«جين» فرقة روك سورية تعالج قضايا المجتمع في أغانيها
صحيح أن خيارهم الأولي وضعهم في «جنة عدن»، لكن ذلك لم يدفعهم إلى التشبّث به. رشّحوا للذهاب إلى مدينة كورن وول البريطانية، حيث أحيوا حفلات تحت اسم «زودياك». كانت فرقة سورية، إلى جانب ثلاث فرق أخرى، عزفت وغنت «الروك» الأجنبي في جوار بيوت بلاستيك عملاقة، تحوي كل أنواع النباتات الموجودة على الأرض، من خط الاستواء... إلى القطب الجنوبي (وهو ما يسمى بمشروع «جنة عدن» الذي أراده مبتكروه رمزاً لمكان الخلاص وقت انتفاء الحياة).
نجاح كهذا لم يثنِ أعضاء الفرقة عن تبنيهم خياراً مختلفاً في العزف والغناء. خيار طالما أرادوا المضي فيه، في وقت كانوا مرتهنين فيه لذوق الجمهور وما أراد سماعه. وبدلاً من أداء أغاني «الروك»، ستتحول الفرقة إلى الغناء باللغة العربية، والفصحى في شكل أساسي، في نمط سيشكل الهوية الموسيقية لهم، وهو «الروك بروغرسف».
عن هذا التوجه الجديد يقول مغني الفرقة شادي علي (مغن في كورال الحجرة وأوركسترا «زرياب» للموسيقى العربية، واشتغل موسيقى أعمال مسرحية) ان النمط الذي اختاروه «هو الأكثر أكاديمية من بين أنواع الروك. له قوالب موسيقية معروفة ومدروسة، ويمكن تضمينه العديد من الخيارات في التأليف». التوجه الجديد يعني أيضاً اسماً آخر. فبعدما ارتبط اسم «زودياك» بالأداء في حفلات الروك، أخذت الفرقة اسم «جين» عنواناً عريضاً يعبّر عنها. وأتى هذا الاسم ليعبر عن إصرار حامليه على أن يكونوا أقرب إلى هواجسهم الفنية من رغبات الجمهور، أو كما يعبّر شادي، «نريد أن نكون جيناً من ضمن الجينات التي تشكل معالم هذا المجتمع، وقد قررنا أن نكون فاعلين فيه على طريقتنا الخاصة».
وعلى ذكر الفاعلية، سيكون مفيداً الحديث عن أحد الأغاني التي سجلتها الفرقة، وستطرحها ضمن ألبومها الأول خلال الأشهر القليلة المقبلة. فضمن بحثها في الشعر العربي، اختارت «جين» مقاطع من قصيدة «قاتل أخته»، للشاعر بدر شاكر السياب، وقام أعضاؤها بتلحينها وغنائها. والقصيدة تخوض في قضية جرائم الشرف، التي تشكل هذه الأيام حديثاً ساخناً في المجتمع السوري، بعدما حصلت جرائم عدة أخيراً تحت ذريعة «الدفاع عن الشرف». فأخ يتبع أخته الهاربة ويقتلها، وأب ينحر ابنته التي تزوجت من غير موافقته. ويعتبر مغني الفرقة أن شخصيتهم الفنية بروحها الجديدة «هي الأكثر قدرة على طرح هذه القضايا، وإيصال رسالة قوية للمجتمع بخصوصها». وستشكل قضايا كهذه واحداً من محاور أساسية لعمل الفرقة. واللافت أيضاً أن في حين كان هؤلاء الموسيقيون يشكون من نضب في الشعر الذي يعبر عن هموم وأوجاع راهنة، وجدوا ضالتهم في قصائد «تنضح بالمعاصرة لكنها غير معروفة للناس، ربما لكونها لم تُغن»، سواء قصيدة السياب أو غيرها. كما سجلت الفرقة أغنية «يا محلا الفسحة» بعد أن اعادت تلحينها، وتوزيعها، ضمن إيقاعات «الهارد روك»! إذ لن يكون الجمهور، مباشرة، أمام الشجن المعهود لهذه الأغنية الشهيرة، بل سيسمعها من خلال «شخص يتذكر حلاوة الفسحة فيما هو يعيش في قلب عاصفة». كما سجلت «جين» أغنية «يا ولدي»، التي كتبها فتحي آدم وغناها الشيخ إمام، بعد أن ألبستها لحناً وإيقاعاً مختلفين تماماً.
حالة «جين» آتية من مشارب موسيقية متباينة. فهناك من كان في مشروع «سما» الذي دأب على تقديم أغاني الرحابنة، إضافة إلى التعاون في إصدار ألبوم قدم اللهجة الشامية في نمط «سوفت روك» (ألبوم «آنس آند فريندز» لعازف الغيتار أنس عبد المؤمن، بالتعاون مع زملائه في «جين»). وإلى جانب أنس وشادي، تضم الفرقة عمر حرب (خريج جامعة «بيركلي» الأميركية في اختصاص التأليف والتوزيع الموسيقي، وهو عازف على آلة البيس)، عازف الغيتار معن رجب، حازم العاني (يعزف على البيانو والكيبوورد أيضاً في فرقة «كلنا سوى» السورية)، وعلى الدرامز يتناوب سهل زين الدين وناصر حمدي.
وستطلق «جين» ألبومها الأول اعتماداً على تمويل شخصي من أعضائها. فهم، كما قال مغنيهم، عجزوا من إيجاد مصدر تمويل يدعم مشروعهم. فمن ناحية لا توجد أي هيئة رسمية تنهض بهذه المهمة، ومن ناحية أخرى، يخشى القطاع الخاص المغامرة في سوق لا تحكمه حقوق الملكية. ويعوّل أعضاء الفرقة على مشروعهم الأول لإقناع المنتجين بأهمية دعم التجربة. ويراهنون على أنهم سيشغلون مكاناً مميزاً لدى الجمهور، لأن «الشريحة الأكبر من الشباب تنشغل بسماع «الروك» الأجنبي، والسبب هو عدم وجود من يقدّم هذا النمط بلغتهم ويطرح ضمنها همومهم».
واضح أن حالة الفرقة سابقاً، في «زودياك»، لفتت انتباه المراكز الثقافية الأجنبية في سورية، فساندت حفلاتها، مشكّلة الصلة الوحيدة بينها وبين الجمهور. الآن الأمر مختلف. هناك فرقة تغني نمطاً مختلفاً، وبلسان عربي يغلّب الفصحى على غيرها. ويبقى السؤال هنا: إذا كانت تجربة «زودياك» قادت أصحابها إلى «جنة عدن»، فإلى أين سيأخذهم تشكّلهم «الجيني» الجديد؟
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد