الجامع الأموي في أيام رمضان
يعد الجامع الأموي بدمشق من أقدم الجوامع في سورية ومن أكبرها على مستوى العالم, إذ يبلغ طوله مئة وسبعاً وخمسين مترا وعرضه مئة متر, ومنذ بناء الجامع في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في عام خمس وسبعمئة ميلادية, لا يزال أكثر مساجد دمشق اجتذابا للمصلين, ويزداد عددهم زيادة ملحوظة خلال شهر رمضان.
وللأموي إيقاع خاص خلال شهر رمضان سواء داخل المسجد أو خارجه, فالمسجد يتوسط الآن عدة أسواق كبيرة اختص كل سوق منها بنوع معين من البضائع.
ولا تفتر الحركة حول الأموي خلال النهار أو الليل في الأسواق المجاورة للجامع وتزداد زيادة كبيرة في شهر رمضان المبارك, فسوق الحميدية خاص بالألبسة وسوق البزورية خاص بالأعشاب والأطعمة السكرية والبهار والتمور, وسوق العصرونية خاص بالأدوات المنزلية وسوق الصاغة خاص بالذهب والفضة والمعادن الثمينة, وهناك سوق فرعي تباع فيه الكتب التراثية والدفاتر واللوازم المدرسية, وبعد هدم سوق المسكية لا تزال بسطات الكتب تتوضع في مكانها وأكثر ما يلفت النظر عرض السير الشعبية في طبعات شعبية رخيصة الثمن كسيرة عنترة والزير سالم وألف ليلة وليلة..
وتزداد الحركة حول الأموي في الأيام الأخيرة من رمضان حيث يستعد الناس لشراء حاجات العيد من الألبسة والحلويات وتفتح الأسواق حتى ساعة متأخرة من الليل ولاسيما خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان وفي ليلة العيد تبقى المحال مفتوحة طوال الليل والنهار ويعده البائعون موسما دسما, وينتهز الناس تواجدهم في الأسواق القريبة من الأموي فيزورونه ويتبركون في الصلاة فيه, وتستقبل هذه الأسواق الناس من كل حدب وصوب من داخل دمشق وريفها والمحافظات القريبة, وهي أكثر ما تكون نشاطا خلال شهر رمضان قبل الإفطار وبعده.
يزداد الجامع الأموي ألقا خلال شهر رمضان حيث يقصده سكان دمشق والقرى المحيطة بها للعبادة والاعتكاف, وإقامة حلقات الذكر وإلقاء الدروس الدينية والوعظ والإرشاد.
ويروي الذين سمعوا من قدامى مرتادي الجامع, أنه كان حول كل سارية من سواريه حلقة تدريس, ويقوم العلماء بتدريس مختلف أنواع العلوم الدينية كالتفسير والحديث والعقيدة والتوحيد والثقافة الإسلامية العامة وعلوم اللغة العربية, وفيها يتخرج طلاب العلم ولا تزال الدروس الدينية مستمرة إلى يومنا هذا, ولها خصوصية خلال شهر رمضان حيث تعقد عدة حلقات بعد صلاة العصر, وتختم قبيل المغرب بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
والجامع الأموي هو الجامع الوحيد الذي تؤدى فيه صلاتان إحداهما عادية بآيات قصيرة والثانية في أحد مشاهد الجامع يختم فيها القرآن, ويقرأ الإمام في كل يوم جزءاً من القرآن, ويختتم القرآن الكريم ليلة السابع والعشرين من رمضان.
وتقام بعد صلاة التراويح حلقات للذكر والإنشاد والمدائح النبوية طوال شهر رمضان المبارك ويأتي منشدون من غير المؤذنين ويؤدون الأناشيد الدينية في السدة الرئيسة للمسجد ويبقى المسجد مفتوحا بعد التراويح حيث يؤدي الناس فيه ما شاؤوا من النوافل.
وتكتسب ليالي العشر الأخير من رمضان بهاء خاصا حيث يشعر الناس بقرب انتهاء شهر رمضان المبارك فيحاولون زيادة الأنفال والأذكار, وتتسارع حركة زوار المسجد ولاسيما ابتداء من ليلة الخامس والعشرين من الشهر. ويذكر المنشدون أنهم ابتداء من ليلة الخامس والعشرين من رمضان ينشدون أناشيد خاصة تسمى (الوداع) وفيها كلمات مؤثرة تذكر بقرب انتهاء شهر رمضان المبارك, وتدعو الناس لمزيد من الذكر والعبادة. ويجري احتفال في ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يغلب الظن أنها (ليلة القدر) ويتوافد فيها الناس إلى المسجد من كل حدب وصوب وينقل الاحتفال عبر الإذاعة والتلفزيون, ويبقى الناس بعد انتهاء الاحتفال حتى أذان الفجر ويقضون الليل في قراءة القرآن وقيام الليل والتهجد.
محمد قاسم الخليل
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد