هل بدأت المفاوضات "السرية" بين روسيا وأميريكا لإنهاء الحرب في أوكرانيا ؟

الجمل ـ د. باسل محمد:

تُظهر التطورات الأخيرة حول الحرب الدائرة في أوكرانيا مدى تعقد موقف واشنطن تجاهها، حيث اضطرت إدارة بايدن الى التحول من تسعير الحرب بإتجاه المفاوضات مع موسكو، وتأمل، في الوقت نفسه، بحل النزاع الذي تسبب في خسائر فادحة في العالم على مدى الأشهر الماضية، وعزز المخاوف من نشوب حرب نووية, بالإضافة الى انقلاب السحر على الساحر. فغدت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على موسكو في بداية الحرب, في واقع الحال, عقوبات قاصمة على الاتحاد الأوروبي نفسه, وبدأت المظاهرات الشعبية المناهضة لسياسات حكومات هذه الدول بسبب الانعكاسات السلبية الخطيرة التي طالت جميع نواحي الحياة الأوروبية أو بالأحرى الرفاهية الأوروبية التي كشفت هذه الحرب الأوكرانية أنها كانت مبنية على الغاز الروسي الرخيص.
 وأيضاً في الولايات المتحدة أدى ارتفاع التضخم، المتأثر بالحرب في أوكرانيا، إلى تأزيم وضع العجوز الباركنسوني, بايدن, ودعم المعارضة ضده وضد حزبه في ظل الانتخابات الحالية لمنتصف المدة في الكونغرس، وطرحت عدة تساؤلات فيما يتعلق بالمساعدة الأمريكية لأوكرانيا.
وما يدعم هذا الطرح المقال الذي نشر في صحيفة “الواشنطن بوست” والذي يتضمن بأن واشنطن بدأت تمارس ضُغوطًا  على المهرج زيلينسكي، حثّته فيها على اعتماد منهجاً تفاوضياً لإنهاء الحرب مع روسيا.
وفي نفس السياق نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أجرى محادثات سرية مع كبار مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاولة للحد من مخاطر نشوب صراع أوسع في أوكرانيا، والحؤول دون مغبة اللجوء إلى السلاح النووي.
في المقابل، نقلت نفس الصحيفة عن أن سوليفان حث المسؤولين في أوكرانيا في زيارته الأخيرة لكييف إلى إظهار إشارات على الانفتاح على الحديث بشأن حل النزاع.

فعندما يؤكد  مُستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان إجراء مُفاوضات مع نظيره الروسي  باتروشيف بهدف الحدّ من خطر تحول الحرب في أوكرانيا الى حربٍ نوويّة، فهذا يدعم المزاعم التي تقول بأن واشنطن بدأت تقارب الحرب الأوكرانية بطريقة مختلفة وباتت توجه جهودها من أجل الوصول إلى تسويةٍ سلميّةٍ.
كل التسريبات الصحفية آنفة الذكر وتصريحات المسؤولين الأمريكان تتطابق مع وقائع جديدة سارت باتجاه اعتماد مساراً مختلفاً عن السابق بهدف إنهاء الحرب في أوكرانيا وهذا منطقي لعدة أسباب أوجزها بما يلي :
-  بات من المؤكد أن الجمهوريين سوف يكتسحون الانتخابات النصفية للكونغرس بحسب استطلاعات الرأي وقد أعلنوا مسبقاً بأنهم سيوقفون جميع أنواع الدعم لأوكرانيا مباشرة بسبب رفضهم للإنفاق الضّخم في الحرب الأوكرانيّة، وهو الإنفاق الذي تجاوز الأربعين مِليار دولار.
- تهديد بوتين باستخدام النووي كلما زاد الدعم الغربي لأوكرانيا ونشر روسيا لصواريخ في بيلاروسيا موجهة إلى العاصمة لندن, بسبب ضلوع الإنكليز بحسب قناعات وأدلة لدى موسكو, بأن لندن قامت بعدة هجمات على الأسطول البحري الروسي بالإضافة لدورهم في تفجير جسر القرم.
- انتهاج القائد الروسي الجديد للعمليات الحربية في أوكرانيا لسياسة الأرض المحروقة واستهدافه للبنية التحتية في كييف وقطع شبه تام للماء والكهرباء خصوصا مع اقتراب الشتاء القاسي، وهو ما يهدد بنزوح جميع سكان كييف المقدر عددهم بحوالي ثلاثة ملايين نسمة باتجاه الاتحاد الأوروبي وهو ما يشكل عبئاً على الأخير خصوصاً في ظل أزمة الطاقة التي وضع الاتحاد الاوروبي نفسه فيها وتحويل كييف إلى مدينة أشباح.
على الرغم من الرفض المعلن للقادة الأوكرانيين الدخول في مفاوضات مع موسكو وتعهدهم بالقتال حتى استعادة جميع الأراضي الأوكرانية، إلا أن الأمريكي الذي يعتبر المؤثر والمشغل الوحيد للمهرج زيلنسكي يعتبر أن الأخير سوف يدخل في المفاوضات ويقدم في نهاية المطاف تنازلات، كما اقترح في بداية الصراع. هذا المخرج سيمثل انتصاراً لروسيا بقيادة العنيد بوتين، وسيكون من أهم ركائزها ضمّ روسيا باتفاق رسمي ممهور بالختم الناتوي للأقاليم الأوكرانيّة الأربعة ويصبح الناتو الضامن الرسمي والمعلن لهذه الاتفاقية، وبالتالي إن أقدم أي طرف على خرقها يكون في مواجهة الناتو, طبعاً بالإضافة لشِبه جزيرة القرم, وهكذا يكون المخرج الأمريكي قد أسدل الستار ووضع النهاية لدور الممثل زيلنسكي فيما يعرف بمسلسل أوكرانيا.

الكرة فيما بعد ستكون في ملعب الشعب الأوكراني تجاه رئيسهم الذي جعل من بلادهم مجرد محرقة و وقوداً لفلم أميريكي طويل جديد.

* أخصائي في القانون الدولي والجزائي.. أستاذ في جامعة تشرين.. اللاذقية