمر في حجم الإنتاج النفطي. كانت العائدات النفطية تشكل قرابة 75% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، وهي الآن لا تزيد على 58% منها. كما أن الصادرات النفطية تبلغ حوالي 90% من إجمالي صادرات البلاد، ما يشير إلى مدى اعتماد الاقتصاد على إنتاج وتصدير النفط، رغم شحته واستمرار تناقصه.ومن جهة ثانية، يتزايد عجز الموازنات المالية للدولة. فبعد أن كان عام 2005 لا يتجاوز 38 مليار ريال، ما نسبته 1,04% من الناتج المحلي، ارتفعت قيمته في 2009 لتبلغ 524 مليار ريال، بنسبة 9,16% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفوق ذلك: الفساديتفشى الفساد في اليمن في معظم مفاصل الدولة، التنفيذية والقضائية، الإدارية والخدمية، ويتركز كذلك في قطاع النفط والغاز وفي وحدات الجيش والأمن، فيلتهم الكثير من موارد البلاد - وهي شحيحة في الأصل - حيث يقع اليمن في تقرير مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية"، ضمن مجموعة الدول الأكثر فساداً، متزايداً سنة بعد أخرى. فبعد أن كانت قد حصلت عام 2001 على 2,9 درجة، وهي أصلاً درجة متدنية، استمر تراجع درجاتها تنازلياً لتصل عام 2009 إلى 2,1 درجة، بحيث تحتل اليمن الترتيب 154 من مجموع الدول المشمولة بالمسح (180 دولة).من كل ما تقدم، ووفقاً لتراجع المؤشرات الاقتصادية – الاجتماعية، والمعدل العالي للنمو السكاني (3.02%)، يتضح (بحسب اعتراف وزارة التخطيط اليمنية نفسها) بأنه يستحيل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، والمفترض ان تنجز العام 2015، وذلك في كافة المجالات المستهدفة. وهذه الاهداف كانت:- القضاء على الفقر المدقع والجوع.- تحقيق التعليم الأساسي للجميع.- تعزيز المساواة بحسب النوع الاجتماعي وتعزيز دور المرأة في السلطة.- تخفيض معدلات وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأمومة، ومقاومة الايدز والملاريا وغيرهما.- ضمان استدامة بيئية سليمة.- تطوير شراكة عالمية للتنمية.بمعنى أن المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، وتعثر اليمن في تحقيق الأهداف الإنمائية يخلق – بالتأكيد – بيئة وأوضاع معيشية متردية، وشعوراً بالإحباط وخيبة الأمل. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الاختلالات الأمنية والسياسية القائمة، والانقسامات الاجتماعية – المذهبية، وتوسع نفوذ الجماعات الإرهابية (القاعدة)، فإن التطورات في البلاد تزداد تعقيداً. وفي هذه، فإن النيات السياسية، والافكار، مهما كانت متفائلة وإيجابية، لا تكفي لوحدها!
تم الاستناد الى مؤشرات هي من الإحصاءات الرسمية المحلية الصادرة حتى أواخر العام 2010 وبداية 2011، أي قبيل قيام الثورة الشبابية الشعبية التي بدأت في شباط / فبراير 2011 وكان من نتائجها أن تجمدت أعمال الأجهزة الرسمية والإحصائية، بما فيها الجهاز المركزي للإحصاء، وبالتالي تعذر صدور أية تقارير أو إحصاءات رسمية حديثة.
يحيى صالح محسن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد