أهميّة التمكين الاقتصادي للمرأة
ها نحن اليوم نقف ككلّ عام، ونتأمل ما حقّقناه وما فشلنا في تحقيقه في إرساء حقوق المرأة في المنطقة العربية. على مدى السنوات الماضية وبخاصة بعد اعتماد اتفاق إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، تحقّق العديد من الإنجازات في مسيرة الدول تجاه حقوق المرأة، لا سيما في مجال المشاركة في سوق العمل الذي هو شعار «يوم المرأة العالمي» لهذا العام، فقد أرست معظم دساتير الدول العربية الحقوق المتساوية بين الرجل والمرأة، ورسخت وجوب إلغاء التمييز بين الأفراد في بعض منها. كما حققت الدول تطوراً كبيراً في مستوى التحاق الإناث بالتعليم في كل مراحله وفي مؤشرات الصحة ومجالات أخرى. إلا أن هذا التطور لم ينعكس إيجاباً في معدلات التحاق المرأة بسوق العمل، إذ تبيّن الإحصاءات التي يوفرها البنك الدولي أن نسبة مشاركة المرأة الاقتصادية في البلدان العربية متدنية للغاية لتكون أدنى من معدلاتها فى الأقاليم الأخرى حيث لا تتجاوز وفقاً لإحصاءات البنك الدولي الصادرة عام 2014 عتبة 24 في المئة.
إضافة الى المديونية العامة، وضعف النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة التي تؤثر في الاقتصاد الكلي في الدول العربية، تعاني المرأة العربية من أوجه مختلفة من التمييز على الصعيد التشريعي بما يعيق مشاركتها الاقتصادية، وبخاصة لجهة القوانين ذات الصلة. فبعض الدول العربية تُضمّن قوانين الأحوال الشخصية فيها بنوداً تشترط موافقة الزوج على مشاركة المرأة في العمل، ما يرسي وصاية الرجل على المرأة، ويحدّ من قدرتها على اختيار المجال المهني المناسب لها والوصول إليه. وبعض قوانين العمل في المنطقة تحتاج إلى مزيد من المراجعة لضمان إنصاف المرأة واعتبارها شريكة في التنمية، سواء لجهة حقها في إجازة أمومة مدفوعة الأجر، أو في تحديد سن التقاعد بما يسمح لها بالارتقاء الوظيفي أسوة بالرجل، أو لجهة التعويضات والضمانات والتأمينات الاجتماعية المستحقة.
من جهة أخرى، الممارسات المؤسسية والثقافـــة المجتمعية لا تزال تقصي المرأة عن المشاركة الاقتصادية الفاعلة وتفرض شكل العمل الذي يمكنها مزاولته، إضافةً إلى دورٍ هامـــشي في المؤسسات الاقتصادية. وفي غالبية الأحيان تتّجه المرأة للعمل في مجالات محدودة تنسجم والدور النمطي الذي تفرضه الثقافة المجتمعية عليها، كما تواجه العديد من الصعوبات في الارتقاء ضمن الأطر والهياكل المؤسسية بسبب «دورها» الاجتماعي.
أضـــف إلى ذلك مجريات الأحداث الراهنة في المنطقة، إذ تشهد منطقتنا العربية نزاعات عدة، لها تأثير مباشر على تمتع المرأة بحقوقها بما فيها حق العمل. ولكن لا نرى مـــشاركة للمرأة في المفاوضات الخاصة بإحلال السلام وفي صـــياغة السياسات المتعلقة بعملية إعادة البناء. فتنتج عن هــذا الإقـــصاء دساتير وقوانين وسياسات تمييزية مماثلة لما كـــان عليه الحال سابقاً، بل ربما أسوأ مما كان بالنظر إلـــى تـطورات الأحداث ومردودها السلبي على وضع المرأة.
علينا كمجتمعات عربية أن نبدأ التعامل الجدي مع قضية مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، وعلى الدوائر الرسمية تجاوز الدعم اللفظي والخطابي إلى مباشرة مراجعة القوانين والسياسات التي تهمّش نصف المجتمع. والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها الدول العربية في شكل طوعي، تشكّل اللبنة الأساسية في طريقة معالجتنا لهذه القضية. فالعمل حق كما نص عليه العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي تؤكد المادة السادسة منه اعتراف الدول بـ «الحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن يتاح له إمكان كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، واتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق». وتكتسب هذه المادة أهمية خاصة في نقاشنا هذا.
كما تؤكد الفقرة الأولى من المادة 11 في اتفاق إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة أن «تتخذ الدول الأطراف جميع ما يقتضي الحال اتخاذه من تدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لتكفل لها، على أساس تَسَاوي الرجل والمرأة، الحقوق ذاتها…».
لا يزال يمثـــل التمييز ضد المرأة حاجزاً جسيماً يتوجّب علينا تقويضه، وإني أدعو على وجه الخصوص الجهات الرسمية إلى توسيع نطاق الفرص المتاحة للمرأة في مجالات المشاركة السياسة وتولي الوظائف القيادية والانخراط فى ميدان الأعمال وغيره، وإلى العمل الممنهج الرامي إلى تغيير العقليّات السائدة، وبخاصّة في صفوف الرجال، وإشراك الرجال ليصبحوا هم أنفسهم من دعاة التغيير.
عبد السلام سيد أحمد*
* الممثل الإقليمي لمفوض الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد