حب ونميمة وتهكم ... حول فنجان قهوة
بين الشرفات الرحبة والفخمة في المناطق الغنية، وتلك المتلاصقة والمتشابهة في الأحياء الشعبية، وتلك «المتنافسة» في مناطق السكن العشوائي، تهاجر الأحاديث والنظرات بين شرفة وأخرى، تروي القصة نفسها مرة تلو المرة.
جارة جديدة يغار منها الجميع أو جار بخيل يثير السخرية والتهكم... قصص الجيران التي لا تنتهي تكاد تكون هي نفسها في الأحياء الشعبية الفقيرة، حيث حياة كل جار مكشوفة تماماً على جيرانه الآخرين، وأيضاً في الأحياء الميسورة، حيث لا يعرفون أكثر من أسماء الجيران وماركات الثياب!
«الله يوصي بسابع جار»، تقول أم أحمد، وهي امرأة في الخمسيــــن من عمرها، تسكــن في منطقة «بـــرزة البلد» الشعبــــية في دمشــــق، وتضيف بابتسامـــة تنـــال من تجاعيد وجهها: «أمضي مع جاراتي وقتاً أطول من الذي أمضيه مع زوجي وأولادي. عندما يغادر الرجال البيت، نفتح الأبواب ونجتمع نحن النساء في الباحة المجاورة، نشرب القهوة ونقرأ بالفنجان ثم نتساعد في تحضير الغداء، تقطيع الخضر وقطف الملوخية أو تنقية الرز والعدس...».
أم أحـمد هي كبيرة الحارة، تستمع الى مشاكل النساء، وحتى عندما تكون المشكلة مستعصية أو تتعلق بالرجال، فإن أم أحمد لا تتوانى عن التحدث مع أبو أحمد، فهو أيضاً كبير الحارة الذي يمون على الجميع. تختلـــف الصورة في الحارات الأكثر «تمدناً»، حيث تعلــــو الأبنيــــة وتكثــــر الشقق، فتبــــدو العائلات المتجاورة أكثر استقـــلالاً بعضهــــا عن بعـــض، طبعاً إلا مـــن أحاديث النميمة المشوقـــة. «تكثــــر النميمة، عندما تأتي جــارة جديدة، وبخـــاصة إذا كانت جميلـة»، تروي السيدة ليلى (42 سنة) وتتـــابع ضاحكة: «الكل يخاف من أن تسرق انتباه الأزواج، فنفعل ما بوسعنا «لتطفيشها» من الحي».
اللافت أيضاً هو مدى تأثير علاقة الأولاد الصغار في الأهل، فغالباً ما تكون المشادة بين جارتين أو جارين، ناتجة من عراك بين أولادهما. «الأطفال الأشقياء يتصالحون في أقل من ساعة بينما يستمر خلاف الأهل أشهراً»، تشرح ليلى ضاحكة.
والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بعيداً عن أقرانه كما يقول علم الاجتماع، بل يحتاج إلى التفاعل اليومي مع أسرته وجيرانه. وتتأثر هذه العلاقة بالمفاهيم والقيم التي ينشأ عليها كل فرد.
ولا تصعب ملاحظة بعض التراجع في العلاقات بين الجيران، بسبب تراجع القيم الاجتماعية التي كانت مهيمنة على العلاقات في ما مضى، وإلى ظروف المعيشة القاسية، حيث طالت ساعات العمل وكثرت وسائل التكنولوجيا الحديثة والترفيهية، التي قللت من الوقت المخصص لاجتماع الجيران والأقارب.
«تلك الجارة الصبية التي كنت دائماً أنتظرها على الشرفة، أصبحت الآن زوجتي» يقول تمام (27 سنة)، وهو يروي حكايــــة الحب التي عاشها مع جارته أماني (23 سنة)، ويتذكّر والسعادة تغمره: «أعاني من ضعف نظر واسٍتخدم نظارات طبية، وكذلك أماني، وقد أصبحت هذه النظارات إشارة الى الاتصال في ما بيننا. نرفعها عن وجهينا نتبادل الابتسامات كل صباح. وبقينا على هذا المنوال لأكثر من سنة ولم يشعر أي من الجيران الآخرين بنا. بعد أن تخرجت من الجامعة مباشرة أرسلت أمي لتخطبها لي».
تمام وأماني عاشا جيرة حب، ومن يدري إذا كانت ابنتهما لمياء، ذات السنة والنصف ستعيش قصة حب مشابهة مع جارها، أو صداقة نميمة مع جاراتها في الحي، أم أن الجيرة ستكون وقتها قد اتّخذت أشكالاً أخرى!
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد