«فايسبوك» تدخل عالم الأموال من جيوبنا
«خاتم واحد ليحكمهم كلهم،خاتم واحد لإيجادهم كلهم.خاتم واحد لإحضارهم كلهم،وفي الظلام يقيدهم»من ثلاثية «سيد الخواتم» لـجون ر. تولكين
في الجزء المتقدم من ثلاثية «سيد الخواتم»، يدور الحديث عن وراثة الهوبيت الشاب، فرودو باغينز، خاتماً. خاتمٌ ليس مجرد حلية، بل هو آلة السلطة المطلقة التي يمكن أن تسمح لسورون (سيد الظلام) بحكم الأرض الوسطى واستعباد شعبها. هذا ما يحيل إليه إعلان «فايسبوك» نيتها إطلاق عملة رقمية جديدة، هي في حقيقتها «قيد» إضافي، ينضمّ إلى مجموعة «القيود» التي باتت الشركة تحكم بها العالم.
أمس، كشفت «فايسبوك» عن عملة رقمية تحمل اسم «ليبرا»، ستكون، على عكس عملة «البيتكوين»، مدعومة بأموال حقيقية. تزعم «فايسبوك» أن الهدف الأساسي من هذه العملة الرقمية، التي ستصبح في متناول العامة في النصف الأول من العام المقبل، هو تسهيل حركة نقل الأموال بين الناس جميعاً. وهي تتعاون، في هذا الإطار مع 27 شركة (منها فيزا، ماستر كارد، وباي بال) يمثل بعضها أكبر لوبي للأموال في العالم، وستكون مساهمة كلّ منها 10 ملايين دولار على الأقل، علماً بأن «فايسبوك» تسعى إلى الوصول إلى دعم 100 شركة حتى نهاية العام الحالي، وذلك لتحصيل مليار دولار، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على تثبيت قيمة العملة الجديدة.
1
بداية، يجب عدم الخلط بين طريقة عمل «البيتكوين» و«ليبرا». «البيتكوين» هي عملة رقمية غير مدعومة بأموال حقيقية، أو بأي شكل من الأصول الثابتة. لذلك، نجد أن قيمتها تتغير بشكل دراماتيكي مع تغيّر حركة السوق. أما «ليبرا» فستكون قيمتها ثابتة دائماً بحسب قول الشركة، على رغم أنه لم يُحدّد بعد كم ستكون قيمة «الليبرا» الواحدة. بعض المصادر يرجّح أن يساوي كل دولار «ليبرا» واحدة، إلا أن حسم هذا الأمر يعود إلى «فايسبوك» وشركائها في العملة. وجود شركاء بثقل «ماستر كارد» و«فيزا» يفتح كل الأبواب أمام العملة الجديدة، الأمر الذي سيسهل عمليات الشراء على الإنترنت، ويوسعها لتشمل التبضع من المحال التجارية والبقالة. ثمة اليوم على منصة «فايسبوك» 2.4 مليار مستخدم، سيكون متاحاً لهم بعد أشهر تداول عملة واحدة، عابرة لكل الحواجز التقنية. يستطيع واحدهم، مثلاً، أن يدخل متجراً صغيراً في إحدى ضواحي عاصمة أفريقية، وأن يشتري ما يحتاج إليه، ثم يخرج هاتفه ويدفع عبر «فايسبوك». ربما، أيضاً، يستقدم عاملاً لإصلاح شيء ما في المنزل، في هذه الحالة سيوصل المال إلى حساب العامل، بتكلفة لا تكاد تذكر، خلافاً لعمليات نقل الأموال التي تحصل عبر البنوك.
بنك أموال ومعلومات
أنشأت فايسبوك «محفظة رقمية» أطلقت عليها اسم «كاليبرا». تزعم الشركة أن أموال مستخدمي «كاليبرا» وعمليات الشراء التي سيقومون بها عبرها ستكون سرية. تقول أيضاً إنها لن تجني الأموال عبر استهداف المستخدمين بالإعلانات المُوجّهة، بل ستأخذ فائدة على مجمل كمية الأموال المودعة في مصرفها الرقمي. كما أن القوانين التي ستوضع لعملة «ليبرا» ستُقرّر عبر التصويت بين «فايسبوك» وشركائها. يُعدّ «فايسبوك» اليوم أكبر ناشر في العالم، ويملك مخزوناً هائلاً من المعلومات الخاصة بمستخدميه الذين أصبحوا «عبيداً» للونه الأزرق، كلما زاد عدد الإعجابات ازدادت بهجتهم؛ ذلك أن خلف المنصة الزرقاء أطباء نفسيين ومهندسي برامج شكلوا معاً منصة لا يمكن الإفلات منها بسهولة. يقوم «فايسبوك»، مثلاً، بجمع المعلومات من كل العمليات على محركات البحث، ومن ثم مطابقة المواضيع مع ما لديه من إعلانات، ليعود ويرسل الأخيرة إلى مستخدميه على شكل إعلانات مدفوعة. ما الذي يمنع في المستقبل أن تأتي خوارزميات «فايسبوك» بإعلانات على حسب ما نملكه من عملة «ليبرا»؟ ما الذي يمنعه من حفظ أنماط عملياتنا الشرائية السابقة ليقوم، بشكل مدروس، بتغييرها إلى منتجات أخرى من النوع نفسه؟ ما الذي يمنعه من تجميد أموال بعض المستخدمين؟
في أواخر العام الماضي، اكتشفت شركة «فايسبوك» ثغرة برمجية لديها، مكّنت القراصنة من سرقة معلومات 50 مليون مستخدم. تدحرجت الكرة يومها حتى شاهدنا مؤسّس «فايسبوك»، مارك زوكربيرغ، يستدعى من قِبَل الكونغرس الأميركي للمساءلة. اليوم ستصبح «فايسبوك»، عبر شركة «كاليبرا»، مصرفاً للأموال الرقمية، فما هي التدابير التي ستتخذها الشركة للحؤول دون قرصنة أموال المستخدمين؟ في الواقع، مهما كانت التدابير الأمنية البرمجية جيدة، سيأتي قرصان ما ليسرق الأموال، ليس بسبب حاجته إليها، بل لأنه يستطيع. لذا، أعلنت «فايسبوك» أن العديد من طرق الحماية سيكون موجوداً على منصة «كاليبرا»، مثل عملية التحقق عبر خطوتين، غير أن اللافت قول الشركة إنه في حال وقوع أي عملية قرصنة، ستتكفّل هي بإعادة المبلغ المسروق إلى صاحبه.
أداة جديدة بيد واشنطن؟
بعد ما حصل من فرض عقوبات على عملاق الاتصالات الصيني «هواوي»، يمكن القول إن العقوبات باتت تفرض عبر التطبيقات، وليس بالدولار فقط. منذ فترة قصيرة، أعلنت «فايسبوك» أنها ستمتثل لقرارات الإدارة الأميركية، وأنها ستحجب تطبيقاتها المتمثلة بـ«واتسآب» و«فايسبوك» و«مسنجر» و«إنستغرام» عن هواتف «هواوي». يشكل الأمر كارثة بالنسبة إلى الأخيرة، إذ ما نفع أفضل وأسرع الهواتف إذا لم يكن بالإمكان تنصيب تطبيقات يستخدمها أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم حول العالم؟ ثم ماذا لو أن هؤلاء المستخدمين باتت لديهم حسابات مالية على الموقع؟ هل سيكون مضموناً أن لا يأتي مجنونٌ آخر ليوقف حسابات المواطنين في دولة ما، أو ليمنعهم من الاستفادة من شراء السلع الخارجية؟ أضف إلى ذلك، صحيح أن القيمة التي ستجنيها «فايسبوك» من عمليات نقل الأموال ستكون ضئيلة جداً، ولكن إذا ما قيست بعدد المستخدمين فسيكون المردود هائلاً، إذ إنها ستجبى من جميع أنحاء العالم (ما عدا الصين التي تحجب «فايسبوك») لتصبّ في الولايات المتحدة.
نهم «فايسبوك» بالمعلومات لن يتوقف. في الواقع، هو لم يبدأ عرض عضلاته بعد. سابقاً، كان بنكاً للمعلومات الشخصية. لكن منذ مدة، أُعلن عن إنشاء تطبيق جديد للمواعدة عبر الإنترنت. واليوم، «فايسبوك» على الطريق لأن يصبح أكبر مصرف للأموال الرقمية، مع ما يشمله ذلك من تغييرات ستجبَر عليها المصارف التقليدية كلها حول العالم. تتطور هذه الشركة بشكل مثير للاهتمام، ولو نسينا اسمها للحظة، فسنجد أنفسنا أمام شركة باتت تملك معلومات هائلة عن نصف سكان الكوكب تقريباً. عمّا قريب، سيكون «فايسبوك» إلزامياً، على رغم أنه لن يفرض علينا بشكل قانوني، إلا أن جميع الأمور في المستقبل ستكون مرتبطة به. لذا، سيكون من الصعب أن نكون موجودين على الإنترنت من دون هويتنا ومحفظتنا الرقمية. شركة واحدة ستحكم الجميع. شركة واحدة ستقيّدهم جميعاً.
الأخبار
إضافة تعليق جديد