البيض يربك الحكومة والاقتصاد (سوقي) وليس اجتماعي
قال أهل المثل: الخل البلاش أحلى من العسل باهظ الثمن ؟! سأتجرأ بالقول «البيض البلاش أحلى من اقتصاد السوق الاجتماعي إذا كان ثمن ذلك الاقتصاد فورما أسعار!
لاحظوا معي نحن في مرحلة «التحول» الى سوق الاقتصاد الاجتماعي فأصبحت البيضة بـ 5 ـ 7 ل.س خلال 2006 ـ 2007 بينما كانت البيضة قبل التفكير باقتصاد السوق الاجتماعي بـ 2.5 ل.س (نموذج عام 1999)، إذا الأمور بحاجة الى إعادة نظر تزداد مبرراتها العلمية عندما أصبح الغلاء شاملاً لمجمل السلع من ( البيض وصولاً الى البيت)؟!
وبكثير من التمعن نجد الارتباك الحكومي في الإمساك بالسوق والتحكم بآلياته، والضعف في قيادته، والذي ـ على الأقل بالنسبة إلى البيض ـ شهد خرقاً لمبدأ اقتصاد السوق وعودة حكومية الى سلاح «التسعير المركزي» كمحاولة لضبط سوق البيض الذي يثور حتى على التسعير المركزي، وآخر تسعيرة رسمية كانت 125 ل.س لصحن البيض سرعان ماتعدلت الى 130 ل.س، ولكن السعر في البقاليات يتجاوز ذلك (140 ـ 180)؟!
استخلصنا بضع إشكاليات عبر متابعة سوق البيض، ونبوبها وفق التالي:
يوجد فشل في قيادة وضبط سوق البيض مع أن أغلب العوامل التي تتحكم بسوقه محلية صرفة، بينما العامل المرتبط بالسوق العالمية (الأعلاف) يمكن حصره بالظرف المحلي لو أحسنا تأمين الذرة الصفراء وفول الصويا محلياً بالكامل، بما يغني عن استيرادها بأسعار ارتفعت 30% عالمياً ونحن البلد الزراعي الأول بين دول المنطقة؟!
عندما كان البيض يصدر كان مرتفع الثمن، ولكن عندما تم منع التصدير لتلبية الحاجة المحلية منذ أربعة شهور ارتفع ثمنه أكثر وتحدى دائماً التسعيرة الرسمية؟!
يعتمد البعض «ضغط الوافدين» على السوق السورية مثل الشماعة ليحملها مسؤولية المساهمة في اختلال سوق البيض، مع أنه ووفق الأرقام الإنتاجية 3.6 مليار بيضة في العام الواحد تكفي للاستهلاك المحلي خصوصا بعد منع تصديره، ويجب أن نتذكر أن إنتاج سورية من البيض عام 2000 كان 2.5 مليار بيضة، وكان سوق البيض متوازناً، وسعر البيضة رخيصاً أقل من (3ل.س)، وكان عدد السكان 16 مليون نسمة، وحالياً زاد الإنتاج أكثر من مليار بيضة وأصبح عدد السكان 19 مليون نسمة، فلماذا اختل سوق البيض وارتفع ثمن البيضة الى 7 ل.س، نزل رسمياً فقط الى حوالي 5 ل.س للبيضة الواحدة، مع أن الزيادة الإنتاجية كبيرة مقارنة بالعام 2000؟!
تتمثل شكاوى المنتجين بارتفاع التكلفة نتيجة ارتفاع ثمن الأعلاف، وزيادة استهلاك المحروقات للتدفئة، وارتفاع اليد العاملة وشتى الأسعار من أجور ونقل وتخزين، لذلك يبررون ارتفاع الثمن، وكثير منهم قال: عندما ترخص بقية الأسعار سيرخص ثمن البيض تلقائياً؟!..
تمثل المؤسسة العامة للدواجن أداة رئيسة بيد الحكومة لتحقيق توازن بسوق البيض، واعتبر مديرها العام، عدنان عثمان، أن مساهمة المؤسسة في سوق البيض ( بيض المائدة) بين 12 ـ 15%، وأطلعنا على مشكلة ارتفاع أسعار علف الدواجن (ذرة صفراء ـ فول صويا) في الأسواق العالمية، حيث ارتفع كيلو الذرة وكيلو الصويا بمقدار 5 ليرات سورية، ويتم تأمين الأعلاف عن طريق القطاع الخاص، ومؤخراً طلبت مؤسسة الدواجن من المؤسسة العامة للأعلاف استيراد ذرة صفراء لحساب الدواجن..
واعتبر مدير عام الدواجن أنه يوجد نقص في إنتاج البيض، نتيجة لأزمات قطاع الدواجن نهاية 2005 ـ 2006، وقدر أن الأمر يحتاج الى سنة للعودة الى مرحلة التوازن وترميم نتائج أزمات قطاع الدواجن..
وحول إجراءات المؤسسة مؤخراً ذكر بأنه عندما تم التسعير مركزياً أنزلت المؤسسة سيارات من البيض الى الشوارع للبيع بالسعر الرسمي، وكانت تبيع يومياً 12 ألف صحن بيض في المحافظات، منها ثلاثة آلاف صحن بيض في دمشق، كذلك خاطبنا مؤسسة الخزن والتسويق لأخذ أية كمية متوفرة لدينا من البيض لبيعها في صالاتها..
د.أنور علي، مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، اعتبر أن زيادة الاستهلاك بسبب الوافدين أيضاً هي سبب من ضمن أسباب مشكلة سوق البيض، إضافة إلى تسرب البيض عبر المنافذ الحدودية تهريباً، ووجود ضعاف نفوس وسوء تطبيق للقرارات والتعليمات الخاصة بـ (الرقابة ـ ومنع التصدير..).
السيد حسان قطنا، مدير الإحصاء والتخطيط في وزارة الزراعة، اعتبر أنه قبل المشكلة العالمية التي تمثلت بأنفلونزا الطيور، كان يوجد في سورية اكتفاء ذاتي في البيض وفائض أمكن من التصدير، وبعد أنفلونزا الطيور لدينا توازن بين العرض والطلب، مع التأكيد على عدم وجود أية إصابة بأنفلونزا الطيور في سورية، وأن الإنتاج الحالي من البيض 6،3 مليار بيضة في السنة، ومقارنة مع عدد السكان 19 مليون نسمة، فإنه يوجد توازن بين العرض والطلب، وتصور أن أسباب ارتفاع أسعار البيض نتيجة لزيادة تكلفته ( ارتفاع أسعار الأعلاف بنسبة 30% عالمياً ـ الزيادة في أجور اليد العاملة وارتفاع كلفتها بنسبة 7 ـ 11.5% ـ موجة البرد مؤخراً والتي تطلبت زيادة في الاعتماد على التدفئة والمحروقات ـ زيادة الأسعار عموماً والتي تنعكس على أجور نقل البيض وتخزينه..).
أما الأسباب الأخرى فتتمثل بالزيادة السكانية، ووجود وافدين، وبالتالي استهلاك متزايد للبيض..، واعتبر أن مساهمة المؤسسة العامة للدواجن في سوق البيض تمثل (10% فقط) ؟ أما دواجن القطاع الخاص فتلبي حاجة السوق بنسبة 90%.
المهندس محمد ديب الدقوري، مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة اعتبر أنه يوجد اكتفاء ذاتي في البيض، بل شهد سابقاً مرحلة من وجود فائض أمكن تصديره، قبيل أن يتم منع التصدير..
د. أنور علي، مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، قال: التسعير المركزي للبيض فرضته الظروف، وهو تدخل «موضعي» ومن المعيب أن نضطر إلى ذلك ونحن نتوجه الى سوق مفتوحة، ولكنه أمر لابد منه للتدخل الرسمي في سوق البيض، وعندما تم تسعير الصحن مؤخرا بـ ( 125 ل.س)، ربما كانت التسعيرة متعجلة قليلاً ولاتتناسب مع تكلفة البيض لدى المنتجين الذين احتجوا، وبعضهم أحجم عن بيع البيض، ولكن مؤخراً جرت دراسة جديدة وحضرت بها رؤية المنتجين وتم إقرار التسعيرة بزيادة خمس ليرات سورية عن التسعيرة السابقة، ونعتقدها تسعيرة منصفة...
وأشار إلى أهمية دور المواطن في التعاون مع «مديريات ودوريات التموين» ومساهمته في الرقابة التموينية عن طريق الشكوى على أي بائع يبيع بأكثر من التسعيرة الرسمية..
وفاء الغزي، مديرة الأسعار في وزارة الاقتصاد، أشارت الى وجود لجنة لدراسة أسعار البيض تعدل تسعيرته كل 15 يوماً، وفق متطلبات السوق، ومسألة العرض والطلب، وآخر تسعيرة رسمية هي 130 ل.س لصحن البيض، وهي تستند الى واقع التكلفة..
وأضافت: لم يكن البيض من السلع والمواد التي تم تحرير أسعارها، وكان يتم تسعيره عبر مديريات التموين في المحافظات وكانت تسعيرته تتعدل كل ثلاثة أيام..
سأسمح لنفسي بالطلب من القارئ الكثير من الهدوء والتأني للاتفاق معي بأخذ «سوق البيض» كمؤشر على سلامة الطريق نحو اقتصاد السوق الاجتماعي وكمؤشر لتقويم أدوات القيادة الحكومية في مرحلة التحول الى ذلك الاقتصاد..؟ ولننتبه الى أن سوق البيض يعتمد بشكل رئيس على العوامل التالية: (وضع الدواجن قبل وبعد أنفلونزا الطيور ـ وضع الأعلاف وتحديداً الذرة الصفراء وفول الصويا ـ دور المؤسسة العامة للدواجن ـ دور دواجن القطاع الخاص ـ عامل الاستهلاك ـ عامل التسعير وآلية ضبط سوق البيض ـ العرض والطلب ـ عامل التصدير والتهريب ـ ثم العامل الأضعف المتمثل بدور المواطن)..
وعليه نجد أن خيار اقتصاد السوق الاجتماعي يعيبه أن التحول إليه يتم قبل تأهيل «المؤسسات الحكومية» التي هي الضمانة في الإبقاء على «صفة الاجتماعي» في اقتصاد السوق، وهي الضمانة لحسن القيادة الحكومية للسوق وحماية للمستهلك والمواطن من انفلاش السوق وانفلاج الجيوب ومن عقلية «التجارة شطارة وغاية الربح تبرر الوسيلة»..
هاهي تلك المؤسسات بضعفها الشديد تفشل حتى في استحقاق البيض، وهنا نحمل المسؤولية لـ (وزارة الزراعة في عدم تلبية الحاجة من علف الدواجن محلياً ـ ولوزارة الاقتصاد في الارتباك بتسعير البيض وغلطة التسعير المركزي ـ ولبقية السلطات والجهات المعنية في ضبط عدم تسرب البيض تهريباً الى الخارج ـ وللمؤسسة العامة للدواجن التي يجب أن تكون أكثر مساهمة في توازن سوق البيض خلال فترات اختلاله..).
ومع ذلك نصلي بأن تبيض وجوه حاملي التحول الاقتصادي لأنه مشروع وطن عندما يفلح في سوق البيض سيفلح في سوق الخضار والفواكه والأعلاف والعقارات والوقود والكهرباء والمياه والسيارات والخدمات والإسمنت والسكر والأسمدة..؟!
ألم تقل الخطة الخمسية العاشرة بأنه على الحكومة التأكد من تصرفات الفاعلين في السوق ضمن إطار المسؤولية الاجتماعية، وأن انتفاء الأسلوب الإلزامي في الخطة واعتمادها المنحى التأشيري يجعل الدولة بجانب الفاعلين الأساسيين في السوق معتمدة على حالة العرض والطلب سواء ما يتعلق منه بالإنتاج أو الاستثمار أو غير ذلك من عناصر ومكونات الخطة؟! لذلك نسأل: هل سوق البيض خارج مبادئ الخطة الخمسية العاشرة وقد دخلت في عامها الثاني؟!
ظافر أحمد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد