إدريس ديبي ينجو للمرة الثانية من براثن المعارضة
للمرة الثانية تخفق المعارضة التشادية في إسقاط الرئيس إدريس ديبي، كبير فرع قبيلة الزغاوة، في تشاد ودارفور السودانية.
المرة الأولى كتبت له النجاة من عملية اقتحام العاصمة بفضل أجنحة «الصقر»، قوة التدخل الفرنسية المتمركزة منذ عقدين في البلاد، والميراج التي حطمت طلائع أعدائه في أرتال «جبهة اتحاد القوى الديموقراطية» وقائدها محمد نوري، «الواجهة السياسية» لقبيلة القرعان العربية. أمّا المرة الثانية فجاءت بفضل توازن إقليمي تحركه المصالح الفرنسية في إفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا والسودان، ويقتضي الحفاظ عليه بقاء ديبي في قصره في نجامينا كي ينجح التدخل الأوروبي في دارفور السودانية.
واستغرق الإفصاح عن موقف فرنسي يتخذ جانب ديبي أكثر من ثلاثة أيام، ولم يتلق الرئيس التشادي في الساعات الأولى لمواجهة رتل مهاجم يضم 300 عربة عابرة للصحراء سوى عرضين هاتفيين من الرئيس نيكولا ساركوزي باستقباله لاجئاً سياسياً في باريس.
«عرضنا على ديبي إجلاءه لأننا كنا نريد تجنيبه أن يكون هدفا مباشرا لإطلاق النار، وهو أقل ما يمكن أن نفعله لصديق»، قال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، لكنه رفض. وقضى الرئيس التشادي ساعات صعبة في قصره قبل أن يرضخ الرئيس الفرنسي لضغوط هيئة الأركان الفرنسية التي تعاني من كابوس أن تتحول دباباتها إلى سيارات إسعاف، وإهانة أن ينقلب جنودها مسعفين إنسانيين لمدنيين مذعورين وسط المعارك.
وحافظت قوة «الصقر» وجنودها الـ1100 على مروحيات الجيش التشادي في مطار نجامينا حيث تمكنت من التدخل وغيرت مجرى المعارك بدءا من اليوم الثاني، وتطور الموقف الانتظاري الفرنسي، فانتزعت باريس من مجلس الأمن قرارا دوليا يطلب من كل الحكومات أن «تبذل ما في وسعها لتقديم الدعم الذي تطلبه حكومة تشاد الشرعية».
ولم تبخل باريس على ديبي باستقبال وزير خارجيته احمد علامي في الـ«كي دورسيه»، وبمؤتمر صحافي للدفاع عن شرعية حكومته. لكن تباينا في تفسير القرار الدولي برز بين قراءة الرئيس ساركوزي وبين قراءة وزير خارجيته، «فإذا كان لفرنسا أن تتدخل في تشاد، فستقوم بذلك في إطار القرار الدولي»، كما رأى ساركوزي، لكن كوشنير قال لـ«السفير» «إننا لا نفسر بطريقة عدوانية ما قاله مجلس الأمن، سنقوم بما قمنا به حتى الآن في إغاثة المدنيين وتطبيق اتفاق التعاون التقني مع تشاد بحذافيره، لم نشارك في العمليات العسكرية حتى الآن ولن نشارك فيها».
ديبي، الذي يحكم من دون انقطاع منذ عقدين «منتخب»، بحسب كوشنير، ويسعى الى «إقامة دولة القانون»، لكن السودان هو من يعبث بالاستقرار فيه، أجمع الوزيران، بحذر لدى كوشنير الذي لا يعرف «ما هو حجم التدخل وشكل الدعم الذي قدمه السودان للمتمردين، لكنهم أتوا منه»، من دون تحفظ لدى التشادي... احمد علامي «لأن السودان جمع المتمردين ونظّمهم وأرسلهم إلى نجامينا».
ويعاني الفرنسيون من مأزق تشادي كبير، فتوقيت الهجوم على نجامينا سبق نشر قوة التدخل الأوروبية على الحدود التشادية مع دارفور السوادني بيومين. ولم تستطع فرنسا إقناع المترددين في المشاركة في هذه القوة الأوروبية، بسبب الاشتباه لدى الأوروبيين برغبة باريس بتحويل القوة إلى رأس جسر للتدخل في السودان وتوريطهم في عملية عسكرية واسعة يعارضها السودان، ومستنقع لا يطمح أحد للخوض في أوحاله مهما تعددت عناوينه الإنسانية. واضطرت فرنسا للمساهمة بألفي جندي في قوة تعد 3700 جندي أوروبي، وهو ما جعل باريس تتردد في الرد عسكريا لأن ذلك كان سيعزز مخاوف الأوروبيين من نياتها.
لكن ليبيا التي قدمت مساعدات عسكرية عاجلة للجيش التشادي ساهمت في خروج باريس من موقفها الانتظاري. وتقاطع خوف فرنسي من أن يؤدي سقوط ديبي إلى حرمان الزغاوة المتمردين في دارفور من قاعدتهم الخلفية وإنهاء مهمة القوات الإفريقية والدولية التي ستنتشر فيه، مع قلق ليبي أن يعود «القرعان» العرب إلى نجامينا، وهم، إلى جانب قبيلة المسيرية العربية، التي تنتظم في «اتحاد القوى للتنمية والديموقراطية» بزعامة عبد الواحد عبود، القبيلة العربية التي تشكل الخزان البشري العسكري للتمرد، والتي ينتمي إليها عدو القذافي اللدود الرئيس السابق حسين هبري الذي هزم القوات الليبية في الحرب على شريط أوزو بدعم فرنسي وشكل أبناؤها في الثمانينات كتائب الجيش التشادي الرئيسية في النزاع مع طرابلس حول هذا الشريط الغني باليورانيوم.
في هذه الأثناء، وافق المتمردون على وقف لإطلاق النار. وقال المتحدث باسمهم عبد الرحمن كلام الله إنه «إدراكا منها لمعاناة السكان التشاديين، ونزولا عند مبادرات السلام التي يقوم بها الأشقاء في ليبيا وبوركينا فاسو، وافقت قوات المقاومة الوطنية على وقف فوري لإطلاق النار»، لكنّ متحدثاً آخر باسم المتمردين أوضح أن هذه الموافقة مشروطة، وقال هنشي اورغو «نحن مع وقف إطلاق النار إذا توصل الوسطاء إلى حل ينحى بموجبه الرئيس إدريس ديبي عن السلطة».
ويسود جو من القلق في الخرطوم من نتائج التطورات في تشاد، وفي هذا الإطار أعرب زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي عن خشيته من الانعكاسات السلبية للنزاع في تشاد على بلاده، لافتاً إلى أنّه «في حال استطاع الرئيس إدريس ديبي دحر معارضيه فإنه سيتجه إلى الانتقام من الحكومة السودانية».
وينتظر كوشنير أن تقوم بعثة وساطة ليبية كونغولية تصل في الساعات المقبلة إلى نجامينا بتثبيت خطوط وقف إطلاق النار بعد تراجع المتمردين عن العاصمة، والبدء بمحادثات سلام تحافظ على تشاد وشرقه منصة انطلاق هادئة نحو دارفور.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد