مصارفنا العامة تخرق قانون مقاطعة إسرائيل
لم أكن أتوقع أن تقود تحقيقاتي حول توجه المصارف السورية العامة للاستعانة بمدققين خارجيين(شركات تدقيق خارجية بشكل مباشر) إلى الكشف عن هذه الحقيقة الخطيرة...
ربما يكون عملنا الصحفي قد ولد فينا شعورا لجهة الشك،لكن ما ظهر وراء أكمة ما تسمى بشركات التدقيق الدولية ( ورسميا دخلت إلى سورية باسم شركات استشارات)كان أمرا رهيبا وغير متوقع...وهذه هي الحكاية يا سادة...يا كرام !!.
بداية الحكاية كانت مع إعلان نشره المصرف العقاري في الصحافة المحلية تحت عنوان"إعلان طلب عروض داخلي لأعمال تدقيق حسابات المصرف العقاري(مدقق حسابات خارجي) عن دورة عام 2006" وعندما قرأ البعض هذا الإعلان فسر عبارة "مدقق خارجي" بمعنى مدقق من خارج المصرف والجهة المكلفة رسميا تدقيق حساباته ألا وهي الجهاز المركزي للرقابة المالية...لكن اتضح فيما بعد و بعد الاطلاع على دفتر الشروط الفنية أن المعني بالإعلان هي شركات تدقيق الحسابات الدولية المسجلة في سورية، وعلى اعتبار إن شركات التدقيق الدولية المسجلة في سورية التي أصبح عددها حوالي 6 شركات سجلت على أن أساس أن عملها يقتصر فقط على تقديم الاستشارات المالية وليس تدقيق الحسابات، فهذا فتح بابا من التساؤلات عن قانونية تقدمها للإعلان المذكور و قدرتها على القيام بأعمال التدقيق المطلوبة وهي مسجلة تحت اسم استشارات...ورغم ما تؤكده مصادر في جمعية المحاسبين القانونيين، والتي دخلت على الخط لتقدم عدة مذكرات للجهات الحكومية المعنية، من أن تسجيلها أصلاً يخالف أحكام قانون التجارة وأحكام قانون تنظيم المهنة وقانون المقاطعة فإنه لا يحق لها ممارسة أعمال تدقيق الحسابات في سورية.
وقبل أن نكمل في مسلسل الفضائح التي ظهرت معنا دعونا نستعرض السبب الذي دفع بالمصارف السورية العامة إلى الاستعانة بشركات دولية(إذ أن المصرف التجاري كان قد سبق العقاري و أجرى إعلانا مشابهاً وتعاقد مع إحدى الشركات) رغم ما يشكله ذلك من تهديد لقانون السرية المصرفية وفتح معلومات حسابات وودائع وتوظيفات المصارف العامة أمام شركات لم يؤد كوادرها اليمين القانونية أمام المحاكم السورية... فمجلس النقد و التسليف كان قد اصدر نهاية العام الماضي قرارين نص القرار238 على انه يجب أن تكون البيانات المالية المذكورة في قرار مجلس النقد والتسليف رقم 95 تاريخ 19/12/2004 التي يتضمنها ملف تسليف المتعامل معدة وفق معايير المحاسبة الدولية و أن تكون مدققة وفق معايير التدقيق الدولية وموقعة من قبل شركة أو مكاتب تدقيق حسابات مسجلة في لائحة شركات ومكاتب تدقيق الحسابات المعتمدة من قبل مصرف سورية المركزي إذا كان المتعامل مؤسسة فردية أو شركة أشخاص وكان مبلغ التسليف يتجاوز 25 مليون ليرة..وهكذا وبالاستناد إلى هذا القرار وما سبق من قرارات صادرة عن مجلس النقد والتسليف أصبحت المصارف العامة ملزمة بالاستعانة بشركات التدقيق الدولية، إلا أن المصارف العامة لم تكن مقتنعة بتلك الخطوة وهذا ما عبر عنه مديرو أربعة مصارف (الصناعي ـ العقاري ـ التوفير ـ التسليف الشعبي) في كتاب وجهوه لوزير المالية، حيث جاء في الكتاب إن " حسابات مصارفنا حاليا غير معدة وفق معايير المحاسبة الدولية ومعايير التقارير المالية الدولية وبالتالي نرى أنه ليس من المناسب في الوقت الراهن التعاقد مع شركة تدقيق خارجية لتدقيق بياناتنا المالية وفق المعايير المذكورة باعتبار أن حسابات المصرف تدقق من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية وفي هذه الحالة فإن اعتماد شركة تدقيق خارجية سيرتب على المصارف دفع تكاليف إضافية لا جدوى منها حاليا.." و أضاف المصرفيون تخوفا أساسيا فـ" المعلومات التي يجب أن تعطى لمدقق الحسابات يجب ألا تتعارض مع قانون السرية المصرفية، كما انه يجب أن لا يشمل عمل التدقيق الاختبارات التحقيقية وتقييم عمل الرقابة الداخلية لان هذا يتعارض مع قانون إحداث وصلاحيات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية.." والاهم فيما قاله مديرو المصارف الأربعة انه " يجب أن تكون الشركات المقبولة لممارسة أعمال التدقيق معتمدة من مصرف سورية المركزي بموجب قرار مجلس النقد والتسليف رقم 232 تاريخ 18/10/2006 ولغاية تاريخه (الكتاب مؤرخ في 11/7/2007) لم نبلغ باعتماد أي شركة تدقيق من قبل المصرف المركزي..."، وخلص الكتاب إلى أنه " وعليه نقترح التريث في الإعلان لحين تطبيق معايير المحاسبة الدولية ومعايير التقارير المالية الدولية لدى مصارفنا..".
وزير المالية رد على المذكرة بالقول" نحن نعلم ما هي الحال عليه ضمن مصارفنا العامة، ولو كانت الحسابات في مصارفنا معدة بشكل موافق للمعايير الدولية،لم يكن هناك من داع لقبول مساعدة فنية والتعاقد مع متخصصين في هذا المجال ليقوموا بما يقومون به حاليا في مصارفكم.." طالبا التقييد بما خلص إليه اجتماع سابق لجهة التعاون مع الخبراء لجهة إعداد البيانات بالطريقة المطلوبة ضمن المصرف وتدقيق محفظة القروض في كل مصرف على أن تعامل النتائج بالسرية المطلوبة ولا يتم نشر أي معلومة حتى الانتهاء من العمل...الخ.
وبناء على ذلك بدأت المصارف بإعداد دفتر الشروط تبعا لخصوصية كل مصرف ومن ثم إعلان طلب عروض..
إذا كانت وزارة المالية و مصرف سورية المركزي مندفعين باتجاه الاستعانة بشركات تدقيق دولية بغية وضع المصارف العامة على خط التقييد بالمعايير الدولية، فإن هناك مخالفات قانونية عديدة سواء للإعلان الخاص بالعقاري أو للموضوع برمته، فوفق مذكرة خاصة أعدتها جمعية المحاسبين القانونيين، والتي رأت في الخطوة طعنا في مصداقية المحاسبين القانونيين السوريين وشهاداتهم، هناك مجموعة مخالفات قانونية من أبرزها التالي:
ـ المادة / 235/ من قانون التجارة رقم149 لعام1949والتي تنص على ما يلي :
1 ـ تنتخب الهيئة العامة من جدول المحاسبين القانونيين الذي تضعه الوزارة مفتشاً للحسابات أو أكثر لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد.
2 ـ وإذا أهملت الهيئة العامة انتخاب المفتش أو اعتذر هذا المفتش أو امتنع عن العمل فعلى مجلس الإدارة أن يقترح على الوزارة ثلاثة أسماء لتنتقي منهم من يملئ المركز الشاغر)).
وهذا يعني أنه يجب أن يكون المدقق مسجلاً اسمه في جدول المحاسبين القانونيين الذي تضعه وزارة الاقتصاد وهو ما ليس متوفر في الشركات المشار إليها في دفتر الشروط .
ـ المادتان / 1 و 2/ من قانون تنظيم مهنة المحاسبين القانونيين الصادر عن رئيس الجمهورية برقم 1109 لعام 1958 اللتان تنصان على ما يلي:
(( بعد الإطلاع على المادة /235/ من قانون التجارة قرر:
مادة1 ـ لايجوز ممارسة مهنة محاسب قانوني المنصوص عليها في المادة /235/ من قانون التجارة إلا لمن حصل على إجازة من وزارة الاقتصاد والتجارة وفقاً لأحكام هذا القرار وسجل اسمه في جدول المحاسبين القانونيين الذي تضعه الوزارة المذكورة .
مادة2 ـ لا تعطى إجازة بممارسة مهنة محاسب قانوني إلا لشخص طبيعي ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية العربية المتحدة أو من رعايا الدول العربية شريطة المعاملة بالمثل على أن تكون سنه قد بلغت الخامسة والعشرين سنة ميلادية وأن يكون متمتعاً بكامل الأهلية المدنية ومقيماً في أراضي الجمهورية العربية المتحدة وحائزاً على المؤهلات المذكورة في إحدى الفقرات التالية:......علماً أن هذه الشركات لم تحصل على الإجازة من وزارة الاقتصاد ولم يرد اسمها ضمن جدول المحاسبين القانونيين كما وأنها ليست شخصاً طبيعياً وجنسيتها غير سورية .
ـ إن مجلس النقد والتسليف لم يقم حتى الآن بإصدار قائمة بأسماء مكاتب تدقيق الحسابات المعتمدة من قبله ، وقد اشترط في الإعلان المنشور في صحيفة تشرين العدد رقم9766 تاريخ 15/1/2007 المتعلق بشروط اعتماده شركات ومكاتب التدقيق أن تكون شركة التدقيق شركة سورية مرخصة للقيام بمهمة تدقيق الحسابات ، ومسجلة أصولاً لدى الجهات المختصة ، وهو أمر لاينطبق على الشركات الأجنبية الواردة في إعلان المصرف العقاري .
ـ إن المصرف العقاري هو قطاع عام تدقق حساباته كسائر أجهزة القطاع العام من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية وليس هناك نص قانوني صريح يجيز للمصرف تعيين مدقق حسابات خارجي ، اللهم إلا ما ورد في المادة /19/ من المرسوم التشريعي رقم/31/ تاريخ30/4/2005 المتضمن إحداث المصرف العقاري حيث أعطت المادة المذكورة الحق للمصرف الاستعانة بمدقق حسابات يقترحه مجلس الإدارة ويوافق عليه وزير المالية وتحدد تعويضاته بقرار منه ، وهذا الحق المعطى للمصرف لا يرقى إلى درجة "التعيين" بل يبقى في حدود حق " الاستعانة " بمدقق خارجي وبالطبع يجب أن يكون هذا المدقق شخصاً طبيعياً ممن ورد اسمه في السجل المعتمد من وزارة الاقتصاد.
نأتي إلى الأهم في الموضوع.... وهو الشرط الوارد في دفتر الشروط والذي يجب أن يحتوي عليه المغلف رقم ( 1) من ضمن الأوراق الثبوتية " تصريح بعدم مخالفة العارض لأحكام مقاطعة إسرائيل"... إذ انه وتبعا لما ورد في قانون مقاطعة إسرائيل رقم /286/ تاريخ 14/8/1956 فإنه " يحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أومنتسبين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها ، كما يحظر التعامل مع الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل وتحدد هذه الشركات والمنشآت بقرار من مجلس الوزراء أو السلطة المخولة منه بذلك بناءً على اقتراح وزير الاقتصاد الوطني ووفقاً لتوصيات مؤشر ضباط الاتصال...."و إذا كان بعض الشركات المسجلة في سورية والتي تقوم بأعمال تدقيق المحاسبي لعدد من المنشآت الاقتصادية يمكنها أن تقدم تصريحا بذلك،فإن البعض الأخر منها لا يستطيع فعل ذلك و إن فعل فهناك ثمة احتيال واضح، إذ أن المواقع الالكترونية لتلك الشركات توضح بشكل جلي أن تلك الشركات تمتلك مكاتب في إسرائيل وفي عدة مدن منها بعناوين و أرقام هواتف....الخ، وإذا كان إعلان العقاري هو من فتح ملف هذه الشركات فالسؤال كيف سمح لها بالعمل في سورية وتدقيق منشآت اقتصادية كبيرة والتوسع وهي تعمل في ذات الوقت في إسرائيل في مخالفة صريحة لإحكام مكتب مقاطعة إسرائيل....ونحن هنا إذ نحتفظ بأسماء تلك الشركات انتظار لما ستفعله الجهات الحكومية، لكن إذا لم يتم التحرك لكشف القضية فتعاود "تشرين" فتح الملف بالأسماء لتطول المحاسبة كل من كان له يد في ذلك !!.
في القرار المتعلق الاستعانة بشركات تدقيق دولية ايجابيات تسعى لها المالية والمركزي وسلبيات تخاف منها المصارف العامة و يحسب لها المحاسبون القانونيون ألف حساب، الذين يرون أن هناك ثمة توجه واضح لدعم بعض الشركات المسجلة في سورية، الأمر الذي أدى لخلق حالة احتكار برأيهم إذ أن شركتين فقط تستأثران بتدقيق حسابات جميع المصارف الخاصة وشركات التأمين والمشاريع الاستثمارية الكبيرة....
ـ عدد المحاسبين القانونيين في سورية يتجاوز 2500محاسب قانوني حسب آخر جدول صادر عن وزارة الاقتصاد ، والكثير منهم يحملون شهادات عليا وخارجية .
ـ هناك أكثر من 150 مكتباً مستقلاً لتدقيق الحسابات في سورية مسجلة لدى جمعية المحاسبين القانونيين.
زياد غصن
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد