صناعة الوهم وتجميع السيارات!
فهد كنجو:
لم يكن تصريح رئيس الحكومة السابق "المقال" عماد خميس في كانون أول عام 2019 حول نية حكومته تصدير السيارات السياحية المجمعة محلياً، سوى سقطة حرة جديدة لفريقه الاقتصادي، الذي اعتاد القفز عن الملفات الاقتصادية المستعجلة، هروباً الى الأمام من خلال ابتداع أفكار عير قابلة للتطبيق!، الامر حينها لم يتوقف عند اطلاق تصريح، انما توقع مدير التكاليف في وزارة الصناعة آنذاك بعيد أيام من "تصريح الغفلة" أن تدخل سوريا نادي الدول المصدرة للسيارات في نهاية العام 2020!!.
طبعاً انقضى العام 2020 وكانت توقفت شركات التجميع، وتسببت السيارات المجمعة محلياً في رفع أسعار السيارات المستعملة، وتبين أن سيارة سياحية مجمعة محلياً غير قابلة للتسويق الخارجي أصلاً، وسعرها في السوق السورية يضاهي أفخم الماركات في الأسواق الخارجية، وتحديداً تلك الأسواق التي روج لها البعض على أنها ستكون المستهدفة كـ(الاردن والعراق)!!.
هل من المعقول أن اللجنة الاقتصادية رفعت توصيتها بدون دراسة؟، وهل وقع رئيس الحكومة على قرار فاقد للبيانات والأسباب الموجبة؟!.
يعود الفريق الاقتصادي اليوم في عهد حكومة عرنوس الثانية، ليثبت أنه كان جزءً أصيلاً من الفشل الحكومي السابق لجهة مقاربة الملفات الاقتصادية، وترتيب الأولويات، ويوصي بالسماح لشركات تجميع السيارات وفق شرط قديم جديد (نظام الصالات الثلاث)، وآخر جديد وهو منح مهلة عام كحد اقصى للانتقال الى تجميع السيارات الكهربائية!.. في حين يوضح وزير الصناعة في حكومة عرنوس أن القرار ليس قراراً تنفيذياً ولن يتم منح اي اجازة استيرات قبل الانتهاء من دراسة شاملة للموضوع!، فاتحاً المجال لسيل من التساؤلات حول آلية اتخاز القرارات الاقتصادية، فهل من المعقول أن اللجنة الاقتصادية رفعت توصيتها بدون دراسة؟، وهل وقع رئيس الحكومة على قرار فاقد للبيانات والأسباب الموجبة؟!.
وأصحاب شركات التجميع الذين تذوقوا طعم الارباح سابقاً، عندما كانت الرسوم الجمركية على المكونات عند 5 ٪ فقط، سوف لن يعنيهم - فيما إذا سُمح لهم استئناف العمل - التدخل إيجاباً في سوق السيارات
على كل حال تشير معظم التقديرات الى أن ما وفرته جميع شركات التجميع من فرص عمل، لا يعادل ما يمكن أن توفرة بضعة ورشات حدادة في حوش بلاس (منطقة صناعية متخصصة في صيانة السيارات)، في المقابل تترصد تلك الشركات تعطش السوق السورية للسيارات الحديثة، حيث توقف الاستيراد منذ العام 2011، بمعنى أن أحدث سيارة سياحية مستوردة أصبح عمرها 11 عاماً، ومع ذلك نجد أن سعرها الحالي أضعاف سعرها عندما كانت جديدة، وأصحاب شركات التجميع الذين تذوقوا طعم الارباح سابقاً، عندما كانت الرسوم الجمركية على المكونات عند 5 ٪ فقط، سوف لن يعنيهم - فيما إذا سُمح لهم استئناف العمل - التدخل إيجاباً في سوق السيارات، خلافاً لما يحاول الفريق الاقتصادي قوله لتبرير القرار، وبالتالي هناك شكوك كبيرة في أن تنخفض أسعار السيارات المستعملة، ربما يكون في تجفيف حصص السيارات من الوقود مساهمة أكبر في تخفيض السعر، أما التجميع فليس على الحكومة سوى السؤال عن سعر أردأ سيارة تجميع محلي!.
عندما تعرض وزير الصناعة الأسبق أحمد الحمو في العام 2016 لسؤال خلال مؤتمر صحفي في فندق فورسيزن بمناسبة اطلاق احدى الشركات لسيارتين جديدتين، حول ما اذا كانت شركات التجميع تلتف على منع استيراد السيارات من خلال بدعة التجميع، وتحاول الاستفادة من الرسوم الجمركية المخفضة ( 5 ٪ فقط)، تلون وجه الوزير ورد بعصبية وطالب بعدم اساءة الظن بهذه الصناعة الواعدة على حد وصفه!!.. ثم مرت السنوات، وارتفعت الاصوات المشككة بالقيمة المضافة التي تقدمها "شركات التجميع"، أو لنقل ارتفعت أصوات غير المستفيدين من "كعكة التجميع"، حيث سبق لرئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس أن اطلق تصريحاً مدوياً تحت قبة البرلمان واصفاً عملية التجميع بأنها عبارة "نفخ الدواليب وشد البراغي"، ثم اعترفت الحكومة بشكل غير مباشر بأنها تعرضت للخديعة، فشكلت لجنة من 6 وزراء، لدراسة واقع شركات تجميع السيارات، وتبين أن شركة واحدة فقط تملك 3 صالات، وعليه الزمت الشركات بالتحول الى نظام 3 صالات ورفعت من الرسوم الجمركية لاستيراد مكونات السيارات.
يتركز اليوم النقاش بعد صدور قرار السماح لتلك الشركات معاودة التجميع، يتركز حول كيفية تمويل المكونات المستوردة بالقطع الاجنبي، ذلك في ظل واقع اقتصادي عالمي مقلق وسط أحاديث عن مجاعات تلوح في الآفق، وداخلي أكثر قلقاً لجهة ارتفاع فاتورة الاستيراد للمواد الأساسية والمشتقات النفطية، كل ذلك ربما سيخفض من حماسة عرابي قرار "استئناف التجميع"، وبالتالي تذهب معظم الترجيحات أن القرار لن يطبق على المدى المنظور!.
المشهد
إضافة تعليق جديد