مظاهر التدين في سورية ودلالاته السياسية
يكاد يجزم كثير من متابعي الوضع السوري على أهمية العامل الديني في الحياة السورية لا سيما في مجالها السياسي، ويكتسب هذا التقدير أهمية استثنائية في ظل تقديرات، تقول، ان التيار الديني، هو مرشح للوصول الى السلطة في حال حدوث تغييرات في النظام القائم حالياً، وهي فكرة رددها كثيراً في السنوات الاخيرة سياسيون وباحثون عرب واجانب من المهتمين والمتابعين للوضع السوري.
وبغض النظر عن صدقية التقديرات حول اهمية العامل الديني، وموقع التيار الديني في مستقبل النظام السياسي في سورية، فان التقديرات في الأمرين تنطلق في جانب منها من ملاحظة مظاهر التدين القائمة، والتي يجري الاستناد اليها في تقدير اهمية العامل الديني وحجم وفاعلية التيار الديني في السياسة السورية، وهي تقديرات لا تأخذ في الاعتبار، ان مظاهر التدين في جانب منها هي سياسة رسمية، وان الجزء الشعبي في مظاهر التدين ليس خارجاً بصورة كلية عن التدخلات والتوجيهات الرسمية، بل ان جزءاً منه انما يتم بموافقة ومباركة من المؤسسات والأجهزة. ومن دون الوقوف طويلاً عند الدور الرسمي في مظاهر التدين، فانه يمكن القول، ان المظاهر تنقسم الى نوعين، الأول مظاهر رسمية، والثاني مظاهر شعبية.
وتندرج في عداد مظاهر التدين الرسمية، عملية النص على دين رئيس الدولة في الدستور السوري طبقاً لمحتوى المادة الثالثة، التي تجعل من الاسلام دين رئيس الدولة، وفي هذا السياق تندرج ايضاً الرعاية الرسمية للمناسبات الدينية، والتي تشمل المسلمين والمسيحيين على السواء، وتمتد غالباً الى الجماعات المذهبية، اضافة الى دعم وتشجيع بعض رجال الدين، وهي ظاهرة ملموسة في الحياة السورية.
ويندرج وجود وزارة الاوقاف في اطار مظاهر التدين الرسمية، حيث تقوم الوزارة برسم السياسة الرسمية في المجال الديني وتنفيذها وفي الموضوعات الواقعة على ضفافه سواء في العلاقة مع المؤسسات الدينية ورجالها، او في ما يتصل بالعلاقة بين الجماعات الدينية. وهي توفر الى جانب وزارات أخرى التعليم الديني الاسلامي والمسيحي في مرحلة التعليم الأساسي وما دونها، والتعليم الثانوي والجامعي بالنسبة الى المسلمين من خلال الثانويات الشرعية وكلية الشريعة في جامعة دمشق.
ويظهر الدور الرسمي في مظاهر التدين من خلال رعاية المؤسسات الثقافية والتعليمية الدينية ومساعدتها ومنها جامعات ومعاهد كثيرة إضافة الى معاهد الاسد لتحفيظ القرآن الكريم الموجودة في أغلب مساجد المدن والبلدات السورية الكبرى.
وتتعدد مظاهر التدين الشعبي، والأهم فيها يظهر في تزايد وانتشار دور العبادة من مساجد وكنائس والاهتمام الواسع بها وهو امر ينطبق على اتباع الديانتين الاسلامية والمسيحية، وتتم اقامة دور العبادة ورعايتها بواسطة اموال المتبرعين، وقد تطورت بعض دور العبادة لتشكل مجمعات متكاملة للعبادة والتعليم بمستوياته مع توفير الاقامة للدارسين وأساتذتهم.
ويشكل تطور بعض دور العبادة امتداداً لمظهر متصل بالتدين، يتمثل في اطلاق مؤسسات خاصة للتعليم الديني منها جامعات ومعاهد، يدرس فيها طلاب من سورية ومن الخارج، كما تندرج في السياق ذاته، عملية تعميم ثقافة دينية في رياض الاطفال والمدارس الخاصة في الاوساط الاسلامية والمسيحية على السواء.
ويعتبر ظهور «تنظيمات دينية» منها ظاهرة شيوخ الجوامع، والقبيسيات بعض مظاهر التدين، وتركز هذه التنظيمات جهودها في مجالات التوعية والممارسات والمظاهر الدينية من خلال دروس، تعطى في المساجد وفي البيوت، لكن اغلبها يعاني من اختلاطات عقيدية ومعرفية في ظل غياب مناهج واضحة وضعف مستوى المعلمين.
وتشمل مظاهر التدين الشعبي، زيادة الاهتمام بالطقوس الدينية من العبادات كما في صلوات الجمعة والاعياد ورحلات الحج والعمرة، وبالاحتفالات كما في الاحتفال بعيد المولد النبوي وعيد ميلاد السيد المسيح وغيرهما من الاعياد الاسلامية والمسيحية، كما تشمل المظاهر شيوع الازياء والمظاهر ذات الدلالات الدينية، كما في حمل ووضع شارات دينية اسلامية ومسيحية عند النساء والرجال، وفي مثال لبس العباءات والحجاب لدى النساء، واطلاق اللحى ولبس الجلابيات البيض عند الرجال المسلمين، وكلها تترافق مع مظهر آخر ممثلاً بشيوع ثقافة الكاسيت الديني المتضمن أغاني ومحاضرات دينية، يجري بثها على نطاق واسع في الشوارع ووسائل النقل العام.
ويعتبر في عداد مظاهر التدين الشعبي، تزايد الاهتمام بما يقوم به مشعوذون ينتحلون صفة «رجال الدين» في معالجة المشاكل الاجتماعية والصحية، اعتقاداً بقدرة هؤلاء على معالجة تلك المشاكل بالاستناد الى ممارسات تأخذ ملامح دينية، يخلع اصحابها على انفسهم القاباً دينية.
وبطبيعة الحال، فان مظاهر التدين في سورية تتم ممارستها تحت العين الساهرة للسلطة، تدقق فيها وتتابعها سواء على مستوى المؤسسات او الافراد لاعتبارات سياسية وامنية، وهو ما يجعل السلطات تتدخل في توسيع بعض مظاهر التدين وتطويره، او لجم اخرى في اطار نظرتها العامة لموضوع التدين ونتائجه في الواقع السوري، الامر الذي يستدعي التدقيق في حقيقة تمظهر التدين السوري ودلالالته السياسية.
فايز سارة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد