انعكاس مسلسل ارتفاع الأسعار على الأسرة السورية
حياة الأسرة تتقاذفها أمواج الجشع, والحاجة عبثت بالمجتمع وبدلت شكل العلاقات الأسرية. من بين أكثر المسلسلات مشاهدة في رمضان مسلسل غلاء الأسعار وضيق ذات اليد,
هذا المسلسل الذي نأمل أن ينتهي عرضه قبل حلول عيد الفطر المبارك فربما بضبط الأسعار تضبط أعصاب رب الأسرة صاحب الدخل المحدود وتتغير قسمات وجهه التي صارت قاسية وحادة وظهرت بين حاجبيه عقدة جديدة وازداد ظهره انحناء وصار عصبي المزاج وراح يصطدم بالزوجة الأم لأتفه الأسباب ويصرخ بأعلى صوته من غير داع.
مهند, طفل في الثالثة عشرة من عمره, تحولت أحلامه الطفولية إلى كوابيس, التقيته مصادفة في طريق عودتي إلى البيت يبيع قمر الدين, والبسكويت والراحة الدرعاوية, سألته عن سبب وجوده في هذا المعترك, فقال: قررت مساعدة والدي في هذا الشهر ريثما يتمكن من تأمين فرصة عمل أخرى (عمل حر) ويستتب الأمن في البيت, إذ لا أسمع سوى صراخ والدي وتأفف أمي من ضيق الحال, وأخشى إن استمر الوضع على هذه الحال مغادرة أبي للبيت وعدم قدرته وقد هددنا مرات بذلك.
أمثال مهند كثر, في الحارات والشوارع ولاسيما في شهر رمضان وتحديداً هذه السنة فالأسعار تشتعل والجيوب فارغة ومقولة (انفق مافي الجيب يأتي ما في الغيب) تضعنا أمام واقع مر, لأننا واثقون أنه لا يوجد في الغيب سوى الراتب الشهري ولا طريقة للعيش إلا بالدين من الدكنجي الذي يستغل حاجة المستهلك ويطعنه في كبريائه.
أعرف عائلة في حينا, وصل دينها إلى 10000 في دفتر الدكنجي ورب الأسرة كلما مر أمام المحل تصبب عرقاً خجلاً من وعود كثيرة أخلف بها, ولا يمكنني أن أنسى ذلك اليوم.. كل شيء ماثل أمامي وكأنه جرى بالأمس القريب, مازلت اسمع صوت هذا الدكنجي يهدد بصلف وغرور ذلك الرجل المسكين ويتهمه بالضعف والجبن والبخل.. و.. آلام كثيرة تسبب بها بنت سداً بين ذلك الرجل المغلوب على أمره وأهل الحي حتى أقرب الناس إلى قلبه (أهل بيته).
أتذكر أبي عندما كان يؤجل كل طلباتنا إلى آخر الشهر وكم كنا نشعر بطول الأيام والساعات حتى نصل إلى آخر الشهر والذي يصعب في أيامنا هذه الوصول إليه أو اللحاق به فآخر الشهر فقط لتسديد الدين أو لدفع أجرة البيت وهنا لابد من لفت الانتباه إلى ثقافة استهلاكية خاطئة غرق فيها البعض, كالاستهلاك الغذائي المضاعف والأنانية والنهم غير المعقول, ففي اليوم الأول لشهررمضان حدثتني ابنتي (ست سنوات) عن أصناف الطعام التي سوف تكون على مائدة صديقتها والتي لاتقل عن عشرة أصناف.
نعم.. لقد هزمت الأسعار العائلة وهزم الغلاء كيان الرجل في الأسرة أمام نفسه و أمام أبنائه هذه الهزيمة والشعور بالدونية والحرمان والقهر قد تسبب الموت المفاجىء أوالانحراف نحو طريق الخطيئة.
الاخصائية الاجتماعية رجاء سلوم: بمجرد نظرة سريعة إلى الأسعار ومقارنتها مع الدخل نجد أن هناك فجوة واسعة هناك ارتفاع كبير في الأسعار مقابل الدخل المحدود ولاسيما لدى الأسر التي تعتمد في دخلها على الراتب وكل زيادة تطرأ على الدخل يعقبها ارتفاع في الأسعار ولاسيما في السلع الاستهلاكية اليومية والأساسية ( الغذائيات ).
في سورية ينقسم المجتمع إلى عديد من الفئات ذات الدخل المرتفع لاتتأثر بأي ارتفاع عكس الفئات المتوسطة والفقيرة ذات الدخل المحدود حيث هذه الفئة أكثر انتشاراً, تتأثر بارتفاع الأسعار وهذا يؤدي إلى خروق طبيعية ويجعلها غير قادرة على تأمين كل متطلبات وحاجات أولادها وهي أساسية وضرورية ولاسيما الأدوات المدرسية وقد يضطر المواطن إلى اللجوء إلى الدين من بعض الباعة وقد لايجد من يلبي له طلبه ( الدين ممنوع ) مما ينعكس سلباً على رب الأسرة , فيلجأ إلى عمل إضافي ( عمل حر ) ليقضي معظم وقته خارج البيت, بعيداً عن أسرته وقد يسبب ذلك الفوضى والخلل داخل الأسرة, وقد يضطر بعض الآباء إلى الاستعانة بأطفالهم لمساعدتهم مما يؤدي لحرمانهم من التعليم وهناك إحصائيات ترتفع فيها نسبة الأطفال الذين حرموا من التعليم من أجل مساعدة أسرهم الفقيرة.
أخيراً دخول العديد من الأسر غير العربية كمستهلكين إضافيين ومعاملتهم معاملة المواطن السوري أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير فالمستهلك في أسفل سلم الدخل وهو الذي يتحمل عبء الضرائب وارتفاع الأسعار على الرغم من أن مؤسسات الدولة تلعب دوراً هاماً في السعي لتحديد الأسعار واستقبال الشكاوي.
رويدة سليمان
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد