العراق يعبر نفق الانتخابات إلى المجهول
باقل مما كان متوقعاً من سفك الدماء، وبأكثر مما كان مرتقباً من الإقبال على صناديق الاقتراع، عبر العراق نفق الانتخابات النيابية الثانية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 ، ليدخل في اختبار جديد حول مستقبله السياسي الذي تحف به المخاطر الداخلية والخارجية، والذي يمكن أن يؤدي الى تصعيد دورة العنف الطائفي مجدداً، لا سيما اذا تبين أن العملية الانتخابية غير كافية لترسيخ معادلة جديدة بين القوى السياسية المختلفة، وغير مساهمة في تشكيل حكومة عراقية جديدة في مهلة زمنية معقولة، او اذا ما أساء المحتل الأميركي التصرف مرة اخرى، أو أساء أحد جيران العراق التقدير.
وعلى الرغم من ان محاولة تعطيل الانتخابات، التي نفذها بشكل اساسي تنظيم «دولة العراق الاسلامية»، اتخذت شكل هجمات صاروخية وتفجيرات انتحارية، لم تميز بين العراقيين سنة وشيعة، وأسفرت عن مقتل 38 عراقياً وإصابة 110 آخرين في بغداد ومدن عراقية أخرى، فإن المخاوف من تعطيل العملية السياسية التي يفترض ان تلي الانتخابات زادت امس مع إقفال مراكز الاقتراع وبدء فرز الاصوات، إلى حد إعلان حالة التعبئة الأمنية وحظر التجول في بعض أنحاء العاصمة العراقية، والاستعداد لما وصفه الرئيس الأميركي باراك اوباما في تهنئته للعراقيين بنجاح الانتخابات بـ«الأيام الصعبة للغاية» المقبلة.
وهكذا، بدلاً من ان يحتفل العراقيون بيومهم الانتخابي الطويل، خيمت عليهم أجواء من القلق من احتمالات اقلها سوءاً هو حصول فراغ في السلطة قد تستغله الجماعات المسلحة وأخطرها أن تتجدد الفتنة المذهبية التي لا تزال ماثلة في الأذهان، على الرغم من تشتت الشيعة وانخراط السنة وابتعاد الكرد، او ان تحصل تدخلات خارجية اميركية او إقليمية فظة من أجل توجيه العملية السياسية بما يتعارض مع رغبة الناخب العراقي الذي برهن امس انه تعب الى حد ما من الحروب والأزمات التي تلاحقه منذ عقود طويلة.
عبر العراق النفق الانتخابي الى مكان مجهول، غامض، لا سيما أنه ليس من المتوقع أن تحقق أي لائحة الغالبية لتحكم وحدها، ما يعني ان تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد قد يستغرق شهوراً، وأيضاً حسب تقدير اوباما نفسه! وأعلنت الأمم المتحدة أن النتائج الأولية للانتخابات ستبدأ بالظهور الخميس المقبل على أن تكون نهائية في 18 آذار الحالي ورسمية في أواخره.
وتشير الأرقام الأولية لدى المسؤولين العراقيين إلى أن السنة، الذين قاطعوا انتخابات عام 2005، شاركوا هذه المرة بنسب توازي المناطق الشيعية، إن لم تتجاوزها. وبلغت نسبة المشاركة في محافظة ديالى نحو 55 في المئة بينما بلغت في كبرى مدنها بعقوبة 90 في المئة. وسجلت نسبة 64 في المئة في الأنبار ونحو 65 في المئة في نينوى وأكثر من 62 في المئة في صلاح الدين.
في المقابل، تراوحت النسب في المحافظات الشيعية بين 48 في المئة في واسط و64 في المئة في المثنى، ونحو 55 في المئة في المناطق الأخرى، بينما بلغت في البصرة نحو 50 في المئة. أما في كركوك، فقد بلغت النسبة 70 في المئة، في حين سجلت نسبة 76 في المئة في محافظة اربيل ونحو الستين في محافظة السليمانية.
وفي واشنطن، وصف اوباما، في مؤتمر صحافي مقتضب، والى جانبه نائبه جو بايدن في البيت الأبيض، الانتخابات بأنها «مرحلة مهمة» في تاريخ هذا البلد. وقال «نعرف ان العراق سيواجه أياماً صعبة للغاية وأنه قد تحصل أيضاً أعمال عنف اكثر على الأرجح، لكن العراق وككل دولة سيدة ومستقلة، ستكون له حرية اختيار طريقه الخاص».
وأضاف «لا يجب على احد محاولة التأثير على هذه الفترة الانتقالية أو استغلالها أو محاولة تعطيلها. حان الوقت الان على كل دولة من دول الجوار احترام سيادة العراق ووحدة اراضيه». ورحب «بالمشاركة الكثيفة» للعراقيين في الانتخابات على رغم اعمال العنف. وأشاد أيضاً بالطريقة التي أدارت بموجبها السلطات العراقية الوضع.
وأشاد اوباما بقوات الأمن العراقية لما وصفه بأنه مقدرتها المتزايدة ومهنيتها وتمسك بهدفه سحب كل قوات الاحتلال من العراق بحلول نهاية 2011. وقال «لدي احترام كبير لملايين العراقيين الذين رفضوا الحؤول دون التصويت عبر أعمال العنف، ومارسوا حقهم في التصويت اليوم». وأعلن ان على العراقيين وحكومتهم البقاء متأهبين «خلال العملية الدستورية الطويلة»، موضحاً ان عملية تأليف الحكومة الجديدة «لن تأخذ أسابيع بل أشهراً».
وقال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، مستنداً لمعلومات تلقاها من قائد قوات الاحتلال الأميركي في العراق الجنرال راي اوديرنو، «أداء قوات الأمن العراقية كان ممتازاً. والإقبال على التصويت كان مرتفعاً إن لم يكن أعلى من توقعات سابقة. ولذلك، وبصورة إجمالية، كان يوماً طيباً للعراقيين ولنا جميعاً».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد