فن الاقناع يقرب مندوبة المبيعات من رجل السياسة
الجمل - خاص : من خلال إعلان نشرته إحدى الجرائد الإعلانية يقول: (مطلوب سكرتيرة للعمل براتب مغرٍ) بدأت حكاية (أمل – 23 عاماً) التي كانت تبحث عن عمل مع دراستها في كلية التربية بدمشق، فاتصلت وذهبت إلى مكان العمل، الذي كان شرطه الأساسي أن تخضع وزميلاتها لفترة تدريب خارج المكتب تقوم فيها بعمل مندوبة لمبيعاتها، وعلى أساس حجم المبيعات المحققة يتم التعين ضمن المكتب كسكرتيرة وبالراتب المغري المذكور، لتكتشف بعد مضي فترة التدريب أن الإعلان الذي نشرته الجريدة كان طعماً من الشركة لاصطياد أكبر قدر ممكن من المتقدمات وتجنيدهن للعمل كمندوبات لتسويق وبيع منتجاتها، وأن الوعد بالتوظيف داخل الشركة كان وسيلة من وسائل الترغيب للقيام بهذا العمل.
(الـ x اليومي)
وتذكر أمل وسائل وأساليب أخرى لحث المجموعة على البيع، فقد كان شعار العمل يقول: (اعمل ثمان ساعات واحصل على الإكس اليومي)، و(الإكس اليومي) أن لا تعودي إلى المكتب ومعك بضاعة، ويحصل على البطاقة الخضراء من يحقق أعلى نسبة مبيعات بين المجموعة، يأتي بعدها البطاقة الحمراء، أما البطاقة السوداء فهي بطاقة التثبيت ضمن المكتب الذي تركته دون أن تحصل عليها، كغيرها من المندوبات.
البنات فقط
يبدأ العمل من التاسعة صباحاً حيث يحدد في الاجتماع الصباحي لكل فتاة منطقة في دمشق لينحصر عملها فيها، وكل منطقة تقسم إلى أحياء وشوارع، وعليها أن تمر على كل محل ومكتب وبيت فيها، وكأنها تقوم بعملية مسح لها، فالعمل شاق جداً كما تقول أمل، ولا يؤخذ إلا البنات للقيام به لأنهن يحققن نسبة مبيعات أكثر، والزبون يجد نفسه محرجاً إذا أتت فتاة وطرقت بابه، فمن غير اللائق أن يصدها خائبة حتى إذا كانت البضاعة غير جيدة، أو أنه لا يحتاجها.
شطارة
كانت أمل تطرق أبواب بيوت لا تعرفها ولا تعلم من سيظهر لها من داخلها لذا تعتبر أن مهنة مندوبة المبيعات فيها الكثير من المغامرة، وكانت تجابه بشعور الشفقة أحياناً، وينظر إليها نظرة ريبة وشك، أو أنها سهلة ويمكن أن تتجاوب أمام مغريات كثيرة قد تعرض عليها، لذا حرصت على إثبات العكس، كردة فعل على تلك النظرة التي تعتبرها مغلوطة.
وفي نهاية حديثها تعترف أمل أن هذا العمل أطعمها خبزاً في مرحلة معينة أمضتها فيه، وأمن جزءا كبيرا من مصروف عامها الدراسي الجديد وقوى شخصيتها وعزز ثقتها بنفسها، كما أنه لا يحتاج إلى الكثير من المؤهلات والخبرات، فرأس ماله الرئيسي كما تقول الأسلوب الجيد والقدرة على الكلام والإقناع، أيا تكن السلعة.
غبن
أما (ريم - 22عاماً) طالبة الصحافة التي تعمل مندوبة لدى شركة صناعية لطباعة المواد الإعلانية كالأقلام والساعات والتقاويم السنوية، حيث تقوم بأخذ عينات من إنتاج الشركة وعرضها على مدراء الشركات وأصحاب المحلات لإقناعهم بها، والاتفاق معهم على الطلبية التي يرغبون بعملها. يبدأ عملها في الساعة التاسعة صباحاً ولا ينتهي حتى الثامنة مساء، مقابل راتب شهري قيمته سبعة آلاف ليرة سورية، مع وعود بنسبة 10% من قيمة المبيعات لا يتم الوفاء بها، وهذا ما كان يشعرها بالغبن.
الإمكانيات البارزة
وتذكر ريم ما كانت تتعرض له من تحرشات ومضايقات، حيث توجه لها دعوات مفتوحة على الغداء والعشاء، أو يطلب منها رقم الهاتف ومواعيد للقاء مقابل الاتفاق على الطلبية، وهذا ما يدفعها في أحيان كثيرة إلى تصنع الرجولة والتصرف كالصبيان لكي لا تظهر أنوثتها، لكن هذا لم يجدي نفعاً كما تقول، فطالما أن الإمكانيات بارزة وظواهر الأنوثة واضحة لا ترتاح المرأة في عملها.
نصف صيدلانية
وكذلك ( هلا- 26 عاماً) أدب عربي سنة رابعة التي تعمل مندوبة لدى صيدلية منذ حوالي ثلاثة سنوات، لكن عملها بدأ بتوزيع بروشورات تتضمن معلومات عن الأدوية الموجودة لدى الصيدلية كدعاية لها، والاتفاق على عملية البيع... ونتيجة لخبرتها في هذا المجال، أصبحت تقوم ببيع الأدوية ضمن الصيدلية وتحل مكان الصيدلي في ذلك، وهذا ما وفّر عليها تعب العمل الميداني خارجاً، لكن ساعات العمل والراتب لم يتغيرا كما تقول، إذ تعمل ثلاث ساعات صباحاً، وثلاث ساعات مساءاً، مقابل راتب خمسة آلاف ليرة سورية، يساعدها على تأمين مصروفها والتزامات الدراسة.
العمل قدم لهلا خبرة علمية كبيرة إذ أصبحت نصف صيدلانية، وصقل شخصيتها وقواها، وأحاطها بمزيد من المعجبين كونها صاحبة راتب، ولكن في الوقت نفسه انقسمت حياتها بين الدارسة والعمل، وأصبحت تشعر أنها مأخوذة بضيق الوقت، وهذا ما أثر على حياتها الاجتماعية والشخصية.
مستهدفون
طرقت بابنا حاملة حقيبتين في يديها لتقدم عرض شركتها التي تعمل بها، مسحوق للتنظيف مع كريم مطري لليدين، (وعد - 25 عاماً) التي بدت واثقة من نفسها، مضى على عملها عامين في هذه الشركة ذكرت ما قدمته لها مهنة التسويق المباشر من خبرة بالحياة والتعامل مع الناس، فهي تعرف من وجوه الناس الذين تلتقيهم كل يوم الجيد منهم من السيئ، الطيب من اللئيم، وتميز طباعهم ونفسياتهم بأجزاء بسيطة من الثانية، وهذا ما يحدد استمرار عملية العرض أو انتهائها، كما أنها تستطيع امتصاص الحالة السلبية أياً كانت واستيعابها بالابتسامة والتقديم المقنع والأسلوب الجيد، كما أن هناك زبائن مستهدفون لديها، وهم عادة ربات المنازل والسيدات، ولاسيما في المناطق الراقية، حيث يتباهين فيما بينهن في مسألة الدفع والشراء.
الباعة الجوالون بملابسهم الشعبية المعفرة بالفقر والتعب و الذين ما زالوا يتجولون على الطرقات الريفية وفي أزقة المدن، هم أيضاً المندوبون والمندوبات بكامل أناقتهم وقيافتهم الشبابية. مع فارق أن البائع الجوال يدلل على بضاعته بالصياح ليل نهار، بينما المندوب أو المندوبة يطرق الباب ليصطاد الزبون من البيت، والقاسم المشترك بينهما الفقر والبطالة في مجتمع لا يرحم.
تحقيق : ليلى نصر
إضافة تعليق جديد