السوريون يستعينون بأبطال أفلام كرتون لحل مشاكلهم الحالية
بترقب كبير، وبعد حجز موعد امام التلفاز، كان الاطفال في فترة التسعينات ينتظرون مذيعات الربط عند الساعة الثانية ظهراً لتعلن بدء فترة المسلسلات الكرتونية الموجهة للصغار والتي كانت بأغلبيتها من انتاج ياباني ومتنوعة عن قصص تدور في شتى أنحاء العالم.
هذه المسلسلات التي ساهمت في تفتح أذهان الصغار ودعتهم للاقتداء بأبطالها خلال فترة الطفولة التي مرّت سريعا على أبناء هذا الجيل الذين سرعان ما وجدوا أنفسهم يصارعون صعوبات الحياة، ويهربون من آثار حرب أُرغِموا على أن يكونوا طرفا فيها، وأزمات اقتصادية بدأت ولم تنتهِ.
ولكن عندما كَبر هؤلاء الأطفال أصبحوا بحاجة الى الاستعانة الإبطال الخارقين لمساعدتهم في تخطي مشاكل حياتهم.
ولعلّ المشكلة الأكبر لدى معظم السوريين هي انقطاع التيار الكهربائي الذي يعد الشريان الأساسي في حياتنا، وينتظر أحد هؤلاء الكبار (بيكاتشو) من مسلسل البوكيمون، والذي اعتاد على اطلاق تيار كهربائي من وجنتيه لعلّه يكون أحنّ من وزارة الكهرباء التي اتخذت التقنين “عادة” واتكلت على المولدات والبطاريات في بيوت الناس لتكون بديلا عن أداء واجبها.لا يمكن لمن كانت قدوته (روبن هود) وهو طفل إلا أن ينتظر صاحب السهم الناري، لكي يأخذ له حقّه من مديرية “حماية المستهلك” التي صمت الآذان عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وغضت العين عن تجاوزات التجار كباراً كانوا أو صغاراً.
أثناء انتظارها على موقف الباص صباحاً، أو ظهرا أو عصرا او مساءاً، تقف الشابة التي كانت في يوم ما طفلة منتظرةً السيدة فريزيل لكي تأخذها في رحلة ضمن جسم الإنسان أو إلى فترة زمنية سابقة في مسلسل ” باص المدرسة العجيب”.
تنتظرها هذه الشابة اليوم لكي تخلصها من ازدحام المواطنين على باص النقل العام وجملة السائق “رجعوا لورا.. بيساع “، فالمقارنة ظالمة بين باص السيدة فريزيل الأصفر وباص الشعب السوري الأخضر والاستعانة بسابق ولاحق فيه خطورة فلعل السيارتين الخاصتين بهما لا تمتلكان بطاقة ذكية لتعبئة البنزين “المقطوع” حكماً.
ومع استمرار مشكلة بطء الانترنت وتقييد باقات الواي فاي في المنازل بالإضافة الى تقنين الكهرباء وندرتها، لا يمكن لمن يريد الحصول على معلومة إلا أن يستعين ببطلة طفولته ومن قدمت له الحقائق سابقاً، صاحبة الشعر الزهري الطويل وبطلة المسلسل الياباني “إسألوا لبيبة”، لبيبة والتي لا نشك بدقة معلوماتها والسرعة بتقديمها.
أما فيما يخص الرياضة، وبعد ما شاهدناه من مشاكل في منتخبنا والشرخ الحاصل بين اللاعبين في سبيل الحصول على شارة القيادة، وتكاسل بعضهم عن تأدية الواجب الوطني في خدمة منتخبنا الكروي، كان لابد من الاستعانة ببطل طفولة جميع من يحب كرة القدم “الكابتن ماجد”، الذي علمنا أن الإخلاص مع الأخلاق تجعل من اللاعب نجماً محبوباً وتفتح للفوز الأبواب وتأتي بالأمل المطلوب.
وعند الحديث عن كرة القدم يمكن أن نستعين بالكابتن ماجد أيضا ليعلم بعض الموتورين في رياضتنا أنه من الواجب ان تكون حسن الخلق مع الخصم فأهدافك “أسمى” حسب ما تشير له شارة الجزء الثاني من المسلسل.
ولا يمكن اغفال دور ” ساندي بل ” الصحفية الأسكتلندية لتكون عوناً لإعلاميينا في تغطية الاحداث والتواجد في مكان الحدث دائما، فالصحفية الشابة يمكن أن تكون قدوة للعديد من الصحفيين في تتبع الخبر ونقله بدقة وموضوعية، وهنا يجب الإشارة إلى أن الاعتماد على ساندي بل يجب أن يقتصر على الاعلام فقط وليس على موضة الثياب أيضاً، فاختلاف الألوان في جواربها كان ميزة خاصة بها فقط.
اعتادت بائعة الكبريت إشعال عود ثقاب كلما شعرت بالبرد، فمع كل عود ثقاب يشتعل كانت تتخيل نفسها في مكان دافئ ونظيف ومليء بالطعام، وما أن ينطفئ واحد كانت تهم بإشعال آخر لتتخيل نفسها في مكان جميل آخر.
ولكن الخوف هنا أن تكون نهاية المواطنين في منازلهم شبيهة بنهايتها، ففي اليوم التالي وجدها المارة مستلقية بين مبنيين جثّة هامدة لا حراك فيها.
ربما تكون نهاية بائعة الكبريت حزينة لدى العديد من الناس، ولكنها سعيدة بالنسبة لفتاة لم تجد الدفء في حياتها، إلى أن انتقلت الى السماء صحبة جدتها، انتقلت الى مكان لا ظلم فيه ولا ظلام.
جثة بائعة الكبريت الباردة في الشارع ستجعل المحققين يستنفرون للبحث في أسباب موتها، حيث نبحث عن العدالة الحقيقية التي يجب أن لا تختبئ وراء أصحاب الأموال والمستفيدين والواصلين، عندما نبحث عن هذا النوع من العدالة نحتاج الى محقق صغير- ما عندو كبير- ككونان والذي كثيرا ما كشف لنا خيوط جريمة منفذوها أشد دهاءً من جرائم نراها اليوم ولا نرى لها حسيب أو رقيب! .
يصل الحال بنا اليوم الى لوم مسلسلات الأطفال التي صنعت لنا عالما مليئا بالقيم والأخلاق والعدل، لنتفاجأ لاحقا بواقع يختلف كلياً عن الذي انتظرناه، واقع يصعب فيه أن تحمي فيه حلمك الذي كبرت وأنت تطمح الى تحقيقه، واقع تغيب فيه أساسيات الحياة عن البيوت، واقع قد تموت فيه بائعة الكبريت من البرد، ولا يحاسب أحد.
الخبر
إضافة تعليق جديد