مرة أخرى "التجارة الخارجية" تبخس المربين أغنامهم.. قرار متأخر لصالح بضعة تجار!
تأخرت "وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية" على الأقل شهرين لتسمح بتصدير ذكور الأغنام والماعز الجبلي، فترة التأخير هذه تضعنا أمام علامات استفهام كثيرة، لجهة أن كبار تجار المواشي هم وحدهم من سيقطف ثماره!، أما المربون فقد باعوا ذكور قطعانهم وألحقوها بقسم من الاناث!.
العام الأسوأ بالنسبة للمربين..
يُسجل هذا العام كأسوأ عام مر على مربي المواشي، ذلك لارتفاع تكاليف الانتاج بعد الارتفاعات الكبيرة والكبيرة جداً في أسعار الأعلاف، هي حالة لم تشهدها سورية منذ عشرات السنين بحسب ما ذكر أحد المربين لـ"المشهد"، حيث لم يسبق أن ارتفع سعر طن الشعير (العلف الرئيسي لقطعان الأغنام والماعز) إلى هذا الحد (بين 1300 و1500 ليرة للطن الواحد خلال الموسم الحالي) إضافة إلى باقي المواد التي تدخل في الخلطة العلفية كالتبن والنخالة، حتى أن المراعي الصيفية المؤقتة وهي عبارة عن بقايا المحاصيل الزراعية (قش الشعير والقمح) ارتفع سعر الدونم الواحد إلى 10 الاف ليرة سورية.
يؤكد "عبد الباقي" صاحب قطيع أغنام أنه مثل الكثير من المربين اضطر لبيع قسم من قطيعه لتأمين علف الشتاء للقسم المتبقي، ويضيف: "عادة كان ثمن الخراف لوحدها يمكننا من تأمين العلف للقطيع ويزيد، فلا نضطر لبيع الإناث، بينما في هذا العام نحتاج لبيع رأسين من الغنم لتأمين تكاليف تربية رأس واحد!.
تشير أرقام تطور أسعار المواد العلفية قياساً بأسعار المواشي إلى اختلال كبير في اقتصادية هذا القطاع، حيث يُفترض أن تكون "قيمة" علف رأس واحدة من الغنم خلال عام كامل يعادل نصف ثمنها أو أقل، بينما في هذا العام تبدلت القيمة لصالح العلف طبعاً!!.
التهريب مجرد مبرر
وبالعودة للقرار المتأخر والمثير للريبة، فإنه حدد فترة التصدير بحدود الشهر ونصف أي حتى نهاية تشرين الأول 2021، ما يعني أن عدد الرؤوس المعدة للتصدير جاهزة في حظائر تجار محددين، غالباً هم من وقف وراء هذا القرار وضغطوا لإصداره، حيث كان دعا رئيس لجنة مصدري الاغنام في غرفة زراعة دمشق مؤخراً، وزارة الاقتصاد للسماع بالتصدير، متذرعاً بمسألة التهريب، وفي الحقيقة أن تهريب "الأغنام" حالياً في حدود ضيقة جداً، ولو كان هناك تهريب لما بقي رأس غنم واحد في سورية كما يؤكد "أهل السوق"، حيث تُعرض يومياً أعداد كبيرة من المواشي في سوق الغنم، وبأسعار بخسة خلافاً للسنوات السابقة!.
المصدر سيربح ضعفي رأس المال!
القرار يحدد عدد الرؤوس المسموح تصديرها لكل مصدر بما لا يتجاوز ألف رأس، وبوزن لا يقل عن 38 كيلو غرام للرأس الواحد، ويلزمهم بإعادة 500 دولار مقابل كل رأس مصدّر!!، بمعنى أن سعر الرأس في الأسواق الخارجية يساوي أكثر من ثلاثة أضعاف سعره في السوق المحلية!!، حيث أن سعر كيلو "الخروف واقف" في أحسن أحواله خلال هذا العام لم يتجاوز 12 ألف ليرة (أي أن خروف من وزن 38 المحدد في قرار التصدير سعره لم يتجاوز الـ 456 ألف بيرة سورية)، ولكم أن تتخيلوا حجم الأرباح التي سيحققها المصدر!!.
رأس مقابل رأس ماذا؟
القرار منح المصدر خياراً آخر بإعادة 300 دولار عن كل رأس مصدّر واستيراد رأس مقابل كل رأس صدّره، وذلك وفقاً لإعادة تعهد القطع وفق تعليمات "مصرف سورية المركزي"، وهنا نسأل عن الرأس المقابل؟!، ماذا يمكن أن يكون، هل المقصود رأس غنم البيلا؟!، وحتى وإن كان أرخص من "العواس" السوري فإن القدرة الشرائية لمعظم المواطنين السورين لم تعد تمكنهم من شراء رأس دجاج!!.
أما ما يشير إليه القراربأن "المركزي" سيرصد 50% من القطع الناجم عن التصدير لصالح استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي للموسم القادم وخاصة الأسمدة والأعلاف، وفق أولويات وزارة الزراعة، على أن يحدد "المركزي" أولويات استخدام النسبة المتبقية من القطع الناجم عن التصدير، فهو كلام جيد إن نفذ بحرفيته، لكن لا هذا لا ينسينا أن وزارة الزراعة هي نفسها تسببت في رفع أسعار الأعلاف عندما اشترت الأقماح "العلفية" من الفلاحين بأسعار بخسة (400 ليرة للكيلو ثم كافأتهم بـ 100 ليرة مؤخراً) بينما باعت قشر القمح "النخالة" للمربين بـ 1100 ليرة!.
ختاماً: لا بد من الإشارة إلى أن التصدير ليس عيباً أبداً، وربح المصدر ليس حراماً، إنما العيب والحرام في تماهي قرارات "الفريق الاقتصادي" مع رغبات بعض التجار لا نريد أن نقول إلى حد التواطؤ، لجهة اختيار توقيت في غير صالح المربين إطلاقاً، وهذا الأمر ليس خطأً اقتصادياً وحسب، إنما يرتقي إلى مرتبة الارتكاب، ومؤداه إفلاس المربين، واستمرار الانهيار هذا القطاع حتى آخره، فالعدد الذي سيُصدر حالياً من ذكور الأغنام والماعز الجبلي ويقطف ثماره بعض المصدرين ليس فائضاً عن السوق المحلية أساساً، بل هو فائض عن القدرة الشرائية لغالبية السوريين، وهذه القدرة الشرائية المنخفضة هي "أس" مشاكل مختلف قطاعات الانتاج!.
المشهد
إضافة تعليق جديد