المسلمون في وطن "الشيطان الأعظم"
يبدد بول باريت، الصحافي السابق في وول ستريت جورنال، الكثير من المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالمسلمين الاميركيين. فعلى سبيل المثال أوضح، وعلى العكس من الاعتقاد السائد، لا يمثل الاميركيون السود اغلبية المسلمين في اميركا (20 في المائة فقط، معظمهم من معتنقي الإسلام الجدد)، اما اكبر تكتل للمسلمين في الولايات المتحدة، 34 في المائة، فهو من الهنود والباكستانيين، وهم من المهاجرين الجدد الذين بدأوا في الوصول بأعداد كبيرة في السبعينات. وباقي العدد من الاتراك والايرانيين وآخرين.
واحد من الكوابيس التي كانت تؤرق آية الله الخميني الذي حكم ايران بيد من حديد لعقد من الزمن كان ما وصفه بـ «أمركة الإسلام».
وكان الخميني يخشى ان يؤدي تسلل بعض الافكار الاميركية مثل حكم القانون والديموقراطية وحق الفرد وأسلوب الحياة البديلة وفصل الدين عن الدولة في المجتمعات الاسلامية الى اضعاف الالتزام بالدين. وبالنسبة لرجل الدين العجوز، كان شعار «الموت لأميركا» مهما مثل أي بينة على الايمان.
غير ان بول باريت الصحافي السابق في وول ستريت جورنال يوضح ان ملايين المسلمين يعيشون في الولايات المتحدة وطن «الشيطان الاعظم». دون التخلي عن ايمانهم. وبطريقة ما يستمتع المسلمون بمزيد من الحرية الدينية في الولايات المتحدة اكثر من تلك التي يستمتعون بها في الجمهورية التي شيدها الخميني (في الولايات المتحدة كل المذاهب الاسلامية حرة في ممارسة تقاليدها والانتشار. اما في الجمهورية الاسلامية في ايران فإن مذهب الخميني فقط هو الذي يتمتع بحرية كاملة).
لا يعرف احد عدد المسلمين بالضبط في الولايات المتحدة، ولا يقدم باريت رقما قاطعا. وتتراوح التقديرات بين 3 الى 6 ملايين. ومن سوء الحظ ان باريت لم يبد اهتماما اكبر بالحاجة الى تحديد رقم مقبول للمساهمة في انهاء الجدل حول تلك القضية. يبدأ باريت كتابه بتبديد الكثير من المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالمسلمين الاميركيين. فعلى سبيل المثال أوضح، على العكس من الاعتقاد السائد، أن الاميركيين السود لا يمثلون اغلبية المسلمين في اميركا (20 في المائة فقط، معظمهم من معتنقي الإسلام الجدد.) اما اكبر تكتل للمسلمين في الولايات المتحدة، 34 في المائة، فهو من الهنود والباكستانيين، وهم من المهاجرين الجدد الذين بدأوا في الوصول بأعداد كبيرة في السبعينات. وباقي العدد من الاتراك والايرانيين و»اخرين.«
وطبقا لباريت، فإن 85 في المائة من المسلمين الاميركيين من السنة، بينما يمثل الشيعة 15 في المائة. والامر غير الواضح، هو ما اذا كان باريت ضم امة الاسلام وهي حركة من الاميركيين الافارقة، ضمن السنة.
ويقدم باريت عددا من الحقائق المفاجئة، فعلى سبيل المثال، فإن 60 في المائة من الاميركيين المسلمين يحملون شهادات جامعية او عليا، وهو ضعف المتوسط الاميركي. ويعمل معظم المسلمين الاميركيين في قطاع الخدمات، ولا سيما في مواقع ادارية، ويحصلون على دخل يزيد 20 في المائة على متوسط اجر الاميركيين.
وبسبب الهجرة الضخمة ولا سيما من الهند وباكستان، وبسبب حجم الاسر الكبير، اصبح الاسلام اكثر الاديان نموا في الولايات المتحدة. كما انه يجذب اكبر عدد من المعتنقين، في منافسة ليس فقط ضد المسيحية والهندوسية والبوذية والبهائية، ولكن ايضا ضد بعض الاتجاهات الدينية الجديدة مثل كنيسة «الساينتولوجي». ويذكر باريت القراء بأن الاسلام هو اسرع الاديان نموا في العالم.
وكتاب باريت ليس له بنية واضحة ويمكن اعتباره سلسلة من التقارير المنفصلة. ويخصص الكاتب جزءا كبيرا من الكتاب لتقديم 7 مسلمين، من المفروض انهم يمثلون المسلمين الاميركيين. ويعطي لكل واحد منهم صفات: العالم والناشط والناشطات في حقوق المرأة.
ومن بين السبعة يوجد شيعي واحد هو اسامة سيبلاني. وهو لبناني الاصل، هاجر الى الولايات المتحدة عام 1976 واستقر في ديربورنس بمتشيغان، وهي معقل الاميركيين العرب من منتصف القرن الماضي. وينشر سيبلاني صحيفة «اراب اميركان»، وهي اكبر صحيفة عربية في الولايات المتحدة. ويظهر سيبلاني كشخصية معقدة. فمن ناحية هو من اشد المعجبين بـ «الحلم الاميركي» إلا ان صحيفته، من ناحية اخرى، تلوم الولايات المتحدة على معظم الاخطاء في العالم الاسلامي واماكن اخرى من العالم، كما إنه من اشد المناصرين لحزب الله، وهو جزء من الحركة الخمينية. وينتقد سيبلايني السياسيين والاحزاب اللبنانية التي تقاوم محاولة حزب الله الاستيلاء على السلطة في لبنان.
ومن بين الشخصيات الطريفة التي يقدمها مؤلف الكتاب، شخصية سرج وهاج، وهو افريقي اميركي مسلم يروج لعديد من النظريات مثل الاعتماد على النفس والعمل الشاق، وهي من الافكار التي طورها في البداية مالكوم اكس. ويعتقد وهاج ان الولايات المتحدة ستتبنى في يوم ما الشريعة كقانون اساسي لإنقاذ نفسها من الخمور والمخدرات والقمار والإباحية والدعارة.
ومن الصعب رؤية كيف يمثل هؤلاء الاشخاص المسلمين في اميركا. وفي الواقع، فإن الحديث عن مجتمع اسلامي واحد في الولايات المتحدة او في أي مكان آخر يمكن ان يكون مضللا. وهذه الحقيقة يجب التركيز عليها لسببين:
السبب الأول: يتعلق بالاندماج. فما يسمى بـ «البوتقة الاميركية» لا يمكنها دمج مجموعات. إنها تدمج أناساً من خلفيات وثقافات وأعراق ولغات متعددة باعتبارهم أشخاصا فقط.
وهناك سبب آخر يفسر خطأ التركيز على الشكل الجماعي للإسلام في اميركا، وهذا يرجع لحقيقة ان المسلمين في الولايات المتحدة لديهم تطلعات ثقافية وسياسية مختلفة. ففي عام 2000 على سبيل المثال، صوت المسلمون الاميركيون من أصول عربية وايرانية بأغلبية لجورج بوش بينما صوت المسلمون من أصول افريقية لآل غور. وفي 2004 صوت معظم الاميركيين العرب والاميركيين الافارقة ضد بوش بينما صوت المسلمون من اصول هندية باكستانية وايرانية لصالح بوش.
خصص باريت جزءا أساسيا من الكتاب لأفكاره حول ما يجب القيام به لتحسين العلاقات بين المسلمين الأميركيين وواقع أميركا الأوسع. لكن ما يؤسف له أن التحليل كان مهزوزا عند تقديمه عدد من الاقتراحات. وزعم باريت أن الطلبة القادمين من الشرق الأوسط يجلبون معهم التطرف إلى الولايات المتحدة هو بالتأكيد عسير على الاثبات. وهناك دليل على أن الأمور تعمل بطريقة معاكسة، فالطلبة المسلمون يصبحون متطرفين في الجامعات الأميركية.
وهنا مثالان لتوضيح الصورة: أولا، هناك تسعة أعضاء من قيادة تنظيم تروتسكي إيراني، ساعد الملالي على قلب حكم الشاه عام 1979، متخرجون من جامعات أميركية، بينما هناك 5 أعضاء في أول حكومة شكلها الخميني بعد الثورة يحملون جنسيات أميركية.
ثانيا: بين عامي 1970 و2002 كانت الولايات المتحدة البلد الوحيد الأكثر أهمية من حيث كونها مصدرا لتمويل الحركات الإسلاموية خارج الشرق الأوسط. وكانت مدينة دالاس بتكساس هي المكان الذي عقد فيه أول وآخر مؤتمر ضم ممثلين عن فروع حزب الله خارج إيران عام 1985.
أمير الطاهري
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد