العلويون في تركيا
في واحدة من كبرى الدراسات الاجتماعية التركية، حاول الباحث طارخان أرديم إعادة رسم الصورة المتداولة عن البنية العرقية والمذهبية والاجتماعية لتركيا، مثيراً في دراسته، التي شملت نحو 50 ألف عيّنة من مختلف المناطق والمشارب، علامات استفهام إضافية حول قضايا عالية الحساسية، ومتناولاً الوجودين الكردي والعلوي.
تقدّر الدراسة أن 99 في المئة من سكان تركيا هم من المسلمين، بينهم 82 في المئة يدينون بالمذهب الحنفي، وتسعة في المئة بالشافعي، وستة في المئة فقط بالمذهب العلوي.
ويقدّر العلويون أنفسهم بنحو 25 مليون نسمة، فيما كان هذا العدد يتراوح، وفقاً للتقديرات السابقة غير الرسمية، بين سبعة ملايين وعشرين مليوناً. وتذهب دراسات غربية إلى تقدير عددهم ما بين 18 إلى عشرين مليوناً.
من جهتها، تقدر دراسة طرخان أرديم نسبة العلويين من المسلمين بستة في المئة، بمن فيهم الشيعة الاثنا عشرية، أي أنهم لا يتجاوزون الخمسة ملايين نسمة. وهو رقم متواضع جداً إزاء التقديرات السابقة كلها: ما بين 12 و20 مليونا وفق تقارير الاتحاد الاوروبي، وما بين 14 و20 مليوناً وفقاً للتقارير الاميركية.
ويأخذ الكاتب التركي المعروف في صحيفة «ميللييت»، طه آقيول، على أرديم تقديره المنخفض لعدد العلويين. ويقول آقيول إن السبب الرئيسي لانخفاض الرقم في الدراسة هو أن العلويين يمتنعون عن الإفصاح عن هويتهم خوفا من الاضطهاد برغم النظام العلماني، وذلك لأسباب تاريخية ترجع إلى عهد العثمانيين، ولا سيما المذابح التي اقترفوها ضدهم في القرن السادس عشر.
ويستند آقيول إلى دراسة وضعها باحثون أتراك مرموقون جداً في العام الماضي، وتتضمن سؤالاً للاشخاص المستطلعة آراؤهم حول الشخصيات الدينية الأهم بعد النبي محمد. وقد أجاب 12 في المئة من هؤلاء بأن هذه الشخصيات هي الإمام علي وحاجي بكتاش، وهما رمز المذهب العلوي في تركيا. ويستنتج من ذلك أن عدد العلويين لا يقل عن عشرة ملايين نسمة.
بدوره، يستهجن رئيس الاتحاد العلوي البكتاشي في تركيا صلاح الدين أوزيل نتائج دراسة أرديم، متسائلا «كيف يكون عدد العلويين والشيعة في العام 1927 هو نحو خمسة ملايين، أي ما يعادل ثلث سكان تركيا البالغ حينها نحو 14 مليوناً، ويكون عددهم الآن هو نفسه: خمسة ملايين، لكن من أصل 73 مليونا؟».
ويعتقد أوزيل أن عدد العلويين في تركيا لا يقل عن 25 مليوناً، معتبراً أنه لا يمكن إجراء استطلاع تحت الضغط الذي تتعرض له الطائفة حتى الآن.
ووفقاً للتوزيع الجغرافي لعلويي تركيا، يقطن ثلثهم في إسطنبول، في نسبة تعد مرتفعة، فيما يعيش 24 في المئة منهم وسط منطقة شرقي الأناضول، و15 في المئة في مناطق البحر الأبيض المتوسط، وسبعة في المئة في منطقة بحر إيجه، والباقون في جنوب شرقي الأناضول والبحر الأسود.
ولجهة التوزيع العرقي، يعد 61 في المئة من العلويين أتراكاً، يليهم 22 في المئة من الاكراد، وثمانية في المئة من جذور تركية في آسيا الوسطى، وثلاثة في المئة من العرب. ويتناقض ذلك مع إحصاءات تظهر أن 54 في المئة من العلويين يعتبرون لغتهم الأم هي الكردية، فيما يرى 36 في المئة أنها التركية، وثمانية في المئة أنها اللغة العربية.
وتظهر الدراسة الحديثة أن العلويين هم الأكثر تعرضاً للمضايقات، إذ يقول نحو نصفهم إنهم لا يستطيعون ممارسة معتقداتهم بحريّة. وهو تثبيت لشكوى العلويين المستمرة من عدم الاعتراف بهم كمذهب رسمي كالحنفية، وبالتالي حرمان أولادهم من تلقي التعليم الديني العلوي في المدارس، وإجبارهم على تلقي تعاليم الحنفية.
كذلك، لا يتمثل العلويون في رئاسة الشؤون الدينية المقتصرة على السنّة، ولا يسمح لهم بتشكيل مجلس خاص بهم. كما لا يحصلون من الدولة على أي مساعدات لدُور عباداتهم المسمّاة «بيت الجمع». كل ذلك دفع بالعلويين إلى النظر إلى العلمانية في تركيا على أنها مذهبية الجوهر، بل يمكن تسميتها بـ«العلمانية السنّية».
ورغم ذلك، يُعَد العلويون، وفقاً للدراسة ذاتها، الأكثر انفتاحاً على المذاهب الأخرى، إذ يتقبل 64 في المئة منهم الزواج من دين أو مذهب آخر، فيما لا يلقى الزواج المختلط قبولاً سوى بين 28 في المئة من الحنفيين. كذلك يوافق ثلثا العلويين على الزواج من شخص ينتمي إلى عرق آخر، فيما تنخفض النسبة لدى الحنفيين إلى 40 في المئة.
وفي السياسة، تصبّ أصوات العلويين في صالح الأحزاب الأكثر علمانية، وذلك رغم أن الحكومات العلمانية المتعاقبة لم تقدم أي تقديمات مهمة للعلويين. ويبدو أنه لا خيار لهؤلاء، بغياب أحزاب تمثلهم، سوى دعم الأحزاب غير الإسلامية لمنع التأسيس لأنظمة دينية. ولذلك، لم ينجح حزب «العدالة والتنمية» حتى الآن في كسب أي شريحة مهمة داخل الطائفة العلوية. ونجد أن التركيبة المذهبية لمؤيدي حزب «العدالة والتنمية» تقوم على الحنفيين بنسبة 87 في المئة، يليهم الشافعيون بنسبة عشرة في المئة. من جهة أخرى، يتوزع مؤيدو حزب «الشعب» الجمهوري العلماني بين 75 في المئة من السنّة، و20 في المئة من العلويين.
وتتجه أصوات العلويين غالباً إلى أحزاب اليسار العلماني. لكن زعيمهم الأبرز عز الدين دوغان قال إنه على الأحزاب العلمانية الا تنتظر بعد اليوم تأييدا تلقائيا من العلويين، وألمح الى ان العلويين قد يدخلون الانتخابات النيابية المقبلة بأحزاب خاصة تمثلهم، بعدما تساوى العلمانيون والسنّة في اضطهاد العلويين على مر التاريخين الوسيط والمعاصر، على حد قوله.
وفي متفرقات دراسة ارديم، التي نشرتها صحيفة «ميللييت» على حلقات، يقارب عدد العرب 550 ألف نسمة، بينهم 50 في المئة من الشافعيين، و24 في المئة من الحنفيين، و18 في المئة من العلويين، وسبعة في المئة من النصيريين (تقول الدراسة ان نصف النصيريين تقريبا من العرب، وثلثهم من الأتراك، والبقية من جذور مختلفة). أما اللغة الأم للعرب فهي اللغة العربية بنسبة 79 في المئة، والتركية بنسبة 18 في المئة، والكردية بنسبة ثلاثة في المئة.
ولم تفرد الدراسة تقديراً مستقلاً لعدد الشيعة، حيث أدرجتهم ضمن العلويين مع ذكر مصطلح ثنائي: علويين ـ شيعة، علماً بأن تقديرات عدد الشيعة تتراوح بين نصف مليون ومليونين. غير أن الدراسة خصصت للشيعة خانة خاصة، في المجالات الأخرى المتعلقة بالتعليم والعرق ومكان السكن وغيرها.
وتقول الدراسة إن 92٪ من الشيعة من جذر تركي (أذري في الغالب) بينهم ثلاثة في المئة أكراد، ولا عرب. ويتوزع مكان سكن الشيعة بين شمال شرقي الأناضول (79 في المئة) واسطنبول (عشرة في المئة). وتنخفض نسبة ذوي التحصيل العالي بين الشيعة، حيث لم يصل 80 في المئة منهم إلى المرحلة الثانوية.
ومن اللافت في الدراسة الموسعة أن الفئة الأكثر فقراً بين المذاهب التركية تتركز لدى الشافعيين. ويعود ذلك إلى أن معظمهم يعيش في جنوب شرق الأناضول (60 في المئة من الشافعيين أكراد، و32 في المئة أتراك، وأربعة في المئة عرب)، حيث الأمية والتخلف والفقر. وتظهر الدراسة أن 89 في المئة من الأتراك يدينون بالمذهب الحنفي، و88 في المئة من الحنفيين ينتمون للعرق التركي.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد