تأثير التحالف العسكري الروسي الإيراني في الساحة الدولية
شارل أبي نادر:
مع إطلاق روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وبعدما انخرط الناتو والغرب الأطلسي في المواجهة بشكل واسع ومؤثر، بدأت تظهر تداعيات هذه العملية وتتمدد في الساحة الدولية يوماً بعد يوم.
لم تعد هذه التداعيات محصورة بأوكرانيا وشرق أوروبا فحسب، فقد أصبح العالم كله تقريباً متأثراً بهذه الحرب، وبدأ شبحُ الحرب العالمية الثالثة أو الحرب النووية يقترب أكثر فأكثر.
اليوم، وبعد مرور نحو 10 أشهر على هذه الحرب، وبعدما أيقن كل أطرافها صعوبة حسمها وإنهائها عسكرياً، وخصوصاً بعدما اقتنع الناتو باستحالة هزيمة روسيا فيها، على الرغم من التعثر الواضح الذي واجه مسار عمليتها بسبب ضخامة الدعم الغربي الواسع لكييف، وفي وقت بدأت ترتفع الأصوات من مختلف الاتجاهات، مطالِبةً بإيجاد تسوية سياسية، وبالعودة إلى دراسة بعض الضمانات التي طالبت بها موسكو قبل أن تضطر إلى تنفيذ العملية، بدأ الغرب يعبر عن توجه واضح وثابت لإنهاء هذه الحرب، وبأيّ ثمن، ولو تراجع عما كان يعتبره خطوطاً حمراً لم يكن ينوي التراجع عنها.
هذا التوجه، ولو لم يظهر بشكل واضح أو مباشر، يمكن استنتاجه من اتجاهين رئيسين هما:
أولاً: موقف الاتحاد الأوروبي
قد تكون تصريحات المسؤولين الأوروبيين وقادة دول الاتحاد أو مسؤوليه خير دليل على هذا التوجه. تؤكد ذلك تصريحات قادة دولتي الارتكاز الرئيسيتين في الاتحاد، فرنسا وألمانيا، ولو ظهر بعض التردد والتراجع والضياع فيها، الذي يعود إلى الخشية من الموقف الأميركي المعارض لهذا التوجه إذا كان بقرار أوروبي، إذ تريد واشنطن أن تتبنى هي هذا الموقف تفاوضاً وقراراً.
تأكيداً لذلك، جاء تصريح مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأنّ “مخزونات التكتل الأوروبي العسكرية استنفدت”، إذ لفت إلى افتقار أوروبا إلى القدرات العسكرية الحاسمة لحماية أمنها من التهديدات العالية المخاطر. ومن خلال تدوينة بوريل في موقع الاتحاد الأوروبي الأحد: “إنّ الاتحاد الأوروبي قدّم أسلحة لأوكرانيا. وبذلك، أدركنا أن مخزوناتنا العسكرية استنفدت”، يمكن التماس نقطتين:
1 – الخوف الأوروبي من تطور الحرب وتوسعها غرباً، وتحديداً في بعض دول أوروبا الشرقية، وخصوصاً في الدول الأكثر تشدداً ضد الروس، مثل بولندا أو دول البلطيق الثلاث، وخصوصاً إستونيا؛ فمع هذه القدرات العسكرية المحدودة، سيكون من الصعب مواجهة الروس بنجاح.
2- تحضير الرأي العام الأوروبي وحكومات الاتحاد وإقناعهم بحتمية انخراطهم في التسوية ووجوب ذلك، ولو لم تكن لمصلحتهم، إذ ستتضمّن حتماً بعض المكتسبات لموسكو، مع تحقيق الأخيرة نسبة كبيرة من أهدافها من العملية.
ثانياً: الموقف الأميركي الإسرائيلي
من جهة أخرى، ومع القلق الواضح الذي ظهر في الموقف المشترك الأميركي الإسرائيلي من التحالف العسكري المتصاعد بين روسيا وإيران، يمكن استنتاج توجه آخر غير التوجه الأوروبي نحو البحث الجدي عن تسوية للحرب في أوكرانيا، التي كانت، بحسب أغلب المتابعين، السبب الرئيس وراء تنامي هذا التحالف العسكري (الروسي – الإيراني)، إذ ستطال تداعياته في درجة أولى مستوى الاشتباك والصراع بين محور المقاومة الذي تقوده إيران و”إسرائيل”، الأمر الذي يمكن استنتاجه أيضاً من اتجاهين في التصريحات: اتجاه أميركي واتجاه إسرائيلي.
في الاتجاه الأميركي، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إنّ “موسكو وطهران تدرسان إطلاق إنتاج مشترك للطائرات المسيّرة في روسيا”، مضيفاً بالاستناد إلى الاستخبارات الأميركية: “تعتزم موسكو تزويد إيران بمعدات متطورة ومروحيات وأنظمة دفاع مضادة للطائرات وطائرات مقاتلة”، ليصل حجم ما تقدمه روسيا لإيران، بحسب قوله، إلى مستوى غير مسبوق من الدعم عسكرياً وتقنياً، الأمر الذي يحوّل علاقتهما إلى شراكة دفاعية شاملة وكاملة.
وفي الإطار نفسه، ومن وجهة نظر “تل أبيب” حيال هذا التحالف، تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن القلق الذي تعيشه دوائر الاستخبارات العسكرية في كيان الاحتلال بشأن التعاون الروسي الإيراني في المجالين العسكري والأمني.
ونقلت هذه الوسائل تقارير لأجهزة الاستخبارات، تحدثت عن “اتفاق ثنائي لتصنيع مئات الطائرات العسكرية من دون طيار في موسكو، وتصدير منظومات دفاع جوي متطورة روسية لإيران”.
وتعليقاً على ذلك، قال معلق الشؤون الخارجية في “القناة 13” الإسرائيلية نداف أيال إنّ “ما يقلق إسرائيل ليس إمكانية الإنتاج الصناعي للطائرات المسيرة فحسب، على الرغم من أنّ نتائج خطوة كهذه يمكن أن تكون قاسيةً بالنسبة إلى إسرائيل، ولكن المقلق أيضاً هو نقل منظومات دفاعية روسية يمكن أن تصعّب بشكل كبير على سلاح الجو الإسرائيلي مهاجمة أهداف داخل إيران إذا ما حصل ذلك”. وما يقصده هنا ربما يكون تحديداً منظومات “إس إس 400” الروسية الأكثر تطوراً عالمياً.
من هنا، يمكننا ربط التوجه الغربي لإنهاء الحرب في أوكرانيا بتسوية تأخذ بعين الاعتبار مطالب الروس وضماناتهم مع “التداعيات الخطرة” المرتقبة للتحالف العسكري الروسي الإيراني المتصاعد.
ومع تطور هذا التحالف، وخصوصاً مع ما يمكن أن يقدمه عسكرياً لموسكو في الميدان الأوروبي، وتحديداً الشرقي، في ظل تراجع مستوى القدرة الدفاعية الأوروبية (التقليدية تحديداً)، ومع ما يمكن أن يقدمه عسكرياً لإيران في ميدان المواجهة في الشرق الأوسط، وتحديداً ضد “إسرائيل”، سيكون الموقف حتماً في غير مصلحة الناتو و”إسرائيل”.
الميادين
إضافة تعليق جديد