المتاجرة بالدين
د. سامح عسكر: أستغرب من الذين يريد اعتزال الفن فيقوم بعمل ضجة إعلامية ويصرح أنه قد تفرغ للعبادة:
أولا: حضرتك معتزل لماذا لا تفعل ذلك في صمت؟..إن الضجة تعني أنك بحاجة لدعم معنوي ومهزوز أو تريد ربحا بشكل ما..
ثانيا: يوجد فنانون عابدون..لماذا تضع الفن عدوا للعبادة؟ لماذا لا تضع سببا آخر لاعتزالك؟ توجد أسباب أخرى منطقية لاعتزال الفن كتغيير النشاط مثلا لتجارة أو صناعة أو وظيفة مرموقة بدخل مرتفع..كل هذا مقبول، يمكن اعتزال الفن أيضا للتفرغ إلى هواياتك المفضلة (رياضة - ثقافة - رحلات)..إلخ، كيف نصمت عن كل هذه الخيارات لنتفرغ للعبادة تحديدا..؟ إن صورة (الراهب) المعتزل لمتع الدنيا لم تفارق خيالات معتزلي الفنون. صورة رابعة العدوية المزيفة التي صنعتها إحدى مؤلفات الدراما الدينية لا زالت تسيطر على الفنانين، حياة نصفها الأول متعة وشهوانية ولهو ونصفها الأخير عبادة وذكر وصلاة، فتكون النتيجة ملائكة يحملون رابعة إلى السماء في مشهد يراه الآلاف..
ربما لا يعلم الفنانون أن قصة رابعة العدوية ليست هكذا، وأن رابعة التي رأوها في الأفلام هي خيال مؤلف ولم توجد في الواقع..وربما لا يعلم البعض أن تلك الصورة المزيفة أحسن الإسلاميون في استغلالها لتدمير الفنون بالمطلق وإقناع المئات من الفنانين بالاعتزال في مشهد كارثي على العقل والثقافة..
أشهد أن الوسط الفني ليس بهذا القُبح المصطنع، وبحكم معرفتي الشخصية بالعديد من الفنانين وحكاياتهم فالوسط مختلف تماما ويغلب عليه الطابع المحافظ في العلاقات، وأن المتحررين منهم يضعون مسافات بينهم وبين غير أولي الثقة والمعارف السطحية، وبرغم ذلك يبدعون ولا زالوا يبدعون..
نهايته: اعتزال الفن هو خيار شخصي له كامل الاحترام، لكن للصنعة أصول، فلا داعي للتشهير والهجوم على الصناعة..فأنت لم تخرج من الكفر إلى الإيمان ، وتصوير الاعتزال بأنه تفرغ للعبادة (كذب) لأنك لن تتفرغ للعبادة وتعتزل كالرهبان في الصحراء بل ستفتح حساب انستجرام وفيس بوك ويوتيوب تجني منه الملايين بحكاياتك القديمة وصورة التقي الورع.. أي هو تربح لكن بشكل آخر..فلو كنت تتربح قديما من التمثيل والفنون سيكون أشرف لك ألف مرة من التربح والتجارة بدين الله بين البُسطاء ومحدودي الفكر..
إضافة تعليق جديد