11-12-2017
مسح حكومي «يقرأ» تحسن الوضع الأمني
قاد تحسن الوضع الأمني في كثير من المناطق السورية خلال الأشهر الماضية إلى حدوث تأثيرات إيجابية على حالة الأمن الغذائي للأسر السورية، لكن ذلك لا يبدو مطمئناً، في ضوء بقاء نسبة كبيرة من الأسر تعاني من انعدام أمنها الغذائي أو تعيش في منطقة «الهشاشة» الغذائية
أياً كانت مؤشرات «الانفراج» الاقتصادي التي حملتها متغيرات الأشهر القليلة الماضية، إلّا أن الضرر الواسع الذي ألحقته الحرب بحالة الأمن الغذائي للأسر السورية، لا يزال يمثل تهديداً خطيراً، قد يدفع ــ تحت ضغط أي تطور أمني أو اقتصادي مفاجئ ــ آلاف الأسر إلى دائرة الفقر الغذائي أو الدخول في مرحلة «الهشاشة»، أي مرحلة المعرضين لانعدام الأمن الغذائي. وما خلص إليه أخيراً المسح الإحصائي، الذي أجراه «المكتب المركزي للإحصاء» بالتعاون مع «برنامج الغذاء العالمي»، يؤكد ما سبق.
فاستعادة الدولة لسيطرتها على مدينة حلب نهاية العام الماضي (مثلاً)، تركت تأثيراتها الإيجابية على حالة الأمن الغذائي لسكان المدينة، لكن وفق نتائج ذلك المسح، فقد كانت تلك التأثيرات محدودة. في حين أن ما شهده ريف دمشق من متغيرات مفصلية لمصلحة الجيش السوري وحلفائه خلال هذا العام أعطت نتائج في اتجاهين: فمن جهة، زادت نسبة الأسر الآمنة غذائياً، ومن جهة ثانية زادت كذلك نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً، وكل ذلك كان على حساب نسبة الأسر المعرضة لانعدام أمنها الغذائي.
تحسن مؤقت!
تظهر نتائج المسح الجديد لتقييم حالة الأمن الغذائي للأسر في إحدى عشرة محافظة سورية تطوراً إيجابياً محدوداً، حيث بلغت نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً في العام الحالي نحو 31.2%، مسجلة بذلك انخفاضاً بسيطاً مقارنة بنتائج مسح عام 2015، وفيه بلغت نسبة غير الآمنين غذائياً من الأسر السورية نحو 33%، كذلك تراجعت نسبة الأسر المعرضة لفقدان أمنها الغذائي من نحو 51 % عام 2015 إلى نحو 45.5 % وفق نتائج المسح الجديد. أما في ما يتعلق بالأسر الآمنة غذائياً، فقد زادت نسبتها من نحو 16% عام 2015 لتصل إلى 23.3% في العام الحالي. ووفق ما يرى الدكتور علي رستم، المدير التنفيذي لمسح عام 2015، فإن «العامل الرئيسي في هذه المتغيرات يعود إلى تحسن الجانب الأمني لبعض المناطق»، نافياً أن يكون ذلك «نتيجة تحسن الجانب الاقتصادي». ويبرر رأيه بعدة أسباب، «فالسلع أصبحت متاحة اليوم أكثر من عام 2015، لكن الأسر التي تملك القدرة المادية للحصول على هذه السلع لا تزال نسبتها قليلة بسبب بقاء الأسعار مرتفعة للغالبية العظمى من السكان، فكانت التغيرات محدودة، وهي في العرف الإحصائي تغيرات غير معنوية». ويضيف الدكتور رستم في حديثه إلى «الأخبار» سبباً آخر لترجيحه كفة العامل الأمني، فيشير إلى أن «توقيت إجراء المسح لعب دوراً في هذه النتائج، فالمسح الحالي نفذ في الصيف، حيث موسم الخُضَر والفواكه، بينما المسح السابق نفذ في فصل الربيع، وكان يفضل إجراء المسح بالتوقيت نفسه، لكن طبيعة الظروف التي تواجهها البلاد حالت دون ذلك».
اللافت في النتائج على مستوى المحافظات أن هناك محافظتين فقط سجلتا زيادة ملحوظة في نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً هما ريف دمشق والسويداء، فالأولى زادت فيها النسبة من 31% في عام 2015 إلى نحو 35.9% في العام الحالي، والثانية زادت فيها النسبة كثيراً، من نحو 33% إلى نحو 46.1%. إنما هذا حدث في الوقت الذي زادت فيه أيضاً نسبة الأسر الأمنة غذائياً في ريف دمشق من نحو 15% سابقاً إلى نحو 23.9% حالياً، فإن محافظة السويداء سجلت تراجعاً واضحاً في نسبة الأسر الأمنة غذائياً، وذلك من 18% في مسح عام 2015 إلى نحو 13.5% في مسح العام الحالي، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة عن سبب ذلك التطور السلبي لمحافظة حافظت معظم مناطقها على استقرارها الأمني، رغم وجود بعض القلاقل في الريف، واستمرار دعم المغتربين من أبناء المحافظة لأقاربهم وعائلاتهم مادياً. فهل تراجع حالة الأمن الغذائي في المحافظة منوط بالعائلات النازحة إليها وعائلاتها الفقيرة؟ أم أن الإمكانات الاقتصادية للمحافظة باتت عاجزة عن مواكبة احتياجات سكانها والوافدين إليها؟
التحسن الأمني وأبعاده!
وكما هو متوقع، وباستثناء المحافظتين السابق ذكرهما، إن عودة مناطق عدة إلى سيطرة الدولة السورية خلال الأشهر القليلة الماضية، أسهمت في تحسن محدود لحالة الأمن الغذائي لأسر عديدة، سواء عبر انتشال بعضها من دائرة الفقر الغذائي أو عبر نقل بعضها الآخر من دائرة التهديد بالفقر إلى دائرة الأمان، ليبقى تثبيت هذه المتغيرات وتوسيعها لتشمل عدداً أكبر من الأسر رهناً بنتائج السياسات والإجراءات الاقتصادية المعلنة من الحكومة الحالية.
ففي محافظة حلب، التي تحررت كمدينة وأجزاء واسعة من الريف، تظهر نتائج المسح الجديد تراجعاً في نسبة الأسر التي تعاني فعلياً من فقدان لأمنها الغذائي، ومن تهديد بفقده. وبلغت نسبة الأسر الحلبية الفاقدة للأمن الغذائي في العام الحالي نحو 40.2% مقارنة بنحو 49% في عام 2015، كذلك إن نسبة الأسر الآمنة غذائياً ارتفعت حالياً لتصل إلى 13.2%، فيما كانت تبلغ قبل عامين نحو 9% فقط. وهذه هي حال العاصمة أيضاً، إذ انخفضت نسبة الأسر الفاقدة لأمنها الغذائي من 26% في عام 2015 لتصل إلى 20.9% في العام الحالي، كذلك ارتفعت نسبة الأسر الآمنة غذائياً في العاصمة من نحو 24% في عام 2015 إلى نحو 32.4% في العام الحالي. وإلى الشرق، حيث لم يتمكن الباحثون من الوصول إلّا إلى الحسكة، فإن نتائج المحافظة تظهر أيضاً متغيرات إيجابية نجمت أساساً بفعل عاملين أساسيين، الأول عودة السكان للاعتماد على الزراعة لتأمين احتياجاتهم بعد زوال تهديد تنظيم «داعش»، والثاني زيادة الشاحنات المرسلة من مؤسسات الدولة إلى المدينة. ووفق نتائج المسح الجديد، ارتفعت نسبة الأسر الآمنة غذائياً إلى 16.2%، وذلك من 4% قبل نحو عامين. كذلك كان هناك انخفاض مهم في نسبة الأسر غير الآمنة غذائياً من نحو 51% في عام 2015 إلى نحو 37.1% في العام الحالي. وفي الساحل، كانت نتائج محافظة طرطوس أكثر من لافتة، إذ إن نسبة الأسر الآمنة غذائياً قفزت من 13% قبل نحو عامين لتسجل في العام الحالي نحو 38.2%، كذلك شهدت الأسر التي تعيش حالة من الانعدام الغذائي تراجعاً واضحاً، وذلك من نحو 30% قبل عامين إلى نحو 21.5%. ليس هذا فحسب، بل إن نسبة الأسر المهددة بفقدان أمنها الغذائي تراجعت هي الأخرى من نحو 57% إلى 40.3%، وهنا من دون شك كان للعامل الاقتصادي في المحافظة أثره المباشر في تكوين تلك النسب وتقلبها مقارنة بالمسح السابق.
الهشاشة قائمة
إن أكثر ملاحظة تثيرها نتائج المسح الجديد هي أن كل المتغيرات الإيجابية التي حدثت تبقى مهددة بالزوال، بدليل أن نسبة الأسر المعرضة لفقدان أمنها الغذائي إما زادت وإما حافظت على مستواها الذي خلصت إليه وفق مسح عام 2015، وقليلة جداً هي المحافظات التي شهدت انخفاضاً في نسبة أسر هذه الشريحة لمصلحة شريحة الأسر الأمنة غذائية، وعليه إن أي إجراء اقتصادي أو تطور أمني، إما أن يدفع جزءاً من أسر هذه الشريحة نحو الأعلى، أي إلى الشريحة الآمنة غذائياً، أو ينزلق بها إلى الشريحة المعدمة غذائياً.
وبغضّ النظر عن أسباب التغييرات الإيجابية في المستوى المعيشي، التي كانت محدودة على المستوى الوطني ومؤثرة في بعض المحافظات، فإن ما يقلق الدكتور رستم هو أن «نتائج المسح السابق لم يستفد منها أحد، ولم تؤخذ بالاعتبار في خطة أي وزارة، وبشكل خاص الوزارات ذات الطابع الاقتصادي». لذلك فهو يتمنى «ألا تبقى هذه النتائج حبيسة الأدراج، فهذه المسوح مكلفة جداً وعدم الاستفادة منها وإهمالها هو هدر واضح للمال العام، ولو أن هذه الوزارات أو المؤسسات المعنية ربطت خططها بخفض غير الآمنين غذائياً كهدف مباشر أو غير مباشر لها لاتضح لنا مستوى الإنجاز فيها، وهذا ما يحصل في معظم دول العام المتقدمة منها والنامية. فبماذا نصف أنفسنا».
المصدر: زياد غصن -الأخبار
إضافة تعليق جديد