الحكومة تفشل في لجم سعار الأسعار
ما تشهده الأسواق اليوم من ارتفاع في الأسعار يشكل حالة تستدعي أكثر من تدخل الحكومة المباشر عبر مؤسساتها لطرح المواد الغذائية والخضار والفواكه بأسعار أقل من سعر السوق,
فمثل هذه الإجراءات وإن نجحت في وقت سابق ليس في خفض أسعار المواد بل لجم هذه الأسعار لتقف عند حد معين قبل به الناس لأنهم كانوا يخشون ما هو أكثر سوءاً.
وبالعودة إلى الذاكرة القريبة تحديداً إلى الأيام والأسابيع الأولى من العام الحالي كان ثمة مبررات ساقتها الجهات المسؤولة يومها حول ارتفاع أسعار اللحوم والخضار والفواكه والبيض وغيرها, منها ما مرت به المنطقة من ظروف جوية قاسية أدت إلى تراجع الإنتاج الزراعي بشكل سريع وعدم توفر المواد الأساسية للغذاء ومع ذلك كان لتدخل الحكومة المباشر في حركة الأسواق والقرارات التي صدرت بهذا الخصوص أثر إيجابي على المستوى المباشر للأسواق, فتوقف الارتفاع الجنوني في أسعار الخضار وسطع نجم مؤسسات الدولة مثل الخزن والتسويق والاستهلاكية, والمؤسسة العامة للدواجن عندما انتقلت إلى البيع المباشر للمستهلك بأسعار موضوعية وأرسلت شاحناتها إلى الساحات العامة محملة بكافة أنواع الخضار والفواكه واللحوم المجمدة والبيض لتقول للجميع نحن هنا.
ولا ننسى حجم الضغط الذي عانته المؤسسة من سلبية التجار الذين لم يكتفوا بعقد الرهانات على محدودية هذا الدور وحسب بل وقفوا متفرجين وكأن المسألة لا تعنيهم بتاتاً وعندما لاحقتهم الرقابة ظهروا بوجه جديد حيث امتنعوا عن تسطير الفواتير واستمروا في البيع وفق نظرتهم ورهاناتهم, لكن هذا الموضوع بات خارج السيطرة في حين كانت المؤسسات الحكومية تعيش حالة ذهبية في مبيعاتها وعقد الاتفاقات مع مراكز التسويق الخارجية في جو من ضغط العمل يحسب لعناصرها دورهم في التحمل والمثابرة.
ومع انفراج الأزمة والهدوء المؤقت للأسواق عادت الأسعار إلى ارتفاع واضح خاصة للبطاطا والبندورة والبصل واللحم الأبيض, كما أن الفواكه عموماً سجلت ارتفاعاً قياساً إلى ما كانت عليه في ذات الفترة من سنوات سابقة.
والسبب هذه المرة ليس الأحوال الجوية, ولا تراجع دور مؤسسات الدولة, بل كما يبدو يكمن في آليات الأسواق التي أعطت الأولوية لخارج الحدود وبدأت قوافل التصدير النظامي وغير النظامي, إضافة إلى أعداد كبيرة تجاوزت مليون ونصف المليون من الأشقاء الذين وصلوا سورية طلباً للأمن والأمان فيها, كل هؤلاء وكل هذه الأسباب جعلت من أبناء الوطن وأصحاب الدخل المحدود يدفعون الثمن بارتفاع الأسعار لمواد أساسية لا تخلو منها موائدهم ولا يصح أن تخلو منها, فالبطاطا شكلت غذاءً رئيسياً لعدد كبير من المواطنين ومثلها البندورة, مثل الرز والسكر.. ومع ذلك فازدياد الطلب ومزاجية التجار ودورهم السلبي والتوجه للتصدير كأولوية بزيادة الأرباح كانت وراء كل ذلك.
ولو سلمنا بما قلناه لوجدنا أن قدر السوريين أن يدفعوا الثمن دائماً وثوابت مواقفهم تجعلهم يقدمون الأشقاء على ذواتهم ومصالحهم.. لكن الجشع لا يمكن أن يكون له رادع مباشر, فما العمل!!
هنا لابد من توجيه اللوم إلى أصحاب العلاقة من العاملين على القرار الاقتصادي, فعندما تدخلوا إسعافياً نجحوا ولكن علاجهم لم يتعد دور المسكنات في المعالجة الحقيقية للأزمة وكان من المفروض أن تتم دراسة الحالة لعدم تكرارها لكن رغم الحديث عن تشكيل فرق للدراسة والتدخل عند الضرورة كان الأمر ضمن الحلول الإسعافية أيضاً لأن الأمور سرعان ما عادت إلى سابق عهدها وأكثر, مع انتهاء مفعول المخدر أو البنج الموضعي.
لذلك فالأمور على ما يبدو مرشحة لما هو أسوأ في مجال الأسعار إن بقيت معالجتنا عند حدود التدخل الإسعافي.. فلا وقف التصدير يجدي.. ولا التدخل عبر المؤسسات وضع حداً لارتفاع الأسعار وإن أوقف ارتفاعها مؤقتاً..
والسؤال إلى متى يبقى مواطننا عرضة لمزاجية التجار ويبقى خارج أولوياتهم.. وهل عدمنا الوسيلة لوضع حد رادع للتجاوزات أو لأولئك الذين يفجرون الأزمة حسب مصالحهم..
وهل سنبقى ندرس المسألة وكيفية التدخل في الوقت الذي تعطينا فيه الأسواق مؤشرات مهمة لا يجوز تجاوزها?! وأذكر مثالاً أن ثائرة المنتجين والمستوردين ثارت عندما باعت مؤسسة الخزن صندوق البيض ب 100 ليرة وب 90 ليرة عبر منافذها وسياراتها ولدي تأكيدات بأنها كانت رابحة جداً.
ولم تبع بخسارة كما يشاع.. فجاء التدخل الرسمي لعدم حدوث فوارق كبيرة في السعر فرفعت المؤسسة السعر إلى 125- 130 ليرة بناء على اتفاق مع منتجين واقتصاديين وزراعيين.. والذي حصل.. أن الاتفاق كان حبراً على ورق.. ومثال ذلك ما حصل عند بيع البندورة المستوردة من الأردن حيث وقف تجار سوق الهال يراقبون ويتفرجون ويراهنون فعادوا إلى سابق ما كانوا عليهم وصارت البندورة ب 40 ليرة والبطاطا ب 45 ليرة والتفاح ب 60 ليرة والموز ب 75 ليرة.. وهكذا..
فإلى متى يستمر هذا السباق الذي يدفع فوارقه المواطن وإلى متى تبقى الأمور بهذا الفلتان كي لا يقال أن ما يجري أحد مظاهر اقتصاد السوق الجديد..
بشار الحجلي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد