قدرنا أن نتعامل مع هذه الحكومة على أنها "شر لا بد منه" !
مزيد من الاجتماعات، بيانات تتلو بيانات، والنتيجة واحدة، ذراع حكومي طويل يمتد إلى جيب المواطن، في كل مرة تفلس فيها السلطة التنفيذية عن إيجاد حلول حقيقة لواقع اقتصادي مأزوم.
لم تكن زيادة أسعار بعض المشتقات النفطية (بنزين - غاز) سوى صورة مستنسخة عن المعالجات الحكومية السابقة لاخفاقاتها المتكررة وتخلفها عن اللحاق بمتطلبات حياة شبه مقبولة لمواطنيها.
عندما يربط رئيس الحكومة بكل جرأة وأمام أكبر اتحاد في سوريا بين رفع سعر استلام القمح من الفلاحين وزيادة سعر ربطة الخبز، فإنه يتعدى حالة المصارحة والمكاشفة، إلى حالة التخلي الكامل عن الواجبات التي طالما تغنت بها الحكومة على شكل شعارات، فالدعم من اليوم وصاعداً ستدفعه شريحة من المواطنين للشرائح الأخرى!، وفق نظام المداورة الذي يجعل مختلف الشرائح تحمل جزءً من فاتورة الدعم، فلا يبقى من عبء على الحكومة سوى كتابة تلك الشعارات التي يجب أن تناسب كل مرحلة!.
وتبعا لذلك فإن دعم رغيف الخبز سيقع في جزء منه على مزارعي القمح، وتمويل المستوردات على عاتق أصحاب الحوالات الخارجية، ودعم المشتقات النفطية ستدفه الشريحة التي خرجت من مظلة الدعم، وعندما تنتهي وزارة الكهرباء من تشريح الفواتير، ستدفع الشرائح الأكثر استهلاكاً في حال توفرت الخدمة لدعم فاتورة الشرائح الأقل استهلاكاً، والأكثر استهلاكاً هنا لا يعني أنها عائلة غنية، ربما تكون عائلة فقيرة بعدد أفراد أكبر!.
طبعاً الحكومة تحاول أن تغلف هذه الحقائق بشعارات من قبيل إيصال الدعم لمستحقيه الفعليين، لكنها في المقابل لا توفر حتى مستحقيه الفعليين من أنظمة الجباية التي تنتهجها، كأن تشتري قوة العمل لأكثر من مليوني موظف لديها بثمن بخس، ثم تدعمهم ببضع كيلوات من الرز والسكر، وترفع سعر سندويشة الفلافل ومنقوشة الزعتر ومختلف السلع الاستهلاكية الأساسية بزيادة سعر الغاز والمازوت الصناعي، وتقلل من كميات المواد المدعومة (السكر - الأرز - مازوت التدفئة) وتباعد بين فترات التوزيع، لدفع المستفيدين منها لشرائها بسعر غير مدعوم، وتشارك ذوي المغتربين بما يردهم من حوالات.. الخ.
لكن الذي يشفع للحكومة ويجعلها بمثابة "شر لا بد منه"، ليس لأنها تحسن إدارة تلك المعادلة بجعل مختلف شرائح المجتمع شريكة في تحمل فاتورة ما تبقى من الدعم، ولا لأنها تضمن عدالة تطبيقها على الجميع بعصا القانون الغليظة، فهي حتى في ذلك تبدو غير موفقة، إنما الذي يجعلها "شر لا بد منه" هو أنها السلطة الوحيدة القادرة باستمرار على خلق طبقة فقراء جديدة تكون أكثرحاجة من التي قبلها، لتتمايز شرائح الفقراء عن بعضها وفقاً للمثل الشعبي: "اللي بيشوف مصيبة غيرو بتهون عليه مصيبته"!.
فهد كنجو - المشهد
إضافة تعليق جديد