أزهريون يرفضون الدعوة لدمج المناهج الإسلامية والمسيحية بمصر
رفض علماء أزهريون دعوة نائب قبطي في مجلس الشورى المصري إلى دمج التربية الإسلامية والمسيحية في مادة واحدة لطلبة المدارس لتعليم القيم المشتركة بين الديانتين بهدف إزالة "حالة الاحتقان الطائفي والديني في المجتمع المصري"، معتبرين أن هذا الاقتراح يحمل عواقب وخيمة في المستقبل.
وكان النائب القبطي نبيل لوقا بباوي اقترح دمج مادتي التربية الإسلامية والمسيحية في منهج واحد -دون إلغاء تعليم الديانتين كل على حدة- يدرّس لجميع الطلاب دون تفرقة ويركز على قيم الأخلاق والتسامح وحقوق المواطنة.
ودعا عدد من أعضاء المجلس إلى أخذ رأي شيخ الأزهر والبابا شنودة قبل مراجعة المناهج.
ومن جانبها، رفضت د. سعاد صالح، الأستاذة بجامعة الأزهر، الفكرة وقالت: "هذه الدعوة امتداد لمسلسل الضغوط الخارجية لتغيير المناهج، وأنا لا أقبل مثل هذه المادة وأرفضها تماماً ولا أوافق عليها إطلاقاً، لأنها دعوة تخالف الفطرة؛ فالدين مجموعة من العقائد، وهو أساس الأخلاق، فإلى جانب العقائد التي تعلم التلميذ أصول دينه مثل الوضوء والطهارة والصلاة والمعاملات تأتي الأخلاق".
ومضت تقول: "أتحدى أن يوجد في مادة التربية الإسلامية في مناهج التعليم أي نصّ يحض على التطرف والإرهاب".
وفي سياق متصل، قال د. أحمد طه ريان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر حول دعوة دمج التربية الدينية المسيحية والإسلامية: "إننا أولاً مع حسن النوايا التي انطلق منها النائب نبيل لوقا بباوي لتأسيس هذه المادة، لكن هذه الدعوة تنطوى على قضية خطيرة، لأن أبناءنا في التعليم المصري لا يدرسون سوى القشور عن الدين الإسلامي، وبالتالي يجهلون تعاليم دينهم، فحينما ندمج المادة لتصبح مادة واحدة يدرس فيها الأخلاق والمواطنة فقط سنزيدهم جهلاً بدينهم، والجهل بالدين قد يزيد من مسألة استعداد التلميذ لتقبل أفكار التشدد والتطرف".
وأضاف د. ريان "الدعوة إلى دمج مادتي التربية الدينية الإسلامية والمسيحية قد تؤدي الى نتائج عكسية للهدف المنشود، فلهذه الدعوة عواقب وخيمة".
إلا أن د. نبيل لوقا بباوي، وكيل لجنة الثقافة والسياحة بمجلس الشورى، قال إن اقتراحه بدمج مادتي التربية الإسلامية والمسيحية لا يعني إطلاقاً إلغاء تدريس الدين سواء الإسلامي أو المسيحي في المدارس.
واعتبر أن اقتراحه هو "إضافة مادة جديدة إلى ما هو موجود بالفعل في المناهج الدينية، على أن تتضمن المادة المقترحة آيات من الإنجيل والقرآن الكريم لتعليم أبنائنا القيم المشتركة في الديانتين لإزالة حالة الاحتقان الطائفي والديني في المجتمع المصري".
وأكد بباوي: "أن وزير التعليم بصدد دراسة اقتراحه والموافقة عليه واعتماد هذه المادة والموافقة على إضافتها إلى المناهج الدراسية".
وكان وزير التربية والتعليم د. أحمد زكي بدر عقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً في الشهر الماضي مع مفتي الديار المصرية د. علي جمعة، أعلن فيه أنه سلم مناهج التربية الدينية الإسلامية من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي إلى الشيخ علي جمعة لتعديلها، ومثيلتها المسيحية إلى البابا شنودة، وقال المفتي إنه اقترح مادة إضافية تدرّس للطلاب المسلمين والمسيحيين.
ودعا عدد من أعضاء المجلس إلى أخذ رأي شيخ الأزهر والبابا شنودة قبل مراجعة المناهج، فيما نفى د. فاروق إسماعيل، رئيس لجنة التعليم أن تكون هناك مؤامرة أو ضغوط خارجية أو أي إملاءات لمنع تدريس المناهج الدينية في المدارس.
وقال د. بباوي: "إن اقتراحي بدمج مادتي التربية الإسلامية والمسيحية ليصبحا مادة واحدة تسمى (المواطنة) أو مادة (المحبة)، ليس له علاقة بمسألة تعديل أو تطوير المناهج الدينية، وإنما اقتراحي هو تأسيس مادة جديدة تجمع في مضمونها بين القيم الإسلامية والمسيحية محل الاتفاق بين الديانتين، وأن يبتعد هذا المضمون عن المسائل الخلافية".
وشرح اقتراحه بالقول: "ما أدعو إليه في الاقتراح ينصّ على إنشاء مادة دينية وأخلاقية وسلوكية تضم آيات من الإنجيل، وآيات من القرآن الكريم، في مسألة أخلاقية معينة، وأن آخذ قصصاً من الإنجيل، وقصصاً من القرآن اتفقت فيها الديانتان وذلك لخلق جيل جديد ينشأ على الحب والود وقبول الآخر".
وأضاف أن "تدريس هذه المادة سيكون في المرحلة التمهيدية ثم تتطور المادة وتتوسع في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، لتصل الى أعلى مراحل تطورها في المرحلة الثانوية".
وأكد د. بباوي "أنا لا أدعو إلى ألا يتعلم الطلاب عقائد دينهم سواء المسيحيين أو المسلمين، ولكن هذه المادة التي أقترحها يمكن أن يدرسها مدرس مسلم أو مسيحي، ومن خلالها سيتعلم الطفل المسلم ما الذي تدعو اليه المسيحية من قيم أخلاقية، وكذلك سيتعلم الطفل المسيحي ما الذي يدعو اليه الدين الاسلامي من قيم ومبادئ".
وتابع "من خلال ذلك سنصل الى نتيجة واحدة، وهي أن يتعلم النشء الجديد أن الديانتين تدعوان الى قيم واحدة، مع الابتعاد عن المناطق الخلافية العقائدية بين الديانتين".
وحول مسار هذا الاقتراح وهل يتطلب موافقة البابا شنودة أو شيخ الأزهر، قال د. بباوي "أنا هنا ليس لي شأن بالدين، وإنما قدمت الاقتراح إلى وزير التربية والتعليم المصري فإذا وافق عليه سيتم تشكيل لجنة علمية وتضع المادة وفق الفكرة المقترحة".
وعن هدفه من طرح هذه المادة، قال: "إن مسألة الاحتقان الطائفي الذي نعيشه اليوم ترجع الى عدم معرفتنا ببعضنا بعضاً عن قرب، فلو أن الطفل في الحضانة مثلاً تعلم أن القرآن الكريم يقول: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وأن هذه الآية تعني أن العمل الصالح مرآة لإسلامك، وعلم هذا الطفل أيضاً أن نفس معنى هذه الآية موجود في الإنجيل حينما نقرأ فيه (ليروا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السماوات)، حينما يتعلم الطفل هذه المسائل الاتفاقية، سيتعلم بشكل تلقائي معنى المواطنة وحب الآخر، ويزول الاحتقان".
وأضاف "أن الاحتقانات الثنائية بين مسلم سُني وآخر شيعي وبين مسلم ومسيحي، وبين مسيحي آرثوذوكسي وآخر بروتستانتي، هذه الاحتقانات هي مفاتيح اختراق الأمة، وأن خير سبيل لإزالة هذه الاحتقانات هو تعليم المواطنة بهذه الطريقة التي اقترحتها".
مصطفى سليمان
المصدر: العربية نت
إضافة تعليق جديد