طفرة غير مسبوقة في تجارة مواد البناء و«الأسعار نار»
رغم كلِّ الإجراءات التي اتُخذت لضبط إيقاع سوق العقارات وتنظيم عمله بوسيلة التشريعات، فإنَّ عدم الاستقرار يبقى الصفة الغالبة، علماً أنَّ رصيداً من الخطوات تمّ اتخاذه من قوانين الاستثمار والتطوير والتمويل العقاري وآخرها التعديل الذي تمّ لقانون التعاون السكني، والذي هدف إلى تفعيل هذا القطاع في حلِّ مشكلة الطلب المتزايد على السكن، وغير ذلك من القوانين والأنظمة الأخرى، والتي يُضاف إليها الجهود التي تُبذل حالياً من قبل وزارة الإدارة المحلية، والتي تستهدف حلَّ العقد المتعلقة بالمخططات التنظيمية وأنظمة ضابطة البناء، أو غير ذلك من الأمور التي تسهم في تأمين متطلبات السكن من الأراضي المعدَّة للبناء.
ومن الملاحظ دائماً استمرار ميل أسعار العقار نحو الارتفاع حتى في ظل حركة البناء العشوائي المخالف التي نشطت في الأونة الأخيرة مستفيدةً من الظروف الراهنة، والتي سجلت ووفقاً لبعض التقديرات إشادة ما يتراوح بين 500-600 ألف مسكن مخالف، الأمر الذي زاد الطلب على مواد البناء وبالتالي زاد من أسعارها بشكل ملحوظ تمثل بزيادة سعر طن الإسمنت عن الـ 9000 ليرة سورية للطن، ووصول أسعار الحديد المبروم وبحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة إلى ما يتراوح بين 38 -47 ألف ليرة سورية للطن بعد أن كان يترواح سعر تلك المادة ما بين 27 -35 ألف ليرة سورية في الفترة المقابلة من العام الماضي، ناهيك عن الارتفاع الذي حصل على أسعار مواد البناء وأجور العاملين في القطاع، والتي انعكست زيادةً على تكاليفه، وبالتالي على أسعاره في السوق التي أضحى الجمود صفةً مرافقةً له سيما وأنّ الحركة الحالية وبحسب أحد المتابعين مقتصرة على بائعٍ مضطر أو مشترٍ محتاج أو متصيد لفرصة.
وفيما تطرح استحقاقات هذا الواقع الكثير من التساؤلات، ولاسيما لدى فئة الباحثين عن سكن صحي مناسب كان ولايزال شعاراً للجهات المعنية بقطاع الإسكان دون أن نجد تطبيقه واقعاً حتى الآن، فإن الأسئلة الأكثر إلحاحاً تتعلق بالسبب، وهنا تبرز العديد من المبررات كان منها الخلل التراكمي الكمي والنوعي في معادلة العرض والطلب والزيادة الكبيرة على الطلب في مرحلة ما وارتفاع أسعار مواد البناء نتيجة ارتفاع سعرها من مصدرها الخارجي أو تحريرها ورفع الدعم عنها داخلياً وغياب سياسات لتأمين أي سياسات داخلية لتأمين المواد الأساسية لقطاع البناء والتشييد بتوافر منتظم وبشكل يغطي حاجة السوق المحلية ويُضاف إلى هذا وذاك عدم وجود آليات ولو في الحدود الدنيا لتنظيم سوق العقارات وتداخل المسؤوليات بين الجهات المعنية فيه (وزارات الإدارة المحلية -المالية -العدل -الإسكان والتعمير -الاقتصاد والتجارة ومجالس المدن..) إلى جانب توجه كم كبير من رؤوس الأموال المتوسطة والكبيرة للاستثمار في مجال بناء العقارات، وبالتالي الاقبال على شراء الأراضي وتداولها في ظل غياب القنوات الاستثمارية الأخرى الأكثر جدوى.
وفيما تتعدد الأسباب الكامنة وراء المشكلة، فإن العلاج اللازم يتنوع أيضاً، وإن اجتمع على ضرورة السعي لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وذلك من خلال آليات يصر ذوو الشأن أن تتضمن التوسع في المشاريع الإسكانية، وخاصة لشرائح الدخل المحدود، وإيجاد لآليات المناسبة والفاعلة لتأمين الأراضي اللازمة للبناء على شكل مقاسم جاهزة مخدمة مرتفعة ومرفقة وتعديل الممنظومة الحالية للضرائب المقررة على العقارات وتداولها بالتنسيق مع وزارة المالية لتشجيع عدم تملك أكثر من مسكن، ووضع حواجز سلبية للإبقاء على الشقق الفارغة، والتي يُقال بأنَّ عددها يزيد عن نصف مليون شقة من أجل إدخالها إلى سوق العرض سواء من خلال التمليك أم التأجير، وذلك إلى جانب السعي لتفعيل وتنظيم أدوار كافة الجهات العاملة في القطاع عن طريق خلق التشريعات المناسبة ووضع الآليات المناسبة والفاعلة لتأمين احتياجات السوق من مواد البناء، إضافة لاتخاذ الخطوات اللازمة لدعم الطلب على السكن إن كان من خلال التوسَّع في منح القروض الميسّرة سواء من حيث الفائدة أم المدّة أو غير ذلك من الأمور التي تصب في خانة الاقتراحات المفيدة لحلِّ هذه المشكلة التي باتت مزمنة على الرغم من كل الخطط والجهود التي بُذلت لعلاجها.
نعمان أصلان
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد