150عاماً على ولادة فرويد ومازال المجانين يملؤون هذا العالم
احتفل العالم أمس الأول بالذكرى ال150 سنة لمولد العالم الكبير سيغموند فرويد، مؤسس علم النفس الحديث، الذي تمكن من النفاذ إلى مكامن النفس البشرية وتغيير إدراكنا لأنفسنا، كما لم يفعل فيلسوف أو طبيب أو فنان قبله.
لم يكن هناك حياد في حروب فرويد. فالإعجاب قد يعني تملقاً صريحا له، والتشكيك العلمي بنظرياته قد يدلّ على الازدراء به. وبالتالي، كان على المحلل النفسي الذي يضع فرويد في مكانة الأبطال التاريخيين أن يحارب في الوقت ذاته موجة أولئك الذين يتهمونه بالتدجيل. وهذ سيثير التساؤل حول مستقبل نظريات فرويد في القرن الحادي والعشرين، خاصة مع الصعود الكاسح لعلم البيولوجيا على حساب علم النفس، ومع سيطرة شركات الادوية العملاقة على <سوق> <العلاجات النفسية> عبر العقاقير والادوية التي تنتج.
لكن، وأياً كانت المواقف من هذا العالم النمساوي العظيم، إلا ان الكل يجمع على ان فرويد فاق أي عالم في الإبحار داخل لجج النفس وفي التأثير في فكر القرن العشرين.
ولعلّ أهم نظريات فرويد هي تلك التي عرّفت اللاوعي الانساني بنوازعه الجنسية والعدوانية والقوى الداخلية المقاومة لها، والنزعة الثابتة إلى التفوق التي تكمن لكل إنسان بالمرصاد، ونظريته التي ترجع كل مشاكل النفس العصابية تقريباً إلى الاضطرابات الجنسية، واكتشافه أن الرغبة الجنسية تبدأ منذ الطفولة وليس مع البلوغ. هذا الى جانب نظريته الشهيرة حول عقدة أوديب، وإطلاقه مصطلح التحليل النفسي.
بين مولده.. ومماته
ولد فرويد عام 1856 في عائلة يهودية معدمة الحال، وانتقل مع أسرته سريعاً إلى فيينا. وكان المولود البكر لوالديه اللذين دللاه وعلقا عليه الآمال وخصصا له غرفة منفصلة ليدرس فيها. فبرع في دراسته إلى ان انتقل إلى جامعة فيينا عام 1873 حيث درس الفلسفة والطب.
أول الأعمال التي أخرجت اسم فرويد من الظل كان كتابه <تفسير الاحلام> عام ,1900 وإن كانت مبيعاته محدودة آنذاك. وقد سعى فرويد لأكثر من دراسة الجهاز العصبي والأمراض العصبية، حيث طمح بوضع أسس العلاج النفسي وتوضيح صورة النفس البشرية.
وتعمق فرويد لتحقيق غاياته في علوم التاريخ، الانتروبولوجيا، الادب، الفن، علم الاجتماع، وحتى الدين الذي لم يؤمن به قط بكل أشكاله ومذاهبه، بما في ذلك اليهودية دينه. وهاجر مع زوجته
بصحبة ابنتهما وتلميذته المفضلة، آنا، من فيينا التي أحبها بشغف بعد دخول النازيين إليها خلال الحرب العالمية الثانية، في آذار عام ,1938 كي <يموت في الحرية>. وبالفعل، لم يمضِ أكثر من عام ونيف على هجرته إلا وفارق الحياة وهو يستمع إلى مذيع الاخبار يقول <إنها الحرب الاخيرة>... فلفظ أنفاسه هامساً <إنها حربي الأخيرة>.
الكشف عن نظريات مهملة
تزامن الاحتفال بالذكرى ال150 لميلاد فرويد مع صدور دراسة مهمة لأستاذ اللغة الانكليزية في جامعة فيرجينيا، مارك إدموندسن، الذي يعد كتاباً حول السنتين الأخيرتين من حياة فرويد، نفض فيها الغبار عن نظرية سياسية مثيرة للجدل لفرويد، ظلّت حتى يومنا هذا طيّ الإهمال، وإن كانت معاصرة لزمننا كما لم تكن من قبل.
وقال إدموندسن إن فرويد سخّر المرحلة الأخيرة والأكثر إنتاجاً من مهنته لدراسة تأثير السياسة على الفرد والجماعة، وتوصّل إلى نظرية مثيرة للجدل حول علاقة التطرف والاستبداد بالانظمة ذات الاتجاهات <الشمولية> وبالشعوب <المتوترة.
ففي سعي الانسان الدؤوب للعثور على السلام الداخلي، توصل فرويد في كتابه <علم نفس الجماعة وتحليل الأنا> إلى قناعة مفادها بأننا كمجتمعات إنسانية بحاجة مستمرة إلى رجل قوي يحمل عقيدة بسيطة تضع حداً لضياعنا، تحدد أعداءنا، تركز على طاقاتنا وتمنحنا أمراً ذا فعالية أطول مما تحققه الكحول أو حتى الحب... إدراك الإحساس بأن الفرد جزء من كل متحد واحد. وفي بعض الاحيان، قد يجعل هذا الرجل الواثق من نفسه، المكتفي بذاته والحاكم بأمره، من الله مصدرا لسلطاته، وسيكون الثمن باهظاً: لان الامور الواعدة التي سيقدمها الرجل العظيم ستكون لا محال مجبولة بالعنف والبغض.
ويستنتج فرويد أن التوتر النابع من داخلنا هو في الواقع ضروري، وذلك لأن الخيارات البديلة هي أسوأ بكثير. فالجسم السياسي الصحي بالنسبة لفرويد، هو الذي يسمح باستمرار التوتر، حيث هناك دائما فسحة للجدل والاختلاف. وفي هذا الاختلاف ذاته، مهما بدا مزعجاً وصعباً، يعتبر فرويد أن المجتمع الصالح يكمن.
وحين يحكم الدولة <إرهابيون> ذوي أهداف شمولية، كزمننا هذا، فإنه لا بد أن يكون هناك حافز على التضامن للصراع بكل الوسائل الممكنة، ولكننا في معرض ذلك سنتحول إلى كائنات مفترسة، ومتحدة بعصبية لا تجعلنا مختلفين بشيء عن عدونا. سنتبع كالعميان رجلنا الأوحد، لن نرى عيوبه، سنتوقف عن طرح الأسئلة والجدال. وحين سيحصل ذلك، سوف تبدأ حرب من التطرف ولن يكون ثمة منتصر فيها.
المصدر : السفير
إضافة تعليق جديد