اقتصاد الانتخابات 30 ملياراً والملايين الثلاثة سقف وهمي
للانتخابات سوقها, وهي سوق مكتملة الأركان والشروط فرحلة المرشح نحو المقعد المنشود في مجلس الشعب لا بد وأن تمر عبر حملة انتخابية من شأنها تحريك العديد من القطاعات والتي ترى في هذه الحملات (موسما) متميزا وفرصة لن تتكرر في دور تشريعي جديد وبميزانيات جديدة لمرشحين جدد.
سوق حجمها ثلاثين مليار ليرة سورية
صحيح أن سوق الانتخابات أو ما يمكن تسميته اقتصاد الانتخابات لاتنشط إلا كل أربع سنوات
ولكنها سوق ضخمة بكل ما للكلمة من معنى إذ تتنافس عشرات القطاعات والأنشطة المختلفة لاقتسام كعكة هذه السوق والتي تبلغ على أقل تقدير 30 مليار ليرة سورية وهذا من واقع عملية حسابية بسيطة بعد معرفة عدد المرشحين وسقف الإنفاق الانتخابي والذي حدد بموجب الأنظمة بثلاثة ملايين ليرة لكل مرشح.
لكن واقع الحال يفضي إلى أرقام أكبر من هذا الرقم بكثير, فتحديد سقف الدعاية الانتخابية هوتحديد نظري إذ تبلغ نسبة من يلتزمون بهذا السقف 20-30 بالمئة فقط, أما أغلبية المرشحين فتتجاوزه بعدة أضعاف وعبر وسائل يراد منها الالتفاف على هذا القانون ومنها: لجوء بعض المرشحين إلى نشر لوحات إعلانية وقماشية وملصقات تذيّل بعبارة (تقدمة فلان..) بحيث لا يتم اعتبارها ضمن نفقات الحملة الانتخابية. وهناك أيضا الحجوزات الوهمية للوسائل الإعلانية كأن يتم حجز لوحات طرق بمليون ليرة سورية ولكن الجهة المالكة للوحات تصدر فاتورة بقيمة مئتي ألف ليرة سورية فقط والشيء نفسه بالنسبة للصحف والمجلات الخاصة وبهذا يكون هناك إنفاق معلن وآخر فعلي ما يجعل احتساب القيمة الفعلية لسوق الانتخابات عملية صعبة ومعقدة.
إذا كان هدف الحملة الإعلانية بالمجمل هو الوصول إلى المستهلك وإقناعه بمزايا السلعة وبالتالي اقتنائها فإن هدف الحملة الانتخابية لا يختلف هو الآخر كثيرا عن ذلك سوى أن يقدم المرشح وبرنامجه - إن وجد- للناخبين.
وهنا يدور الحديث عن سوق قوامها 12 مليون ناخب موزعين على 12,425 مركز انتخابي وبالتالي فإن الإنفاق على الحملات الانتخابية للمرشحين لابد وأن يستهدف الوصول إلى الشريحة الأكبر من هذا السوق.
وتتفاوت عادة تقديرات المرشحين للوصول إلى الناخب المستهدف ما يعني اختلاف النفقات فهي لدى أحد المرشحين مليون ونصف ليرة سورية ولدى آخر تزيد أو تنقص عن السقف (ثلاثة ملايين) ولدى ثالث تتخطى هذا السقف كثيرا وهذا أمر تحكمه عدة معايير أهمها الموقف المالي للمرشح وطبيعة الوسائل الإعلامية التي يستخدمها وكذلك طبيعة الناخبين الذين سيتوجه إليهم وأماكن وجودهم وانتشارهم وغير ذلك.
بالرغم من أن اقتصاد الانتخابات لا ينشط إلا مرة كل أربع سنوات إلا أنه يأتي قويا إلى الحد الذي يجلعه يوزع كل هذه المليارات من الليرات في مدة لا تتجاوز الشهرين وما يسرع في ذلك هو تنافس القطاعات المعنية بتقاسم كعكة الانتخابات والتي تعد العدة لهذا الحدث قبل أشهر من وقوعه. ويكاد يصعب حصر القطاعات المستفيدة من هذه الكعكة ولكن جولة لنا على الأسواق استطعنا من خلالها حصر أهم المستفيدين حيث يأتي في مقدمة هولاء: لوحات الطرق الإعلانية واللوحات الجدارية والقماشية ولوحات (فلكس فيس) وغيرها وكذلك الخطاطون وكالات الدعاية والإعلان والعلاقات العامة والمطابع والورق والأحبار, مصانع النسيج والبلاستيك وغيرها.
كما أنه هناك قطاعات عامة تتحرك أعمالها لمجرد تجمهر الناس لدعم المرشح أو انتخابه مثل محال الخيم والحبال والسلالم والأخشاب والمطاعم ومحال بيع القهوة والشاي والسكر والكراسي والإنارة والرافعات وغيرها الكثير.. الكثير.
يقول زهير صاحب أشهر محال الخط بدمشق إن سوق كتابة اللافتات نمت في السنوات الأخيرة بشكل لافت وأن السوق تضاعفت بنسبة 100 بالمئة إذا ما قيست بالدور التشريعي السابق وهو أمر يرجع -برأي زهير- إلى تطور وقوة الحملات وضخامة المبالغ المرصودة لها ووجود قروض تسهل على المرشح عملية الصرف على حملته..
ويعتقد زهير أن محله إلى جانب ثلاثة أو أربعة محال أخرى تسيطر على 80 بالمئة من السوق نتيجة ما تتمتع به من خبرة وجودة في الخدمة وأن الاستمرار في هذه السوق ليس بالأمر السهل لأن العمل يتطلب إنتاج أكبر قدر من اللوحات في أقل وقت ممكن وإلا فقد المحل زبونه والزبون خسر ناخبين كان يجب أن يكسبهم إلى صفه.
وتشير المعطيات الأولية للمؤسسة العربية للإعلان إلى حجوزات كبيرة على الوسائل الإعلامية المختلفة كما تؤكد نموها الكبير إذا ما قورنت بالدور التشريعي السابق سواء من حيث المساحات والأوقات أم حيث عدد مرات التكرار, ما يوكد زيادة وعي المرشحين لأهمية الحملات الانتخابية عبر وسائل الإعلام من جهة وازدياد المنافسة فيما بينهم للاستحواذ على أصوات الناخبين من جهة أخرى.
ويقول صاحب إحدى المطابع لم يسبق لنا أن طبعنا هذا الكم الهائل من الصور والملصقات, لقد أصبحت الانتخابات موسما طباعيا بامتياز ولكن قصر هذا الموسم وإلحاح وكلاء المرشحين على تسلم طلباتهم في وقت محدد وبكميات محدودة يجعل المطابع في كثير من الأحيان عاجزة عن تلبية طلبات هؤلاء الزبائن ما يفتح المجال أمام المطابع الصغيرة الأقل شهرة.
أخيرا لا بد من التأكيد أن اقتصاد الانتخابات هو اقتصاد حقيقي فهو يدور أموالا ضخمة وينعش قطاعات عادة ما تكون راكدة كما أنه يؤمن دخولا كبيرة للفعاليات الخدمية التي تقدم هذا النوع الخدماتي فضلا عن الآليات والمعدات والأفراد.. إنه اقتصاد خدمي حقيقي وإن كنا لم نعتد بعد على هذا النوع من الاقتصادات والذي أصبح عماد النهضة الاقتصادية للعديد من الدول. المطلوب إذا تنظيم هذا القطاع لدينا ليكون قطاعا منظما بالمعنى الاقتصادي وذا عائدية بالمعنى النفعي للأفراد والبلد في آن معا.
أحمد العمار
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد