معاكسة الشابات عادة... أوجها في الأعياد
أتى موسم الأعياد ليغسل القلوب ويصفّي النيات. ولكن ليس كل النيات... فسائق التاكسي وجد فيه فرصة لا تفوت لزيادة ربحه والتلاعب بالرقم الذي يظهر على العداد مع عبارة: «كل عام وأنت بخير». ومعظم الباعة والتجار يقبضون ثمن بضاعة العيد بكل أشكالها وأصنافها أضعافاً مضاعفة، وأما الشبان فيجدون فيه مناسبة لزيادة تحرشهم بالفتيات المحتفلات في الطرق والأماكن العامة وتوجيه التعليقات إليهن، وهو ما يعرف هنا بـ «فن تلطيش الصبايا».
تقول مايا إنها لا تستطيع السير في الشارع في هذا الوقت من السنة، من دون أن تتعرض لمضايقة، وتتحاشى ركوب الباص العمومي بأناقة، «فما أسهل أن يقترب أحدهم مني ويتحرش بي، ولا أريد أن أنغص الفرحة». وذلك علماً أن الفرحة نغّصتها الأحداث الأليمة في غزة.
وفي يوميات الأعياد المتلاحقة هذه السنة، اعتادت سلمى سماع تعليقات سخيفة على لباسها أو تسريحة شعرها من جار في الحارة. وتشير إلى أن التعليقات هذه الأيام، أصبحت أكثر حدة ووقاحة، «وكأنها حق مشروع للشبان!».
تشكل ظاهرة «التلطيش» جزءاً لا يتجزأ من حياة الشبان والشابات من جميع الفئات. فهي تصدر عن العامل والبائع، كما عن الطالب وخريج الجامعة، وعن الفتيان كما عن الرجال. ولا تنحصر في حي فقير أو راقٍ، ولا تفرّق بين محجبة أو سافرة.
سها المحجّبة والملتزمة تنال نصيبها، على رغم ذلك، من العبارات البذيئة. وأما رنا فقد اعتادت «التلطيش» اليومي، «وعندما لا أسمعه أشعر وكأن شيئاً ما ينقصني!»، تعلّق ساخرة. وريم تنزعج، وتعترف همساً بشعورها بأنها ليست جميلة كفاية، إذا مرت قرب شاب ولم يعلّق.
ويصل الأمر بشابات أخريات إلى حد التباهي والتفاخر بكثرة التلطيش الذي يتلقينه كبرهان حاسم على أنوثتهن وجاذبيتهن. وتذكر منى عن جدتها أن شبان الحارة كانوا يترقبون ذهاب أمها إلى الجامعة، لكي يُسمعوها عبارات الإعجاب، «فقد كانت جميلة جداً!»، تقول بدلال قبل أن تضيف: «وأعتقد أنني أشبهها».
ماهر الشاب له رأي مغاير في كل هذا، ويقول: «الفتاة هي التي تجبرني على التحرش بها عندما تلبس ثياباً فاضحة أو تسير بطريقة لافتة للنظر، وهو ما يكثر حدوثه في موسم الأعياد. أنا شاب مثل كل الشبان لا أستطيع مقاومة هذه الإغراءات دائماً!».
- «تسلمي بالهطلة»، «سحرتني هالعيون»... من مفردات «الغزل المبتكر» الذي لا يدوم أكثر من لحظات قبل أن يتحول إلى شتيمة أو كلام قاسٍ وبذيء، إذا أبدت الفتاة أي استياء أو امتعاض. ذلك أن «كرامة» الشاب فوق كل اعتبار ولا بد من أن تدفع الفتاة ثمن جفائها!
تقول لبنى: «عندما ترتسم علامات الغضب على وجهي، يتحول «التلطيش» إلى شتائم وسباب، فأقف عاجزة وحائرة أمام هذه الوقاحة. وأرغب في الصراخ وتلقين هؤلاء الشبان درساً لا ينسى. ثم أفكر بالفضيحة جراء ذلك، فأختار السكوت ومتابعة طريقي حانقة». مها قررت أن تكون جريئة وألا تسمح لأحد بالتعدي عليها، ولو بكلمة. تمشي بثقة وترد على كل شاب يحاول تلطيشها: «أحياناً ينجح مسعاي وأحياناً أخرى أضطر إلى الاستسلام أمام سفيه ومتماد».
«أنا لا أفهم لماذا تستاء الفتاة من الغزل والكلام الجميل، هذا دلال، ولا بد من إيقاف كل فتاة متمردة عند حدها كي لا يتحول دلالها غروراً»، يقول أحمد، بينما يتجنّب عمار توجيه التعليقات إلى أي فتاة، «لأنني أخاف أن ترد عليّ أو تتجاهلني فأصبح محطاً لسخرية أصدقائي».
وإذا كانت الفتاة التي تتعرض للتلطيش أختاً أم قريبة؟ يغضب سليم جداً ويجيب: «لا أسمح لأحد بالعبث بما أعتبره شرفي، فكرامة أختي من كرامتي، وأنا مستعد لأن أرتكب جريمة قبل أن أسمح بالتعدي عليها ولو بكلمة». وأما محمد، فجوابه بالفعل لا بالقول: «بما أنني لا أقبل أي إهانة لأختي، لا أستطيع إهانة الفتيات الأخريات. وعلى كل شاب أن يخجل من نفسه ويقلع عن التحرش بالفتيات أو معاكستهن».
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد