انهيار التهدئة بين دولتي السودان والخرطوم تتوقع «عدواناً» في جنوب كردفان «خلال يومين»
انهارت التهدئة الإعلامية والسياسية بين الخرطوم وجوبا، وتدخّل الجيش السوداني للمرة الأولى في الجدل المتصاعد في شأن «اتفاق الحريات الأربع» الموقّع بين دولتي السودان وهدد بإلغائه بعدما اتهم «الحركة الشعبية - الشمال» بالتخطيط لهجوم جديد خلال يومين على مواقع في ولاية جنوب كردفان، بدعم من دولة الجنوب الوليدة.
وقال وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحيم حسين إن تنفيذ تهديدات دولة جنوب السودان بشن «عدوان جديد» على الأراضي السودانية يُعد «إلغاء لاتفاق أديس أبابا الأخير بين السودان ودولة الجنوب». وجدد حرص الحكومة على أن ينعكس الاتفاق واقعاً على الأرض وتتكلل الجهود التي بُذلت في محادثات البلدين باستقرار على الحدود بينهما. ودعا في تصريحات عقب محادثات مع لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، أمس، حكومة جنوب السودان إلى وقف دعم الحركات المتمردة التي تستهدف أمن البلاد واستقرارها.
وأوضح رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كمال عبيد أن عدم الوفاء من قبل حكومة الجنوب بالتزاماتها «صار ديدناً لها»، وقال إن التصرفات التي تقوم بها حكومة الجنوب تدخل في طور الغرابة، مؤكداً استعداد القوات المسلحة لردع تحركات الجنوبيين.
وكان الناطق باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد قال في بيان إن القوات المسلحة تندد بـ «التوجه العدواني» لدولة الجنوب وتنصّلها من الاتفاقات التي وقعتها مع حكومة السودان. واعتبر استمرار دعمها المتمردين في جنوب كردفان «تنصلاً وإلغاءً عملياً لما تم الاتفاق عليه».
وأوضح سعد أنه «تأكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن القوات التي تم حشدها للهجوم على مناطق عدة في جنوب كردفان اكتمل إعدادها في الجنوب، ومن المتوقع أن يبدأ العدوان خلال اليومين المقبلين».
لكن وزير الدولة لشؤون الرئاسة كبير مفاوضي الحكومة السودانية إدريس محمد عبدالقادر دافع عن التفاهمات التي توصل إليها وفده مع جوبا أخيراً، وأبدى استياءه الشديد من حملة مناوئة يقودها وزير الدولة للإعلام السابق زعيم حزب «منبر السلام العادل» الطيب مصطفى - وهو خال الرئيس السوداني - لإلغاء الاتفاق مع الجنوبيين، وشدد على أن تلك الفئة تتحرك من عنصرية بغيضة تهدد الأمن القومي السوداني. وشدد عبدالقادر خلال مؤتمر صحافي على أن التوافق مع دولة الجنوب حول كفالة الحريات الأربع (الإقامة - التنقل - العمل - التملك) لن يسبق ضمان تحسن الوضع الأمني، مؤكداً أنه الأساس لكل التفاهمات مع جوبا. وقال: «إذا ساءت العلاقة بين البلدين فالاتفاق سيُلغى تلقائياً».
ورأى عبدالقادر أن الأمن يُعد أكبر مهدد يواجه السودان، مؤكداً أن معالجة المسائل الأمنية ستساعد السودان على معالجة ديونه الخارجية التي وصلت إلى 40 بليون دولار كما ستساهم في رفع العقوبات الأميركية وإنهاء محاولات التدخل الدولي في النيل الأزرق وجنوب كردفان. وذكر كبير مفاوضي الحكومة على أن إعطاء الجنسية حق سيادي تمنحه الدولة للشخص بطلب منه، وقال إن الجولة الحالية لا تتحدث عن الجنسية. واستدرك بالقول: «الشخص الذي يحقق مصلحة للبلد لا ضير في أن يُعطى الجنسية»، موضحاً أن وجود الجنوبيين في السودان بعد الثامن من نيسان (أبريل) سيكون غير شرعي وينبغي أن يوفّقوا أوضاعهم القانونية. وقدّر عدد الجنوبيين في الشمال بنحو 500 ألف، مؤكداً أن حكومته لا تنوي الإساءة اليهم بعد التاسع من نيسان، بغض النظر عما إذا تم توقيع اتفاق نهائي مع دولة الجنوب أم لا.
وفي المقابل، تصاعد الجدل أيضاً في جنوب السودان إزاء الزيارة المرتقبة للرئيس عمر البشير للدولة الوليدة، إذ طالبت مجموعة من منظمات المجتمع المدني في الجنوب باعتقاله حال وصوله إلى جوبا وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بارتكاب إبادة وجرائم حرب في دارفور. لكن حكومة الجنوب تقول إن ليس لديها أي التزام قانوني باعتقاله.
واحتجت منظمات المجتمع المدني بأن حكومة الجنوب تستطيع اعتقال عمر البشير بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لأن القضية ضده أحيلت على المحكمة بواسطة مجلس الأمن الدولي، وما دام جنوب السودان أصبح الدولة الرقم 193 بعد الانفصال عن السودان في تموز (يوليو) الماضي فإن من حقه توقيف البشير.
وقال المسؤول في جمعية القانونيين في جنوب السودان دونق صمويل لواك إن البشير «أحد جذور عدم الاستقرار في السودان وجنوب السودان، وتسليمه إلى محكمة لاهاي سيكون وسيلة لتحقيق السلام في كلا البلدين». وأضاف: «كان جنوب السودان ضحية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التطهير العرقي، وكانت مختلف قيادات النظام في الخرطوم العقول المدبرة وراء هذه الجرائم، ولكن عمر البشير يتحمل نصيب الأسد فيها».
ورفض لواك استقبال البشير في جوبا وقال إنه على رغم أن حكومة الجنوب ربما لا تكون ملزمة قانونياً باعتقاله ولكن الترحيب به سيوجه رسالة خاطئة إلى المجتمع الدولي والناجين من فظائعه. وكان كبير مفاوضي حكومة الجنوب باقان أموم قال إن بلاده ليس لديها التزام باعتقال البشير إذا زار جوبا لتوقيع اتفاق نهائي مع الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت لأن الجنوب ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
من جهة أخرى، رأى زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي أن بلاده في خطر و«تحتضر سياسياً واقتصادياً وأمنياً» ولا تتحمل الانتظار حتى موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في 2015، ما يتطلب تغييراً عاجلاً لنظام الحكم بطريقة سلمية.
وأكد المهدي أن الحكومة الحالية إذا ما أشرفت على الانتخابات المقبلة ستكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها في الانتخابات الماضية، بما في ذلك «التزوير». وقال إن إيجاد نظام جديد يقوم على هندسة قومية سيجد المباركة من الشعب السوداني وفعالياته، كما سيجد التأييد من الأسرة الدولية. وزاد: «إسقاط النظام ليس هدفاً بل وسيلة لتحقيق هدف، ويجب أولاً أن نتفق على البديل». واعتبر المهدي لقاء الرئيس عمر البشير ورئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت المقرر في جوبا قريباً غير ذي جدوى في حال عدم التحضير له في شكل جيد. وكشف عن تكليف حزبه جهات فنية ومختصة بإجراء دراسة حول ملف النفط بين الشمال والجنوب، موضحاً أنه سيخاطب البشير وسلفاكير بنتائج الدراسة.
ووصف المهدي قيادات الدولة بـ «المشلولة» بسبب الملاحقات الدولية في حقها، ودعا إلى ضرورة التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وسخر من وصف المسؤولين لها بأنها محكمة سياسية لتبرير رفضهم التعامل معها، لافتاً إلى أن عدم التعامل مع المحكمة الجنائية يعني «دفن الرؤوس في الرمال».
وأطلق زعيم حزب الأمة مبادرة تحت مسمى «الشافي» قال إنها ترمي إلى البحث عن مخارج من الأزمة الراهنة في السودان وإيقاف الحروب على كل الجبهات وذلك من خلال تقديم «صحيفة لتوحيد أهل القبلة على نهج موحد»، وعقد مؤتمر دستوري بحضور دولي لمناقشة اتفاقات السلام ووضع دستور جديد للبلاد.
النور أحمد النور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد