هل تنجح وصفة دمج المصارف العامة ؟!
رغم أن حماس وزير المالية مأمون حمدان لإعادة هيكلة المصارف العامة ضمن مشروع إعادة هيكلة الجهات العامة والدمج، إذ أكد في تصريحاته قبل عام -قبيل تغيير المديرين العامين لعدد من المصارف العامة- أن للمصارف خصوصية في هذا المشروع، وسيفرد لها مساحة خاصة من البحث والنقاش وبحث الخيارات الأكثر كفاءة في تطويرها وتحديث آليات عملها، إلا أننا لم نعد نسمع أي حديث في الأروقة المصرفية والحكومية المعنية حول إعادة هيكلة المصارف ودمجها، وخاصة في ظل توافر نماذج تصنف بأنها ناجحة، حتى تاريخه، وخاصة في مؤسسات الحبوب، وهناك نموذج السورية للتجارة.
إلى ذلك نسأل: هل أعيد النظر بالموضوع، أم إنه مازال يطبخ على نار هادئة؟ وسط جدلية مازالت مستمرة حول أيهما أصلح، إعادة هيكلة ودمج المصارف في القطاع العام وخاصة أن التخصص أصبح مائعاً فأغلبها تقدم قروضاً شخصية وتنموية خارج اختصاصها؟ أم الإبقاء عليها وفق الهيكلة الحالية والحفاظ على حالة الخصوصية المائعة لكل منها؟
للتوسع حول الموضوع التقينا بعض الإدارات العاملة حالياً في القطاع المصرفي الحكومي وبعض الأكاديميين، ورغم رغبة العديد من إدارات المصارف العامة بالحفاظ على القطاع المصرفي العام على حاله، تميل وجهات النظر لدى الأكاديميين نحو الدمج وإعادة الهيكلة.
الدمج لا ينجح!
صرّح مدير عام أحد المصارف الحكومية بأنه في حال كان الهدف من الدمج اختزال النفقات، فإنه طرح غير منطقي، لأن الوفر المتوقع من عملية الدمج التي يتم الحديث عنها بسيط في حال تحققه، ولا يتوافق مع الكم الكبير من الصعوبات التي ستواجه عملية الدمج، والإشكاليات الإدارية والتشريعية، وخاصة أن لكل مصرف آليات عمل مختلفة ومرجعية تستند لخبرات تراكمية طويلة، متوقعاً عدم نجاح عملية الدمج لعدم تشابه المهام والخدمات التي تقدمها المصارف العامة.ورأى أن السوق السورية تتسع لجميع المصارف، وأن إبقاء المصارف العامة وفق تخصصاتها الحالية أكثر جدوى وقدرة على التعامل مع كل شريحة من الزبائن، وعلى سبيل المثال، يتمتع المصرف الزراعي بخبرة طويلة في التعامل مع احتياجات الفلاحين للتمويل وكيفية تنفيذ هذه القروض والضمانات وآليات التحصيل، وكذلك في الصناعي، الذي لديه أيضاً خبرة طويلة في التعامل مع قروض الصناعيين والتعامل مع المشكلات التي ترافق بعض عمليات التمويل، وهذا ينطبق على بقية المصارف مثل التسليف والتوفير والعقاري والتجاري.
وبرأيه، أن تطوير البنية التشريعية الناظمة لإدارة المصارف العامة عبر قانون خاص بالإدارة المصرفية، يفي بالغرض بدل الدمج، لكونه يسهم في تطوير عمل المصارف العامة، وتحريرها من كل الصعوبات التي تعوق عملها، إضافة لإذكاء حالة المنافسة بين المصارف العامة ذات المهام والخدمات المتشابهة مثل التسليف والتوفير، وبين المصارف العامة والخاصة، ومنح مرونة أوسع للإدارات الحالية يمكنه تحقيق قطاع مصرفي أكثر كفاءة، وخاصة أن السوق السورية بحاجة لمصارف أكثر من المتوفرة حالياً، ومن غير المنطقي أنه بدلاً من التوسع في المصارف العامة التوجه نحو اختصارها، ومنح المزيد من التراخيص للمصارف الخاصة مستقبلاً.
المصرف الشامل
أكاديمياً، اعتبر الدكتور رغيد قصوعة، المتخصص في العلوم المالية والمصرفية بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق، أن الحالة المثالية هي بالتوجه نحو إعادة الهيكلة والدمج بين المصارف العامة، وصولاً لمؤسسات مصرفية ضخمة وقوية تمنح خدمات شاملة، ولديها الملاءة المالية والكفاءات الإدارية والمصرفية، وهو ما تتجه له معظم المؤسسات والشركات العالمية للحفاظ على وجودها وزيادة قدرتها على المنافسة وتحقيق المنفعة.
لكن في الحالة السورية الأمر ليس بهذا الوضوح، وخاصة في القطاع المصرفي العام، إذ لا يوجد تكافؤ بين المصارف لجهة الحجم، ولكل منها مشكلاته الخاصة به، وربما تؤول عملية الدمج إلى مزيد من التعقيد حالياً.
كما يوضح أنه ليس من الضروري دمج المصارف العامة كلها في مصرف واحد، إذ يمكن دمج مصرفين أو ثلاثة في مصرف واحد شامل، بحسب طبيعة عمل هذه المصارف وتشابه مهامها.
ويرى أن الهيكلة والدمج هي حالة أفضل، وتمنح فرصة أوسع لتطوير العمل المصرفي، ورفع جودة الخدمات، لكن لابد من التأني عند التفكير بها في مثل القطاع المصرفي العام في سورية، ودراستها بشكل جيد ودقيق، والوقوف عند نقاط القوة والضعف، والعمل على تأمين الحلول والبدائل للمشكلات التي قد تنجم عند تنفيذ عمليات الدمج، لضمان أن تفضي إلى قطاع مصرفي حكومي وقوي قادر على الاستجابة لكل متطلبات المرحلة الحالية والمرحلة المقبلة من إعادة الإعمار والتي سيكون توفر التمويل هو العنوان الأساس فيها.
وبين أن الدمج يسهم في زيادة فاعلية المصارف العامة ويخفف من حجم الترهل والنفقات غير المبررة، ويسهم في زيادة الكفاءة في إدارة الموارد البشرية وتحسين طبيعة الخدمات التي توفرها، وزيادة قدرتها على معالجة الكثير من الملفات المهمة مثل القروض المتعثرة وتوفير التمويل للمشاريع الحيوية والمهمة، موضحاً أن مسألة التخصص في العمل المصرفي لا تتنافى مع دمج عدد من المصارف العامة في مصرف شامل، يقدم مختلف الخدمات، مستفيداً من حالة التوزع الجغرافي للمصارف العامة في مختلف المحافظات والمدن السورية.
وفي المحصلة يبدو أنه لابد من حركة إصلاح شاملة للقطاع المصرفي الحكومي، تبنى على دراسات معمقة، لبناء قطاع مصرفي قوي ومتعدد الخدمات، وأنه من غير المنطقي أن تستمر حالة الضبابية والتشابك في طرح الخدمات كما هو عليه حال المصارف العامة، وعلى سبيل المثال، فإن المصرف المتخصص في التمويل العقاري شغله الشاغل عمل الصرافات وطرح بعض القروض الإنمائية، وكذلك في المصرف التجاري حملة تسويق واسعة لقرض شخصي وآخر عقاري في حين معظم قروض الصناعي تتجه للمهنيين من أطباء ومخبريين.. وغيرهم، في حين المصرف الزراعي يعمل بعقلية الصندوق أكثر منه مصرفاً، وختم بالقول: «لا نريد التوسع أكثر والحديث عن التسليف والتوفير لأنهما فريدين من نوعيهما».
الوطن
إضافة تعليق جديد