هــل الطبــخ والأزيــاء مــن الفــن؟
ما هو الفن؟ يجيب دوشان بأن الفن الخلاق لا ينجزه الفنان وحده، لأنه يحتاج إلى المتلقي الذي يرفع الغطاء عن عمله من خلال فهم وترجمة خصائصه الداخلية. إذا اتبعنا هذه النظرية، يمكننا اعتبار أي شيء كجزء من الفن. فأي الفنون هي المثيرة للاهتمام؟ أو بالأحرى أيها تملك المقومات لتصنف في خانة الفنون العظيمة؟ وبشأن الطبخ والأزياء، ما هو موقعها من الفن؟
عندما نتكلم على الفن نقصد كل ما يغذي العقل، لكن عندما نتناول الأمور الحياتية البحتة يختلف الأمر، فالثياب صنعت لتغطي الجسد بينما الطعام ليسد حاجاته، وبالتالي هما يقبعان في عالم المادة. إذا تناولنا الموضوع من زاوية سطحية، يمكننا القول إن الثياب فن. والسؤال الجدير بالطرح في هذه الحالة هو إذا ما كان يمكن تصنيفها في خانة الفنون الحقيقية، أي هل بإمكانهما تحريكنا، أو تغيير نظرتنا للحياة، أو جعلنا نفكر بالمسائل العميقة.
إن فكرتي أن الطعام فن، والطبخ ثقافة، ليستا بالمفهومين الجديدين، لأنهما تعودان لفبريات سفارين، الجمالي الفرنسي الذي فلسف ملذات المطبخ في بدايات القرن التاسع عشر. إن الثقافة الفرنسية لطالما اعتبرت الطبخ فنا ومجدته، وبما أن هذا الشعب ابتكر الفن الحديث، يبدو أن ما نتخيله عند تناول عجة البيض مثلا هو أيضا التخيل الذي يقدر العالم العادي كحقيقة جمالية ثقافية.
في المقابل يعتبر الفنان فنسنت فان غوخ أن الطعام ليس أكثر من مسألة جسدية، لا يمكنها تغذية العقل، ولا يمكنها أن تلهم. والأمر نفسه ينطق على الثياب. فهل تجعلنا الموضة نفكر؟ أجل الموضة تجعلنا نفكر، بالموضة فقط! لكن ماك كوين دحض هذه النظرية، لأنه من خلال الموضة يعبر عن قلقه ومخاوفه ويخرج السوء من داخله. ففي هذه الحالة، ألا يعتبر فن الثياب فنا؟ وهل هي أعمق مما توحي إليه؟
إن الفن يحدّث العقل، وهو أمر سامي، وكل ما يمنحنا إياه، يمنحه لعقلنا بشكل محدد. يفشل فنا الطبخ والثياب في أن يؤخذا على محمل الجد لأنهما مكبلان في العالم المادي. وإذا قارنا على سبيل المثال وعاء فاكهة حقيقي بلوحة رسم عليها الوعاء نفسه، نلاحظ أن قدرات الوعاء الحقيقي تقتصر على التأثير فينا بشكل سطحي. بينما الفن يغذي العمق فينا، ويمسنا في أماكن يعجز عن بلوغها ألف طباخ وخياط.
(عن الـ«غارديان»)
إضافة تعليق جديد