كيلو البن يطال الـ 300 أل وفنجان القهوة يبعد “الجار عن الدار”.
سيطر الصمت على “سامية” (70 عاماً) التي كانت تدندن أغنيتها المفضّلة على شرفة منزلها “وينك ياجار شرّفنا عالصبحية”، بعدما تحرّرت القهوة من النار ولم تعد “تساويها بإيديها”، بسبب غليان أسعارها واقتصارها على المناسبات.
وروت السبعينية التي تسكن داخل شقة صغيرة قديمة في دويلعة – دمشق لـ “داما بوست” عن اختلاف الأحوال وانقلاب الموازين، قائلة: “كنّا انضل فاتحين أبواب بيوتنا للجيران وأقل شي انضيفهم قهوة عالرايحة وعالجاية”.
وقالت العمّة: “شر البليّة ما يضحك.. ركوة القهوة التي كانت ملكة صباحات المنازل السوريّة في جمعات العائلة والأقارب، والتي كانت جزء من طقوسنا وعاداتنا وتقاليدنا، أصبحت هي من تزورنا كل أسبوع مرّة”.
وتساءلت شريّبة القهوة، هل يليق بي شراء البن بالملعقة؟، بعدما وصل سعر الكيلو غرام الواحد منها إلى مافوق ال 150 ألف ليرة سورية، مضيفة: “أذوب من رائحتها وتحترق محفظتي من شرائها”.
بدوره، رئيس الجمعية الحرفية للمحامص والموالح والمكسرات والتوابل والبن في دمشق عمر حمّود أكد أن أسعار البن البرازيلي والهندي تبدأ من 100 إلى 140 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، حيث تتفاوت من منطقة إلى أخرى”.
ونوّه “حمّود” أن بعض المواطنين هم من يطمّعون أصحاب المحال عندما يدفعون سعر الكيلو الواحد من البن 300 ألف ليرة سورية.
“حطلّي غلوة!”
تناست بعض العائلات السورية مذاق القهوة، واستبدلت أخرى مفردة “كيلو” بالغلوة، ليتلذذون أفرادها لِمرّة واحدة في الأسبوع بطعم القهوة المُرّة، بدلاً من حياتهم المُرّة.
وفي كل مرّة عند استضافة الزوار، تنفذ القهوة من المنزل و”يامحاسن الصدف”، كحجة من أهله بعد خجلهم وتحسّرهم بينهم وبين نفسهم، لينتهي الحال بهم محرجين، يائسين، “معتّرين”.
وتلفّظت “المعترة” سميرة (55 عاماً)، كما وصفت نفسها ل “داما بوست” أمام محل البن، “بالله اتصبوا هالقهوة.. بس أوعا تزيدوها هيل”، ساخرة من ارتفاع سعرها عن السعر الأساسي بعد إضافة كمية قليلة من “الهيل”.
وأضافت “سميرة”: “فوق ارتفاع أسعار القهوة.. عم يتلاعبوا فيها ويستبدلوا بذور الهيل بقشوره كحيلة جديدة لبعض البائعين”.
من جانبه، أوضح “حمود” أن أصحاب المحال ضعفاء النفوس، والذين غير منتسبين إلى الجمعية يتلاعبون بمعايير القهوة التي تخفّف من ثقل البن.
رغم “تتقيلها”.. “سايطة”!
حاولت زوجة “سامر” الذي يحبّ فنجان القهوة من تحت “إيديها”، اللجوء إلى شراء البن الأرخص سعراً مقارنة بغيره، ليتبيّن أنّها رغم جميع محاولاتها في “تتقيل” القهوة تبقى “سايطة”.
وتضع الزوجة “مرح” (35 عاماً) 9 ملاعق كبيرة لركوة حجمها وسط، لتحظى هي وشريك حياتها بفنجان واحد “عليه العين”، ثم يفصل محتواها بطريقة غريبة جداً، بحسب تعبيرها.
وقالت: “عم يطحنوا نواة التمر وحمّص مع البن.. مشان هيك عم تفصل.. أي لو حطينا وقيّة قهوة بالدولة مارح تزبط”.
يبدو أن معايير البن تغيرت مع تغيّر ظروف السوريين بسبب الضيق الذي يغلغل في أيامهم لتصبح الشفّة من القهوة انتعاشاً، حتى لو كان مذاقها خفيف و “عالريحة”.
“شحّاد ومشارط!”
استذكر وسام مقولة “شحّاد ومشارط” بعد أن امتعض من سعر القهوة المرتفع، ليكرّر له أحد الباعة هذه الجملة على مبدأ أن القهوة على أصولها ستكون أضعاف ماهي عليه الآن رغم ارتفاع سعرها، قائلاً: “كل شي حقّو معو”.
وفي حسبة بسيطة للموظف وسام (40 عاماً) بين دخله ومصروفه، يرى نفسه أمام خيارين، إما ان يستعين بالشاي الخمير بدلاً من قهوته صباحاً، أو يشتري “كمشة.. كل حين ومين”، لأن سعر الكيلو الواحد وسطياً يعادل نصف راتبه الشهري.
وتتفاوت أسعار القهوة “السادة” بين منطقة وأخرى ضمن الأسواق السورية، ويضاف على سعرها “حبّة مسك” عند طلب الزبون إضافة الهيل وغيرها من الإضافات المحبّبة.
من جهته، “حمّود” بيّن عدم وجود صناعة محليّة للبن لأنه يحتاج إلى مناطق باردة جداً، موضّحاّ أن تكاليف استيراده من البرازيل والهند كبيرة جداً.
ولابد من الإشارة إلى أن التاجر يضيف إلى تكاليف المادة نسبة أرباح، وأجور عمّال ومحال، إضافة إلى تكاليف النقل والمحروقات وعمليات التحميص والتعبئة والتغليف.
القهوة عالنار.. والأسعار نار
لايزال الكثير من السوريين ينتظرون القهوة عالنار رغم ارتفاع أسعارها، لأنهم يعتبرونها من الأساسيات، ولا يستطيعون الاستغناء عنها مهما كانت تكلفتها.
وتفاوتت أسعار القهوة، بحسب أنواعها، منها البن البرازيلي والهندي المحمّص الذي تراوح سعره بين الـ 110 و 150 ألف ليرة سورية.
وبدأ سعر الهيل من 270 ألف وصولاً إلى 360 ألف للكيلو الواحد في أغلب الأسواق المحليّة السورية.
وأفاد “حمود” بأن سعر البن البرازيلي والهندي يبدأ من 100 وصولاً إلى 140 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، علماً أن السعر يتفاوت من منطقة إلى أخرى، ومن المتوقع ارتفاعه أكثر من سعره الحالي.
وكشف “حمّود” عن دراسة لإصدار تعرفة جديدة لمادة البن في الأسواق المحلية لأنها تعتبر من الأساسيات اليومية، والمواطن السوري ضيف ومضياف.
ويبقى المواطن يدندن “فاضي شويّة نشرب متّة بحتّة بعيدة”، بدلاً من القهوة وغليان أسعارها، يتعازمون على “نكتة” جديدة تنقل واقع حالهم المضحك المُبكي.
داما بوست
إضافة تعليق جديد