إجراءات لمنع المذهبيات
كما في أقوال السلف وأهل العلم: أصول الاسلام ثلاثة: التوحيد، والنبوة والمعاد، وكما في طائفة متواترة معنوياً من الاخبار: الاسلام على الشهادتين: لا إله الا الله محمد رسول الله، فمن قالها كان له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم... ما يعني وجوب اتخاذ موقف من الموجة العارمة من التكفير المضلّة، التي تكاد تدخل العالم الاسلامي بفتنة الدم والاعتقاد، فيما الجميع يقر بأن الاختلاف الفرعي أو الاجتهادي، لا يبطل إسلام مسلم، ولا يخرجه عن الملة، ومعلومة قصة اسامة بن زيد، حين قتل رجلاً من أهل الكفر قال تحت السيف: أشهد أن لا إله الا الله، وأن محمداً رسول الله، فأنكر النبي عليه ذلك، وقال: هلا شققت عن بطنه!
فها هي دماء المسلمين تتشكل جداول على الارض، فيما الدول الاسلامية تعيش الخصومات والقطيعة والعداوات، أو على الاقل لم تعد تجمعها المصلحة الواحدة التي في الاصل يجب أن تتشكل وفق فقه الشريعة ومعاني القيم المؤصّلة فيها، حتى أضحى الغرب أكثر صلة بدولنا، أكثر من صلة دولنا بعضها بالبعض! كل ذلك وسط أنهار من الدماء، تسيل في العراق وافغانستان وفلسطين، وصولاً الى حرب تموز الكبرى على لبنان.
فوحدة المسلمين هي من صميم مبادئ الاسلام العليا، وينبغي أن تكون غايتنا ومحور اهتماماتنا، فهي الامانة التي يجب أن نعمل جميعاً على حفظها وصونها وتعزيزها مهما بلغت التضحيات، لأننا ملزمون بهذا الامر، ومسؤولون عنه؛ والا ما معنى قوله تعالى [إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون] كيف نعبد الله، والمسلمون يتخاصمون ويتنازعون ويتباغضون؟ كيف يمكن للمسلم أن يقول أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله والمسلمون مختلفون ومتفرقون ويكيد بعضهم لبعض؟ يشكك؟ يكفّر؟ يلعن؟ يهدر الدماء ويسفكها؟ يرهب الآمنين؟ اين نحن من الاسلام والله تبارك وتعالى يقول "كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" وفي الحديث الشريف عن النبي (ص): "لا تزال امتي بخير ما تحابوا وتهادوا، وأدوا الامانة، واجتنبوا الحرام، وقروا الضيف، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة".
تأكيدا لهذه المعاني جعلنا الله تعالى الامة الوسط، لتشكل مفصل الشهادة في عالم الاستخلاف، وقدمت الشريعة جملة من قوانين تامة في النظرة الى العلاقات الانسانية ذات الاهمية الخاصة، فشكل الحوار والتعارف والدعوى الى الله ركنا اساسيا فيها لقوله تعالى "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين"، كما أكدت طبيعة المحور الرئيسي الاولى التي يجب ان تحكم العلاقات البشرية لقوله تعالى "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير".
بهذا شكل الاسلام، هرم المنظومة الوجودية التي قوعدت فقه الحياة والنظرة الى الانسان على نحو من الوجودية التي تدمج بين الهويتين التكوينية والتشريعية، وتعطي الانسان ميزة خليفة الله على الارض...
وبناء على عظمة الاسلام، والحقيقة المطلقة فيه، وطاعة الله تعالى، فاننا ندعو اولا الى بناء امتنا، ووقفها على شرع الله اعتقادا وشريعة، قانونا واعرافا، واعطاء هذا الدين دوره في حياة الفرد والجماعة والاجتماع السياسي والمدني والامة. فالمسلمون مطالبون بتأصيل الاسلام في الفكرة والسلوك والموقف، لا سيما في هذه المرحلة الصعبة حيث العالم يتكاتف من حولنا، ويضع الاسلام هدفا لقواه الطاحنة المستبدة، فان من واجبنا ان نحمي امتنا بما تعني هذه الامة من دين وانتماء.
فخطاب الامة اللازم قرآنا وسنة في حقنا، يعني كل بقعة من بقاع اهل الاسلام، بل كل فرد من افراد هذه الامة... كما يعني تثبيت الاسلام في صميم القرار السياسي، والعمل الجاد والمجدي، واستعمال شتى الوسائل الفاعلة لاعادة تصميم هذه الامة على قاعدة الوحدة، التي قال الله فيها [ان هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون] ومعنى ذلك منع المذهبيات من اجهاض دين الله تعالى وضرب اصول الاسلام، وذلك من خلال اتخاذ الاجراءات التالية:
-1 تشكيل لجان تعمل على تظهير حد الاسلام وتعريفه، وحد حرمته، وواجب عصمة دمه وعرضه وماله، وما له من حق وعليه من واجب.
2 - العمل على استنهاض المسلمين حكّاماً وأفراداً نحو دينهم، عبر جملة من الاصدارات حول الاسلام وهويته، ليشكل مركز المباني في فقه الدولة والمجتمع.
3 - اتخاذ موقف صريح وكبير وضاغط من الدم المسلم المستباح وشتى حقوقه في أية ناحية أو بقعة من الارض: شرقاً وغرباً.
4 - تشكيل لجنة تواصل مؤثرة من علماء المسلمين، وظيفتها تشكيل وبيان المبنى الشرعي لحرمة المسلم، وتعميمه، والإفتاء وفقه، فضلاً عن العمل للتواصل مع باقي المرجعيات منعاً للفتنة ووأداً لها.
5 - ضرورة التذكير بأن فقه الفروع بشرطه العلمي لا يفسد دين المسلم، بل يُلزم الأمة عصمة دمه وماله وعرضه وشتى حقوقه، على أن تبقى الندوات والمباحث العلمية، باب العلم وبرهان الحقيقة وفق المعايير الشرعية.
6 - ضرورة حماية أمتنا، واتخاذ مواقف جريئة على الساحة الدولية، وذلك لمنع الايدي الغريبة من التدخل بشؤون المسلمين، أو احتلال أرضهم أو نهب ثرواتهم أو زعزعة استقرارهم، أو منعهم من حقوقهم العلمية والتقنية والسياسية والتجارية والثقافية وغير ذلك...
7 - العمل الجاد، وبكل ثقل وجهد، ليل نهار، لبناء هيكل تواصلي كبير، وأرضية ضخمة للوحدة الاسلامية، فالخير كل الخير بالوحدة وهي مطلب شرعي واجب ولازم بحق كل افراد الأمة.
8 - ضرورة اتخاذ موقف كبير وواع، من الخلافات الاسلامية - الاسلامية، والعمل على ردمها، والضغط بكل الوسائل الممكنة، للحؤول دون الوقوع في فتنة اسلامية - اسلامية أو اسلامية - مسيحية وتحقيق وحدة وطنية والانطلاق من خلالها الى اعادة بناء لبنان الانسان، لبنان الرسالي والنموذج، لبنان الأمن والسلام والصورة المشعة في العالم أجمع.
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد