حذر ألماني حيال تزويد كييف بدبابات ليوبارد
تواصل ألمانيا الصمود في وجه ضغوط حلفائها الغربيين الذين يسعون لإقناعها بتزويد كييف بدبابات ليوبارد التي قد تكون لها أفضلية حاسمة في الحرب الروسية الأوكرانية التي اقتربت من إنهاء عامها الأول.
وأخفق وزراء دفاع وقادة عسكريون من 50 دولة اجتمعوا، أمس الجمعة في قاعدة رامشتاين، غرب ألمانيا، في الحصول على ضوء أخضر من برلين لتزويد أوكرانيا بتلك الدبابات.
وتتذرع ألمانيا بأنها لن تمنح دبابات ليوبارد لأوكرانيا ما لم تقدم واشنطن على خطوة مماثلة بتزويد كييف بدبابات أبرامز.
وشاركت ألمانيا حلفاءها الغربيين في فرض عقوبات على موسكو، كما قدمت دعمًا عسكريًا لأوكرانيا، لكنها كانت أسلحة عسكرية ذات طابع دفاعي، أو معدات عسكرية غير قتالية، فيما تبدي حذرًا شديدًا لدى الحديث عن دبابات ليوبارد.
"عقدة الذنب"
ثمة سبب مضمر في صفحات التاريخ الألماني القريب، لا تركز عليه التقارير الإعلامية، يفسر سبب هذا الرفض الألماني الحازم، وهذا السبب يمكن اختصاره بـ"عقدة الذنب" التي ما زالت تتحكم في ذهنية الألمان الذين يشعرون بأن أسلافهم "النازيين" مسؤولون عن مآسي الحرب العالمية الثانية التي جلبت الدمار لألمانيا ولأوروبا برمتها، وخلفت ملايين الضحايا.
وعندما يطلب المجتمع الدولي من ألمانيا المشاركة في أي حرب، فإن الأوساط السياسية والمؤسسات الحكومية تجري مناقشات مستفيضة تخلص غالبًا إلى التردد في المشاركة المباشرة وتفضل اتخاذ موقف الحياد.
وتشكو الصناعة العسكرية الألمانية من تأثيرات عقدة الذنب هذه، فرغم أن ألمانيا تنتج أفضل أنواع الأسلحة في العالم، ومنها دبابات ليوبارد، لكن الحكومة الألمانية تتردد كثيرًا قبل الموافقة على عقد صفقات لتصدير تلك الأسلحة إلى مناطق الأزمات.
وما يعزز الموقف المستشار الألماني أولاف شولتز بشأن موقفه الرافض لتزويد أوكرانيا دبابات ليوبارد هو أنه يستند إلى استطلاعات الرأي المحلية التي تؤيده، رغم الانتقاد الذي يتعرض له في مسائل داخلية.
وخلص آخر الاستطلاعات إلى أن 41 % من الجمهور يعتقدون أن ألمانيا تزود أوكرانيا بالكمية المناسبة من الأسلحة، ويعتقد 26 % أن دعمها يزيد عن اللازم، بينما يرى 25 من الألمان أن البلاد لم ترسل ما يكفي.
ووفقًا لهذه الذهنية فإن مشاركة ألمانيا في حروب شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية غالبا ما كانت مساعدات لوجستية أو مساهمة في أعمال غير قتالية كالاستطلاع والتدريب والتجهيز، وهذا ما ظهر في الحرب الأمريكية في أفغانستان، وفي حرب العراق وفي أحداث ليبيا وفي التحالف ضد داعش.
عدم التصعيد
وليس الموقف الحذر من الحرب الأوكرانية استثناء في مبادئ السياسة الألمانية التي تجنح دائمًا نحو الحلول السلمية، وترى أن الحروب هي آخر الخيارات في حل الأزمات المستعصية، فما بالك إذا كانت تلك الحرب تجري بالقرب من أراضيها.
من هنا يمكن تفسير التريث الألماني في تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد، فبرلين تتجنب أي إيحاء بأنها ساهمت في تأجيج الصراع، ولا تريد المغامرة بفكرة أنها تصرفت بمفردها في ملف شائك كالحرب الأوكرانية، ذلك أن نيران تلك الدبابات قد تستخدم في استهداف العمق الروسي وهو ما سيثير غضب الكرملين الذي حذر الغرب من إيصال تلك الأسلحة الثقيلة الى الجيش الأوكراني.
وأكدت موسكو مرارًا، أن تزويد الغرب لأوكرانيا بالأسلحة لن يحيد روسيا عن تحقيق أهدافها، وسيطيل أمد الصراع، ويتسبب بالمزيد من الضحايا.
ورغم أن بولندا وفنلندا وعدت بإرسال دبابات ليوبارد إلى كييف، والتي كانت قد استوردتها من ألمانيا، لكنهما بحاجة إلى إذن من ألمانيا التي ترفض هذا الخيار كذلك.
ويُنظر على نطاق واسع إلى توفير دبابات غربية، بأعداد كافية، على أنه سيكون عامل حسم إذا أرادت أوكرانيا هزيمة روسيا أو، على الأقل، الدفاع عن نفسها ضد هجوم من المتوقع أن يشنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الربيع.
وليس من المعروف إلى أي مدى يمكن لبرلين أن تقف في وجه ضغوط الغرب ولا سيما واشنطن، لكن المؤكد أن السلطات الألمانية لن تستهين بدروس التاريخ التي علمتها أن الحروب لا تجلب سوى الكوارث، وأن التغلب على آثارها المدمرة يحتاج عقودا.
إرم نيوز
إضافة تعليق جديد