مسلسل الهدم في الشيخ سعد بالمزة
تحت يافطة تنفيذ القوانين والأنظمة.. يبدو ان محافظة دمشق وقعت في حالة من التخبط والارتجالية ولاسباب مقصودة وغير مقصودة..
ففي حين تنام في العسل /40/ عاماً تستفيق في الشهر الماضي وتريد تنفيذ التنظيم..
ورغم انه شهر امتحانات الطلاب فقد حولت منطقة الشيخ سعد في المزة الى منطقة معزولة تماماً عن دمشق وتعاني من نقص حاد في الخدمات الاساسية حتى الآن..
ولم تكتف المحافظة بتشريد عشرات العائلات وقطع مصادر رزقهم في الطرف الغربي لشارع ناظم باشا بسبب الهدم السابق بل اتجهت الى الطرف الشرقي منه وقامت ايضاً بتوزيع انذارات لاخلاء أكثر من /30/ عائلة من منازلهم ومحلاتهم التجارية وحرمان حوالي /300/ عامل من لقمة عيشهم والحاقهم بقاطرة البطالة وكأنه بقي فيها متسع لهم..!!
والموعد طبعاً هو 28/6/ القادم دون ان تؤمن لهم السكن والعمل البديل...
وهنا يتساءل الأهالي: متى كان تنفيذ القوانين والأنظمة بشكل جزئي؟! فالقوانين التي اتاحت الاخلاء للمصلحة العامة ذاتها أمرت المحافظة بتأمين المنازل البديلة للمستحقين حتى قبل توجيه انذارات الاخلاء إليهم.. فلماذا لم تفعل ذلك محافظة دمشق؟!
سؤال صدر بحرقة من أفواه مالكي وشاغلي العقارات ذوات الارقام مابين /132 وحتى 143/ مزة ـ الشيخ سعد ـ وبدوا في حالة يرثى لها من الارتباك والخوف من المجهول.. حيث عبر بعض من التقيناهم منهم عن هذه الحالة بقولهم:
السيد محمد حمدان قال: إن الحيف والظلم الذي يمارسة المسؤولون في محافظة دمشق نتيجة مخالفة القوانين والأنظمة المرعية بمحاولتهم إخلاءنا من العقارات التي نسكنها ونشغلها في منطقة مزة (شيخ سعد) دون تخصيصنا بمساكن بديلة أمر لا تقره المبادئ والاعراف والنصوص القانونية المطبقة على المنذرين بالهدم.
وإن تحقيق الاخلاء من بيوتنا دون تخصيصنا بمساكن بديلة أمر ينافي أيضاً العدالة التي يجب على مسؤولي المحافظة السهر من أجل تحقيقها لاناس فرض عليهم اخلاء عقاراتهم ليس بارادتهم ولكن في سبيل المصلحة العامة التي نرضخ لها ونحترمها..
واضاف: مما يؤكد التعسف في استعمال الحق من قبل المحافظة هو اصدار قرارات الاستملاك منذ /40/ سنة وتركها على حالها وبايدي اصحابها وشاغليها دون القيام بأي عمل يخص غاية الاستملاك ما ينفي بعد كل هذا الزمن فكرة النفع العام التي يقوم عليها قانون الاستملاك ويجعل قرار الاستملاك لمنطقة الشيخ سعد ملغى ولايترتب عليه أي أثر قانوني.
السيد غازي غازي قال: سبق ان قامت المحافظة باستملاك عقارات هي ملك /طابو أخضر/ لجدي وقد تم عليها بناء المدينة الجامعية.. والآن تنذرنا المحافظة لاخلاء هذا المنزل الذي نسكن فيه دون تأمين بديل لنا في المنطقة نفسها أو أخرى تابعة لدمشق.. واضاف: إن اللجنة التي ارسلتها المحافظة من أجل التأكد من عدد العائلات القاطنة في كل منزل كانت ضدنا في كثير من الأمور:
اولها: حساب التخصيص وفقاً لمساحة المنزل وليس لعدد العائلات التي تسكن فيه.
ثانيها: تم تسجيل مساحة المنزل/186/ متراً مربعاً في حين مساحته الحقيقية /600/ متر مربع..
ثالثها: تعاملوا معنا بأسلوب أمني بحت حيث كانوا يقومون بعدة «كبسات» أي زيارات للمنزل في اليوم الواحد ويفتشون كل شيء حتى الحمام..
رابعها: قاموا بتقدير مساحة الغرف العلوية في الطابق الثاني دون أن يكلفوا أنفسهم الصعود إليها وقياسها على الواقع..
واشار غازي الى أنه تم توجيه إنذارين باسم والدته واسمه دون ذكر بقية العائلات القاطنة.
أما السيد عدنان حمدان فقال: المزة أكثر أحياء دمشق تضرراً من الاستملاك لوجود المرافق العامة على أرضها ومنها: مشافي المواساة والأطفال والأسد الجامعي واوتوسترادا /17/ نيسان والمزة والمدينة الجامعية وجامعة دمشق ومنشأة الجلاء الرياضية وبنك الدم والهاتف الآلي وغيرها..
وأشار إلى انه كان يملك اراضي مساحتها /400/ قصبة في منطقة قريبة من مشفى الأسد الجامعي وقد أجبر على التنازل عنها بسعر لايتجاوز ثمن نصف متر من الأرض نفسها الآن وقال: الآن جاء دورنا في منطقة الشيخ سعد حيث نشأتنا وولادتنا فقامت المحافظة باستملاك منزلنا منذ العام 1965 لمصلحة وزارة التربية وفي عام 1984 تم التنازل عنه قسرياً لقاء اسهم لاتتجاوز قيمتها 10% من ثمن المنزل والان وزعت علينا المحافظة انذارات بالاخلاء تنتهي في 28/6/2006 ونحن نتساءل: كيف نخلي والى أين؟
الى بيوت الإيجار والجميع يعلم كم هي اسعارها مرتفعة أم الى المنازل البديلة والمحافظة لم تخصص لنا أياً منها؟
علماً ان منافذ الدخول الخروج من منطقة الشيخ سعد مغلقة.. ومازال السؤال يحيرنا: كيف سنخلي منازلنا؟
وفي الشكوى التي تقدم بها شاغلو العقارات الى الجريدة تعهدوا بالاخلاء شرط ان تكون مديرية تربية دمشق جاهزة تماماً لإنشاء المدرسة لكن وفي حال عدم جاهزيتها طالبوا بترك العقارات على وضعها الراهن كون توسيع طريق ناظم باشا قد تم..
واكدوا على ضرورة تأمين المساكن البديلة لهم في أقرب مكان بمدينة دمشق كونهم من المدينة وتمديد مدة الانذارات كون الطريق مغلقة بسبب الحفريات.
ويقولون: المنطقة مستملكة منذ /40/ سنة ولم تعط لشاغلي العقارات أية انذارات مسبقا هل هذا معقول.. نوم عميق واخلاء خلال ثلاثين يوماً..!!
وبعد كل ذلك اذا سألت مسؤولي المحافظة لماذا فعلتم ذلك و.. و..؟ يجيبون: تم توزيع اسهم بديلة عليكم عن العقارات المستملكة..
ونحن نقول: نعم تم ذلك ولكن قرار التوزيع كان اجبارياً ويعود للعام 1977 وان هذه الاسهم الموزعة لاتساوي قيمتها 10% من قيمة العقارات وهي عبارة عن أرض وشقق على الهيكل قمنا ببنائها وكسوتها ولم تكن جاهزة للسكن كالمنازل المطلوب اخلاؤها.
ويتساءل الشاغلون: لماذا فقط 10% أو حتى 30 % من قيمة عقاراتنا وليس 100%؟ مع ان العدل يفرض علينا اذا أخذنا شيئاً من أحد أن نعطيه مايعادل قيمته مالاً أو شيئاً آخر..
كما التقينا الدكتور المهندس وجيه الناعمة استاذ في كلة الهندسة الميكانيكية والكهربائية في جامعة دمشق وسألناه عن الطريقة التي يتم فيها تنفيذ التوسع فقال: نحن لانعارض مخططات الدولة التنظيمية والحضارية وانما نعارض التنفيذ الارتجالي والعشوائى الذي لاينظر باتجاه انساني للمواطنين وخدماتهم حيث كان من المفترض ان يتم التنفيذ بخطوات مدروسة ومنظمة وعلى مراحل مثلاً.. إغلاق طرف واحد من الطريق وترك الطرف الآخر كي لاتنقطع المنطقة عن خدماتها..
لكن الذي حصل هو اغلاق الطريق من منطقة الاسكان وحتى دوار مشفى المواساة ذهاباً واياباً وكل المعابر الفرعية وباتت المنطقة مغلقة تماماً لاتسمح بعبور أية مركبة سواء لتأمين حاجيات المواطنين اليومية وتنقلاتهم (مواصلات، إسعاف، إطفاء..الخ) أو تداول البضائع للمحلات التجارية فأصبحت المنطقة شبيهة بمنطقة كوارث حيث انقطاع الهاتف منذ الساعة الأولى لتنفيذ الهدم وحتى تاريخه إضافة الى انقطاع التيار الكهرباء والمياه لعدة ساعات يومياً وايضاً كسر مجرور الصرف الصحي ما يؤدي الى انتشار الروائح الكريهة والأمراض والاوبئة في هذه الأيام الحارة.
والهدم الحالي ـ في حال نفذ ـ فإنه سيخلق مشكلات اجتماعية بتشريد أكثر من 300 عامل إضافة الى حوالي /700/ عامل تم قطع مصدر رزقهم في الهدم السابق وهو أمر لم تحسب له حساب محافظة دمشق ولا وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل..
وفي هذا يقول عدد من العمال في المحلات التجارية المنتشرة على الطرف الشرقي لشارع ناظم باشا:
ـ حسان حواج: أعمل في محل البلدي منذ /15/ سنة متزوج ولي سبعة اولاد وليس لدي عمل بديل في حال خرجت من هذا العمل.
ـ محمد طبيخ: اعمل في مصبغة منذ عام 1976 متزوج من اثنتين ولي سبعة اولاد.. الآن وبعد 30 سنة تريد المحافظة اخراجي من محلي أين أذهب هل علي أن ابدأ بعمل جديد وفي مصلحة أخرى.. أن استأجر محلاً آخر مع العلم أن الإيجارات مرتفعة جداً ولكن (مكره أخوك لابطل) لان تأمين لقمة العيش لأسرتي يتطلب مني الكثير من المغامرات.
ـ سامر فتالة: ولدت في هذه المنطقة منذ 29 سنة وتربيت في هذا الشارع وأعمل في محل مأكولات الهنا لأعيل عائلتي المؤلفة من عشرة اشخاص وكون والدي متوفيين بقيت عازباً لاجل اعالتهم.
ـ محمد حروب: عمري 40 سنة ولا أملك في هذه الدنيا سوى هذا العمل الذي اقتات منه أنا ووالدتي وزوجتي وأولادي الاثنان.. علماً أنني أخرجت من منطقة خلف مشفى الرازي على اوتستراد المزة بسبب الاستملاك الى هذه المنطقة وبعد الهدم لا أعرف الى أين أذهب مرة ثانية..
ـ قاسم السقى: آل المحل إلي بالإيجار من والدي والآن تعيش منه ثلاث عائلات ولايوجد لدينا بديل عنه.
وفي محل فروج عمار التقينا أيضاً بالعمال أحمد و حسان الشربجي وعمار غنام وجميعهم متزوجون ولديهم أولاد ومحتارون في تدبير مصادر رزق أخرى لهم بعد تفنيذ الهدم..
ونظراً لأن مطالب أهالي منطقة الشيخ سعد محقة ومشروعة ومخاوف العمال تستحق الاهتمام والتبديد من قبل محافظة دمشق قبل ان يتم تنفيذ الهدم بفترة معقولة التقينا السيد عبد الفتاح أياسو مدير الاستملاك والتنظيم العمراني في المحافظة حيث سألناه بداية عن اسباب توجيه الانذارات بالاخلاء في 28/6 القادم في حين مازالت قضايا التبديد والتخصيص لشاغلي العقارات مبهمة حتى الآن فأجاب:
الإنذارات وجهت لتنفيذ تنظيم طرفي شارع ناظم باشا وهذا التنظيم موضوع منذ /40/ عاماً.. وقد تم تنفيذ الجزء الأول منذ حوالي شهر وبقي القسم الغربي من تنظيم ناظم باشا عبارة عن مدرسة ومستوصف ويتبع لمديرية الخدمات الفنية وضمن الخارطة المدرسية والمصور التنظيمي.
وقد تم جرد الاشغالات الموجودة على هذه المنطقة وتم حصر الاستحقاقات للسكن البديل وفق دراسة أولية وعددها تسع اشغالات فيها /16/ عائلة منها /14/ مستحقون بسكن بديل سيتم تخصيصهم خلال الاسبوع القادم بالسكن في ضاحية قدسيا السكنية إضافة الى عائلتين واحدة غير مستحقة وأخرى لم تتقدم بالوثائق المطلوبة حتى الآن علماً أنها بعد فترة وجيزة اذا استكملت وثائقها الثبوتية سيتم تخصيصها بالسكن البديل (المنزل).. طبعاً يوجد عدة عائلات في منطقة شرقي ناظم باشا تم تخصيص عدة عائلات منها حصلت على حصص سهمية في هذا التنظيم منذ فترات طويلة منهم: آل حمدان حيث تم تخصيصهم بحصة سهمية في المقسم /16/ الناتج عن تنظيم طرفي ناظم باشا أي بنسبة تعادل 30 % من المقسم المذكور وقاموا باستثمار هذا المقسم ولاتزال اشغالاتهم بالعقارات القديمة ذوات الارقام /132 ـ 133 ـ 134 ـ 135/ مزة منطقة التنظيم وحالياً تم تخصيصهم بمنزلين بديلين رغم حصولهم على اسهم سابقاً في هذا التنظيم.
وفي المنطقة نفسها خصص آل غازي ممثلين بـ /احمد ومحمد/ غازي بحصة سهمية في المقسم /24/ بنسبة تعادل 44% من المقسم وايضاً قاموا باستثماره ولاتزال اشغالاتهم بالعقارات /136 ـ 137/ مزة /منطقة التنظيم.
وهناك عائلة ثالثة هي آل شعبان وقد تم تخصيصهم بحصة سهمية تعادل 50% من المقسم /21/ وقاموا باستثماره وبنائه واشغالاتهم لاتزال على العقارات /143/ مزة مقسم /3/ وقد تم تخصيصهم في السكن البديل بشقتين ايضاً..
وحول الاسس التي اتبعتها المحافظة لتخصيص العائلات قال السيد أياسو: يتم التخصيص حسب المساحة السكنية الشاغلة للعقار.. وطبعاً المساحة تحسب للاشغالات ضمن المساحات المسقوفة للغرف السكنية فقط..
وعن اسباب تركيز المحافظة على منطقة الشيخ سعد هذه الأيام؟ أجاب: هذه المنطقة من دوار المواساة وحتى نهاية منطقة الشيخ سعد سابقاً هي عبارة عن تنظيم سابق ويتم تنفيذه في مراحل متتابعة..
وحول اختيار المحافظة فترة امتحانات الطلاب تحديداً لتنفيذ التنظيم قال: تمت دراسة وضع اجتماعي للمنطقة وارسال لجان إليها قبل البدء بتنفيذ الهدم سابقاً وتمت دراسة اكثر من موقع على هذه العقارات ولم يحصل موظفو المحافظة على أية وثيقة من القاطنين على وجود طلاب..إلا انه وفي جوار منطقة التنظيم يبدو بعض التأثر عليهم من أعمال التنفيذ...
واشار الى انه لم يتم أي اتصال بين المحافظة ومدير تربية دمشق لجهة تأجيل تنفيذ أعمال الهدم علماً انه يعلم مسبقاً بموعد التنفيذ كما انه بناء على طلبه سيتم تنفيذ الجزء الشرقي من ناظم باشا لبناء مدرسة (ثانوية) عليه لافتاً الى أن جميع الدراسات الهندسية لانشاء المدرسة موجودة كما أن التمويل اللازم تم تخصيصه وان المحافظة ستباشر ببناء المدرسة مباشرة بعد الانتهاء من أعمال الهدم..
وبالنسبة لمشكلة العمال وقطع مصدر رزقهم قال مدير الاستملاك: يستحق هذا الوضع الاجتماعي النظر به ويمكن ان يبحث مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتأمينهم بأماكن عمل أخرى من خلال التوسط لدى الوزارة..
بقي أن نقول: في الوقت الذي تسير فيه البلاد نحو جذب استثمارات عقارية تقدر بـ /70/ مليار دولار نلاحظ ان محافظة العاصمة غير قادرة على إسكان عشرات العائلات تريد اخلاءهم من منازلهم لتنفيذ مرفق ذي نفع عام..
وهنا أجد نفسي ملزماً لوضع عدد من المقترحات لعل المحافظة تستفيد منها قبل تنفيذ الهدم:
ـ بدل أن تنفذ المحافظة سوراً على امتداد الشارع العام طوله حوالي /180/ متراً يصبح لاحقاً مكاناً لانتشار البسطات والعربات والاكشاك وحاويات القمامة لماذا لاتتراجع عن الشارع عدة امتار وتبني مكان المحلات الحالية محلات أخرى نظامية وتطرحها للاستثمار تكون الأحقية في الاستثمار لشاغليها الآن والعاملين فيها وفي ذلك مورد للمحافظة وحل لمشكلة اجتماعية مهمة تتمثل بتأمين مصادر رزق للاهالي والعمال..
ـ ويمكن تعديل الدراسة الانشائية للمدرسة حيث يضاف طابق آخر إليها ويمكن الاستفادة من المساحة الارضية المتراجع عنها لمصلحة الامتداد الشاقولي للمدرسة في انشاء بناء من عدة طوابق يستوعب الأسر كلها المنذرة بالاخلاء..
كل ذلك حفاظاً على الترابط الاجتماعي واعادة الثقة بين المواطن والمحافظة التي زعزعتها عشرات الاستملاكات التي تمت سابقاً وشردت مئات العائلات وقطعت مصادر رزقهم..
فالاستملاك ليس عقوبة للمواطن كما بدا من تصرفات المحافظة ولكنه ضرورة شرط أن يتم وفق القوانين والانظمة ومبدأ العدل الاجتماعي.. فمتى تعي محافظة دمشق ذلك..؟
عمران محفوض
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد