ارتفاع غير مسبوق في ظاهرة الطلاق.. وأعلى النسب في دمشق
اتخذت وزارة العدل إجراء جديداً لتخفيف حالات الطلاق التي ارتفعت نسبتها في فترة الحرب، حيث سجلت أعلى نسبة في مدينة دمشق، والأسباب كثيرة وراء ذلك، ومن أبرزها زواج القاصرات، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الأسر السورية، ما يضطرها إلى تزويج بناتها للتخلص من نفقاتهن، وتضمن الإجراء الذي اتخذته الوزارة وضع جهاز في المحاكم الشرعية الموجودة في مدينة دمشق لعرض أفلام متعلقة بآثار الطلاق، حيث سيتم عرضها على كل زوجين يريدان الانفصال، وتتضمن الأفلام التي سيتم عرضها بعض المشاهد لأطفال مشردين في الشوارع، أو يعانون من أوضاع مختلفة نتيجة حدوث الطلاق في أسرهم، وستطبق هذه التجربة بداية في دمشق خلال الأيام القادمة، حسب ما أكد المعنيون في وزارة العدل الذين أكدوا أيضاً أن هذه الخطوة من شأنها مساعدة الزوجين في إعادة النظر في موضوع انفصالهما بعد أن يشاهدا الآثار السلبية التي تنجم عن ظاهرة الطلاق.
خطوة متأخرة
ربما هي خطوة جيدة على طريق التأسيس والمحافظة على الأسرة السورية التي عانت من التفكك الاجتماعي، على الرغم من اعتبارها خطوة متأخرة نوعاً ما، فخلال كل المراحل التي مر بها مجتمعنا المحلي لم تعان الأسر السورية من ظروف أقسى من تلك التي تعاني منها اليوم، سواء من تفكك، أو هجرة، ونزوح وضياع وتشرد للأطفال نتيجة فقدان أحد الوالدين، أو في حالات أخرى من فقدان الوالدين معاً، ما يترك الأطفال عرضة للاستغلال والابتزاز من قبل أصحاب النفوس الضعيفة والضمائر الميتة الذين يقومون باستغلال هؤلاء الأطفال المشردين لإجبارهم على التسول، وتوريط الأطفال بأعمال منافية للأخلاق كالدعارة والسرقة وغيرهما من السلوكيات غير الإنسانية، وتبعا لذلك يكون الأطفال قد دفعوا ثمناً باهظاً، ووقعوا ضحية في أمر لا حول لهم به ولا قوة.
ثماني سنوات من الحرب!
من المفترض بعد ثماني سنوات من الحرب اتخاذ خطوات أكثر منهجية تخضع لمنهج علمي مدروس، فمؤسسة الزواج من أهم المؤسسات والنظم الاجتماعية التي تعمل على حفظ توازن وتماسك واستقرار المجتمع، مريم .ع سيدة متزوجة منذ خمس سنوات، تخرّّّجت في قسم علم الاجتماع جامعة دمشق، تتحدث عن تجربتها قائلة: إن سنوات الحرب التي عشناها في سورية، مع الأسف، أدت إلى إحداث تغيرات هامة في نظام الزواج من حيث: سن الزواج، أسلوب الاختيار، السكن.. إلخ، الأمر الذي أثر على ظاهرة الزواج من جهة الفتيات والشبان المقبلين على الزواج، وغيّر الكثير من العادات التي اعتادها أبناء المجتمع السوري، مضيفة: أنا شخصياً تزوجت في ظروف غاية في الصعوبة من رجل خمسيني بعد أن فقدت الأمل بالحياة، ما اضطرني إلى الرضوخ والقبول، مع علمي المسبق بعدم التوافق فيما بيننا، ومع الوقت تأكدت من استحالة استمرار الحياة معه، فطلبت الطلاق، وها أنا اليوم مع طفلتي أتنقل من غرفة لغرفة، وأعاني من الارتفاع الجنوني لإيجارات البيوت، ربما الكلام سهل، ولكن الواقع صعب جداً ومذل، لا توجد امرأة لا تسعى إلى الاستقرار في حياتها، ولكن في كثير من الأحيان يصبح الطلاق حلاً مجدياً رغم قساوته، خاصة في مجتمعنا، وما يزيد الأمر صعوبة وجود الأطفال الذين يعتبرون أيضاً إحدى أهم ضحاياه، مختتمة حديثها: الزواج في ظروف صعبة يجعلنا نتخذ قرارات خاطئة، فتأسيس أسرة ليس بالأمر السهل، لذلك التريث مطلوب، ولكن عندما ترى نفسك في عين العاصفة تضطر في كثير من الأحيان إلى المغامرة، هذا ما أخبرتنا به سهى. ت، السيدة التي نزحت من ريف درعا، ووجدت نفسها وعائلتها أمام ظرف جديد لم تتوقع يوماً ولا في أسوأ كوابيسها أن تصل إليه، حيث كانت تسكن في إحدى بلدات المدينة حتى عصف الإرهاب ببلدتها فلجأت للعاصمة، وقررت أن تعمل في إحدى الورشات، وهنا بدأت قصتها بعد أن خدعها صاحب الورشة، وتزوجت زواجاً عرفياً، وبقيت على هذه الحال لمدة سنة لترى نفسها بعد ذلك حاملاً بطفلها الذي حاول زوجها بداية التنصل من مسؤوليته تجاهه، ولكن تحت تهديد أسرتها اعترف به ثم طلقها، مضيفة: لن أستطيع أن أقوم بتربية طفلي بمفردي، وها أنا اليوم أرى نفسي وحيدة معه، ومن الطبيعي أن طفلي عندما يدرك أنه دون أب سيعاني من المشاكل الاجتماعية، ولن يكون بوضع نفسي سوي كأقرانه من الأطفال، حتى القانون لم ينصفني، فبعد أن تركت زوجي بدأت رحلة معاناة أخرى بالتوسل له لدفع المصاريف المترتبة عليه لرعاية طفلنا، وما أحصل عليه من مصروف لا يكفي لثلاثة أيام، وإذا طلبت يكون جوابه: “هاد الموجود روحي عل محكمة خليها تاخد حقك”.
حملات التوعية
المطلوب بداية تحسين الأوضاع الاقتصادية، وزيادة حملات التوعية، ومراكز الدعم النفسي للنساء والأطفال، وتأهيل كوادر للعمل فيها، ونشر ثقافة الصحة النفسية والتوعوية ليستطيع الأطفال تجاوز الأزمات التي يمرون بها نتيجة حدوث الانفصال بين الأهل، ليتمكنوا من تجاوز هذه المرحلة، وهنا للإعلام دور كبير بهذا الخصوص، إضافة إلى الدور الملقى على كل المؤسسات المعنية الرسمية أو الأهلية المهتمة بالشأن الأسري، فالحل لا يبدأ من آخر السلم، بل يجب أن يكون من معالجة الأسباب الأساسية التي أدت لحصول الطلاق، وليس العكس، ومن الضروري جداً الاعتراف بأننا أمام مشكلات اجتماعية صعبة ومعقدة تتعلق بصلب البنية الأساسية للمجتمع السوري، فقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر، لأن ما وصلنا إليه وصل لمرحلة تتطلب حلاً جذرياً لحالات الطلاق والانفصال.
البعث
إضافة تعليق جديد