غياب الروائي المصري خيري شلبي

10-09-2011

غياب الروائي المصري خيري شلبي

غيّب الموت الروائي المصري خيري شلبي صباح اول من أمس عن عمر ناهز الثالثة والسبعين على أثر أزمة قلبية حادة، وشيّعت جنازته عصراً من قريته شباس عمير التابعة لمحافظة كفر الشيخ في شمال مصر. ويعد خيري شلبي أحد أبرز كتاب جيل الستينات في مصر وأغزرهم انتاجاً، ويزيد عدد الكتب التي ألفها خلال مسيرته الابداعية على 70 كتاباً، من أشهرها رواية «وكالة عطية» التي نال عنها جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 2003.

بطاقــــــة
مواليد 31 كانون الثاني 1932 في قرية «شباس عمير» المصرية.
- والده كان رجلاً سياسياً ناشطاً في حزب الوفد وخطيباً مفوهاً، اعتقل أكثر من مرة. وهو سليل أسرة عريقة بالمناصب الكبرى والألقاب.
بدأ تعليمه في مدرسة القرية ثم في معهد المعلمين العام في دمنهور، واستكمل دراسته الثانوية والجامعية في الإسكندرية وفي أثناء الإجازة الصيفية كان يعمل في أراضي الإصلاح الزراعي، ومع عمال التراحيل، كما عمل في مهن كثيرة مثل بائع خردوات وأدوات منزلية، ثم عمل مندوباً لشركة، ثم قهوجياً في مقاهٍ عديدة (أشهرها قهوة إبراهيم الطنوبي).
استهوته كتابة الأغنية الشعبية لفترة، لكنه تنكر لها فيما بعد، لاقتناعه بأنها «محاولة لا تمت إلى الشعر بصلة». ثم انصرف إلى القصة القصيرة والنقد الأدبي، حيث تتلمذ على يد محمود كامل المحامي ويوسف السباعي وإبراهيم الورداني وإحسان عبد القدوس، ويحيى حقي ومحمود البدوي ويوسف ادريس ومحمود السعدني ويوسف الشاروني. لكن مثله الأعلى في الكتابة كان طه حسين.
في أواخر عام 1967 عمل في مجلة الإذاعة والتلفزيون وكتب فيها النقد المسرحي إلى جانب المراجعة اللغوية، كما عمل في مجلة «الشعر» في عامي 1995 و1996، ورأس تحريرها.
- رشحه اتحاد الكتاب لنيل تقديرية الآداب وجاء في حيثيات ترشيحه أنه رائد الفانتازيا التاريخية في الروائية العربية المعاصرة.
- هو مكتشف كتيب محاكمة طه حسين عن كتاب «الشعر الجاهلي» إذ عثر عليه في إحدى مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة، وهذا ما حفز الكاتب لتحقيق هذه المحاكمة التي انتهت من الزاوية القانونية بحفظ الدعوى، وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعياً وأكاديمياً وسياسياً وأدبياً، ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتب خيري شلبي وهو: كتاب «محاكمة طه حسين»، الذي طبع أكثر من مرة، وكانت أولى الطبعات عام 1969.
- ابتدع في الصحافة المصرية لوناً في الكتابة الأدبية كان موجوداً من قبل في الصحافة العالمية، لكنه أحياه، وقدم فيه إسهاماً كبيراً، من خلال كتابة دقيقة لوجه من الوجوه نترسّم ملامحه الخارجية والداخلية، وقدم في فن البورتريه مئتين وخمسين من أعلام مصر.
- أعماله الأدبية لامست السبعين عملاً، في الرواية والقصة القصيرة والدراسة الأدبية والمسرحية وأبرزها: الأوباش. وكالة عطية. ملحمة موال البيات والنوم. صالح هيصة. السنيورة. محاكمة طه حسين. الشمس من فوق المشنقة. المأساة الخالدة. الوتد. عدل المسامير. رحلات الطرشـــجي الحلوجي. زهرة الخشخاش. وتد (تحـــوّلت إلى مسلسل تلفزيوني). ثلاثية الأمالي. مغامرات الأمير في بر مصر. نعناع الجناين (آخر رواياته).
- نال عدداً من الجوائز: الجائزة التشجيعية عام 1981، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، جائزة التميز من اتحاد الكتاب المصري عام 2003.

ذلك الحنين الغامض إلى الموت*

 استيقظ كعادته فجراً، فرد أوراق الكتابة، أمسك بصدره فجأة، لكنه لم يتمسّك بروحه طويلاً، أفلتها ببساطة. «عم» خيري شلبي رحل بلا ألم، بمهارة خبير في الموت. قبل سنوات طويلة، تعطّلت سيارة صاحب «موال البيات والنوم» في طريق «صلاح سالم» السريع. بالكاد استطاع الانحراف نحو اليمين، توغّل في منطقة المقابر القديمة «قايتباي»، تعطّلت السيارة لكنّه استطاع العثور على ميكانيكي من سكان المقابر. انهمك العامل في التصليح، بينما جلس الروائي على كرسي قديم يستكمل كتابته. تدافعت الكلمات بلا عائق.

وجد في جوّ المقابر الساكن شيئاً غامضاً لم يفهمه. منذ تلك الحادثة، أنفق الأعوام الطويلة يكتب في غرفة في المقابر. أصدقاؤه هم الموتى وأصدقاؤهم من عمال ومهمّشين وهائمين على وجوههم. هناك كتب أعماله الكبرى، ورسّخ نفسه كأحد أهم أعمدة السرد في جيل الستينيات. بعد سنوات أخرى، حاول تفسير الحنين الغامض إلى الموت بأنّه الحنين إلى «فوة» المدينة الأثرية التي تحوي 365 مسجداً وقبة أثرية بعدد أيام السنة منذ العصر المملوكي. هناك، قضى طفولته حيث ولد في محافظة «كفر الشيخ»، وحفر التاريخ وآثار الموتى مكاناً عميقاً في قلبه...
الكاتب المتعدد الاهتمامات والطموحات، أنهى 70 كتاباً بين رواية وقصة قصيرة ونقد وبحث مسرحي، فضلاً عن كتابات فن البورتريه. اهتمامات لا تشي بها طفولته الصعبة والقاسية والمتقلبة إلى درجة العمل مع عمال التراحيل. تعرّف باكراً إلى وجه آخر للحياة نادراً ما كتب عنه الأدباء، لأنهم نادراً ما عايشوه. قادته حياته بعد ذلك، أو ربما قادها هو، إلى المزيد من طريدي المدن وسكان الهوامش. صاغ ذلك كله عبر عمره الروائي، لكنه تبلور في «وكالة عطية» الأشد تعبيراً عن عالمه الروائي. هنا، يعتدي الطالب المتفوق في معهد المعلمين على أستاذه، فيطرد من المعهد، ويسقط فجأة من سقف مستقبله الزاهر إلى قاع المدينة بين الصعاليك والمهمشين والمجرمين الذين تجمعهم «وكالة عطية». المكان هنا هو البطل. مع ذلك، فكل شخصية تستحق البطولة.
في حياته الغنية، التقى شلبي أغرب الناس، لكن يصعب تصوّر أنه التقى كل هذه النماذج العجيبة في عمر واحد. لا بد من أنه منح شخصياته الكثير من نفسه حتى انزاحت من تخوم الواقع إلى حدود الفانتازيا. هكذا يبدو الأمر أكثر في روايته «صالح هيصة» الذي هو «ملك الكحيانين»، لأنه «كحيان بكل الطرق». ثلاثيته «الأمالي» التي تكونت من «أولنا ولد»، «وثانينا الكومي» و«ثالثنا الورق» تحولت إلى مسلسل «الكومي» على يد المخرج محمد راضي. لم يكن التحويل إلى الفنون البصرية نادراً في أدب شلبي، لكن الفضل الأبقى ظل للسرد الروائي، ربما باستثناء «سارق الفرح» قصته القصيرة التي حوّلها داود عبد السيد عام 1995 إلى إحدى علامات السينما المصرية.
رحل الرجل الذي لم يكف عن الكتابة والبحث والعمل المؤسّسي (تولى رئاسة لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة ورئاسة تحرير مجلة «الشعر»...). كان له في كل ذلك نشاط وافر وخلافات وصداقات وعداوات. ترك كل ذلك ورحل بيقين وحيد أنّ السرد وسيلته الضرورية للحياة.

* محمد خير- الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...