التكييف القانوني لمسألة المساكنة
الجمل ـ عبدالله علي: في العام 2008 نشرت صحيفة سورية تحقيقا حول المساكنة فكتبت حينها دراسة حول الموضوع هي التالية: المساكنة حل أم مشكلة؟ التكييف القانوني لهذه الظاهرة وآثارها
المقصود بالمساكنة ، أن يعيش شاب وفتاة في بيت واحد لمدة من الزمن يتشاركان خلالها في ممارسة الحياة الجنسية ، وفي الوجوه الأخرى للحياة العامة بصيغ مختلفة ومتعددة.ورغم أن هذه الظاهرة حديثة الولادة في مجتمعنا، إلا أنها فرضت نفسها على ما يبدو كصيغة جديدة للعلاقة بين الشباب والإناث وكاحتمال آخر للتعايش بينهما بعد قرون طويلة من هيمنة الاحتمال الوحيد الذي كان ممكناً وهو الزواج ، بدليل أن وسائل الإعلام ومنها وسائل إعلام رسمية بدأت تتحدث عن هذه الظاهرة وتجري التحقيقات حولها في محاولة للاستقصاء عنها وعن أسبابها وآثارها ومدى انتشارها.ولن أخوض هنا في البحث عن الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة في مجتمعنا التقليدي لأن ما يعنينا هو الظاهرة بحد ذاتها وتكييفها والآثار التي تترتب عليها أياً كان السبب وراءها. لكنني أود التنبيه إلى أن أسباب هذه الظاهرة ،وعلى خلاف ما يجري تداوله ،لا تكمن فقط في الوضع المادي المتردي والصعوبة التي يواجهها الشباب في تأمين متطلبات الزواج . لأن العقبة الأساسية في الزواج هي تأمين المسكن وبالتالي لا يمكن أن يكون عدم القدرة على تأمين المسكن هو السبب في المساكنة التي تحتاج أيضاً إلى مسكن مشترك!! أعتقد أن هذه الظاهرة تعبر عن تغيير جذري في نظرة الشباب إلى مؤسسة الزواج بحد ذاتها وإلى سلم القيم الذي يحكم العلاقة بين الجنسين وهذه الظاهرة هي ترجمة لانقلاب فعلي على هذه القيم السائدة بغض النظر عما إذا كنا مع أو ضد هذه الظاهرة .
تعريف المساكنة :
المساكنة هي : "عقد بين ذكر وأنثى عازبين يلتزمان فيه بالعيش المشترك تحت سقف واحد ويبيحان لنفسيهما التمتع ببعضهما " .فالمساكنة هي التقاء إرادتين كأي عقد آخر . لذلك يشترط أن يكون طرفا العقد قد بلغا السن القانونية، وألا يشوب إرادتهما أو إرادة أحدهما عيب من عيوب الإرادة المنصوص عنها في القانون . فإذا لم تتوافر الأهلية أو شروط الإرادة الصحيحة في الطرفين فإن العقد يكون باطلاً وغير صحيح . وفي حالة بطلان العقد قد تشكل المساكنة جرماً جزائياً معاقباً عليه كالخطف أو الاغتصاب أو فض البكارة بوعد الزواج وغيرها من الجرائم التي قد تتوافر أركانها وخاصة الجرائم التي تمس بالحياء والحشمة والآداب العامة .قد يستنكر البعض وصف المساكنة بالعقد ويعتبر ذلك إضفاء للشرعية عليها أو اعترافاً بها كصيغة للحياة بين الجنسين . قد يكون هذا الاستنكار في محله وله اعتبارات عديدة تبرره . لكن يجب أن لا يوجه هذا الاستنكار إلينا نحن لأننا نقوم فقط بتكييف ظاهرة معينة حسب النصوص القانونية المعمول بها، وبمقدور من يريد الاستنكار أن يوجه استنكاره إلى هذه النصوص .فالقانون السوري كما هو معروف وثابت ، أباح بشكل مطلق ممارسة النشاط الجنسي بين الذكور والإناث البالغين السن القانونية ولم يتدخل لوضع ضوابط لهذا النشاط . والشرط الوحيد الذي وضعه المشرع السوري هو ألا يكون أحد الطرفين متزوجاً لأن من يقوم بنشاط جنسي مع غير زوجه يعتبر معتدياً على مؤسسة الزواج وقيم الأسرة التي يصونها المشرع بالعديد من النصوص . أما النشاط الجنسي بين بالغين وعازبين فهو مباح تماماً بموجب النصوص القانونية ولا يعتبره القانون من قبيل الزنا.وبناء على ذلك ،فإن المساكنة تغدو عقداً قانونياً صحيحاً ومشروعاً لأن هذا العقد يقع على محل مشروع ولا يتعارض مع النظام العام والآداب العامة في إطارها القانوني، وبالتالي فإن المشرع لا يملك إلا الاعتراف بآثار هذا العقد واحترام مفاعيله .
الفرق بين المساكنة والزواج :
المساكنة زواج خارج التنظيم ، كالسكن العشوائي الذي يبنى بدون ترخيص. فالمساكنة في حقيقتها هي ممارسة للزواج بدون توافر شروط الزواج.ولكن هناك فروق كبيرة وخطيرة بين المساكنة والزواج ، نذكر أهمها :في الزواج هناك شروط شكلية لا بد من توافرها ليقع الزواج صحيحاً منها تبادل ألفاظ محددة للإيجاب والقبول وحضور شاهدين أو أكثر ، كما أن أهلية الزواج تتحقق في سن أدنى من أهلية العقود الأخرى فيكفي أن يكون الشاب في السابعة عشر من عمره والفتاة في الخامسة عشر ، بالإضافة إلى شرط الدين حيث لا يجوز للمسلمة الزواج بغير المسلم . أما في المساكنة فليس هناك ألفاظ محددة للاتفاق ولا يشترط أن يتم الاتفاق بحضور الشهود مثلها في ذلك مثل أي عقد آخر ، ويجب أن تتوافر في طرفي المساكنة الأهلية القانونية أي الثامنة عشر من العمر، إضافة إلى أن المساكنة لا تقف عند حدود الدين فليس ما يمنع المسلمة من السكن مع غير المسلم.وتتسع مساحة الاختلاف بين الزواج والمساكنة عند الحديث عن الآثار القانونية لكل منهما . فالزواج على خلاف المساكنة تترتب عليه الكثير من الآثار القانونية كالنفقة والمهر والنسب والارث . أما هذه الآثار غير موجودة في المساكنة التي يبقى لطرفي العقد تحديدها بملء إرادتهما دون أن يستطيعا اشتراط شروط تمس بالنظام العام كالنسب والارث.
آثــار المساكنة :
قد يكون العنصر الأكثر بروزاً وتأثيراً في المساكنة هو العلاقة الجنسية التي تجمع بين شاب وفتاة دون زواج ، لكن هذه العلاقة الجنسية على أهميتها بحكم تكويننا وقناعاتنا ، لا تعتبر من قبيل الآثار المترتبة على المساكنة وإنما هي من صميم المساكنة ذاتها . لذلك يثور التساؤل التالي : ما هي الآثار القانونية للمساكنة ؟؟؟العقد شريعة المتعاقدين لذلك فإن بإمكان الطرفين الاتفاق على ما يريدانه من الآثار والالتزامات والحقوق ويكون هذا الاتفاق ملزماً لهما . كأن يتفقا على السكن معاً دون إقامة علاقة جنسية , وكأن يتفقا على دفع ثمن البيت محل السكن أو بدل إيجاره مناصفة أو التزام الشاب بتأمين نفقات المعيشة لوحده أو أن يتشاركا في ذلك أو أن يتفقا على تسيير شؤون البيت .. فأياً كانت الشروط المتفق عليها فإنها تكون ملزمة لطرفي العقد . ونرى ـ تطبيقاً للنصوص القانونية ـ أنه حتى إذا لم يكن العقد مكتوباً فإن بإمكان الطرفين إثباته بالشهادة ولو تجاوزت قيمته النصاب القانوني وذلك لوجود المانع الأدبي بين الطرفين . كما أنه ليس في القانون ما يمنع تثبيت عقد المساكنة أمام المحاكم .أخيراً ، علينا أن نقول أن المساكنة عملية خطيرة جداً ويمكن أن تترتب عليها آثار في غاية التعقيد والخطورة من الناحية القانونية والمادية خاصة إذا وقع خلاف بين الطرفين . فقد يدعي أحد الطرفين بوجود عقد زواج شفهي ما يثير الكثير من الخصومات القضائية التي تحتاج إلى سنوات للفصل فيها مع ما يؤثر ذلك على الفتاة وعدم تمكنها من الزواج طوال فترة هذه الخصومات القضائية. وقد يقع خلاف على الهدايا والنفقات خلال فترة المساكنة وأحقية كل طرف بها . وقد تكون الطامة الكبرى إذا نتج عن هذه المساكنة حمل أو حتى ولادة ورفض الرجل الزواج وتسجيل الولد على اسمه . فليس هناك ما يجبر الرجل على الزواج في حالة الحمل أو الولادة بخلاف بعض الدول الغربية كرومانيا التي تفرض على الرجل الزواج بمن يساكنها في حالة الولادة .وهناك أثر آخر بالغ الخطورة خاصة وأن أغلب حالات المساكنة تتم بدون علم أهالي الطرفين وبشكل خاص أهل الفتاة . حيث يخشى أن يدعي أهل الفتاة لدى اكتشافهم أمر المساكنة أن الشاب قام بخطف ابنتهم دون إرادتها مما يعرضه لكثير من الملاحقات الجزائية التي يكون من نتائجها الفورية توقيف الشاب احتياطياً على ذمة التحقيق وغيرها من التعقيدات والمخاطر الأخرى التي قد تختلف من حالة إلى أخرى .
تجاهل الظاهرة أم تنظيمها ؟
قد يقع المرء في حيرة أمام هذا السؤال . فهل من الأفضل تجاهل ظاهرة المساكنة كأنها غير موجودة أم ينبغي وضع نصوص قانونية تضبط هذه الظاهرة وتخفف من آثارها السلبية ؟؟البعض قد يرى أنه يجب تجاهل هذه الظاهرة وعدم الاعتراف بها نظراً لما تمثله من تهديد لسلم القيم الذي يقوم عليها مجتمعنا ، وقد يكون بين هؤلاء من يدعو إلى تعديل نصوص القانون على نحو تصبح فيه العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج مجرمة قانوناً ومعاقباً عليها سواء كان الطرفان عازبين أم لا .والبعض الآخر قد يرى أنه على العكس يجب العمل على وضع نصوص قانونية تنظم هذه الظاهرة وتخضعها لحكم القانون بدل أن تبقى محكومة بأهواء الشباب وعواطفهم ورغباتهم ، خاصة وأن الآثار التي تترتب على هذه الظاهرة تمس المجتمع بكامله ولا تتعلق بطرفيها فقط. وقد يستند أصحاب هذا الرأي إلى أن وجود تنظيم قانوني لهذه الظاهرة قد يضفي عليها نوعاً من الجدية والالتزام الأمر الذي يتحاشاه معظم الشباب وقد يساعد ذلك في عدم نمو هذه الظاهرة على عكس ما لو تركت تتمدد في الظلام دون رقيب .هذا موضوع مطروح للنقاش ويمكن لمن شاء أن يدلي بدلوه فيه ، لكنني أعتقد أنه يجب التفكير فيه جدياً قبل أن تتفشى الظاهرة وتصبح أزمة حقيقية على شاكلة أزمة السكن العشوائي الذي عجزت جميع الحكومات المتعاقبة عن حلها .
إضافة تعليق جديد