جولـة سياحيـة فـي العتمـة

يشرح الدليل السياحي الألماني أكسل رودولف (55 عاماً) بدقة وبكثير من التفصيل للمشاركين في «جولة المكفوفين» كيفية وضع القناع على العينين بالشكل الصحيح، بحيث لا يرون شيئاً البتة طالما اختاروا استكشاف مدينة كولونيا بعتمة تامة.
وكان رودولف، وهو خبير في مجال التصميم الصوتي، يرغب دائماً في معرفة ما يشعر به المشاركون الذين يتخلون عن نظرهم بإرادتهم. ولذلك فقد بدأ في إنشاء قاعات مظلمة يمكن فيها قيادة أشخاص معصوبي الأعين عن طريق لمسهم لأشياء محسوسة وضعت لهذا الغرض. بعدها بسنوات افتتح أول مطعم مظلم في ألمانيا، ويقوم فيه المكفوفون وضعفاء البصر بخدمة الضيوف في ظلام دامس.
عن تجربته هذه يقول رودولف: «أنا أجمع بين هذين المشروعين لأقدمهما إلى العالم الحقيقي عن طريق جولات سياحية بأعين معصوبة».
يضع كل مشارك سمّاعة في أذنه للتواصل مع الدليل السياحي لمعرفة الإرشادات والمعلومات التي يعطيها، والانتباه لتحذيراته من وجود عقبة ما أو تلقي أوامره بتغيير الاتجاه.
يُمسك المشاركون بأشرطة حقيبة ظهر الشخص الذي أمامهم، ويسيرون خلف بعضهم البعض، وينطلقون في جولتهم السياحية الطويلة التي يقطعون فيها مسافة تزيد عن كيلومتر بقليل.
الخطوات الأولى يعتريها شعور بفقدان الثقة بعض الشيء، فالمشاركون يسيرون خلف الدليل السياحي بحذر شديد، ويركزون على كل الأصوات المحيطة بهم وبوعي أكثر من المعتاد.
يعايش المشارك في هذه الجولة عالماً مختلفاً تماماً، تطغى فيه الأصوات على الحواس، ليشعر المرء فجأة وكأنه يعايش مسرحية إذاعية حية. يعمل الدماغ وينتج صوراً، وكأنه يرى فعلاً ما يحيط به خلال سيره معصوب العينين. أثناء الجولة، يستريح المشاركون قليلاً لتناول ما في جعبتهم من العنب والشاي والكرواسان والبيض والبندورة. وفي العتمة يكون التذوق مختلفاً، فالإنسان يتناول مختلف الأطعمة بتركيز أعمق. انتهت الجولة ونزع المشاركون العصابات عن أعينهم ببطء ويخطفون بصرهم بحذر باتجاه الشمس. ينظر المشاركون إلى ما حولهم ببعض الضياع وعدم التركيز، فمن غير الطبيعي استقبال الشمس من جديد بعد فترة طويلة من العتمة. تشرق الشمس على الوجوه مباشرة. يتأمل المرء في نهاية الجولة متسائلاً: ما الذي اُغفل عن الإحساس به في حياتي اليومية؟ ما هي الأشياء التي شعرت بها في هذه الجولة وكنت أغفلها عادة؟

(«دويتشيه فيله»)