«مشروعي2»: بنك الفقراء
تبعاً للتناقضات التي نثرتها الحرب على مساحة التمويل الحكومي، والخوف الذي بات حبر سياساتنا المصرفية، كان من السهل استشراف مآل الكيانات المستولدة لدعم المشاريع الصغيرة.
في العموم، يعاني قطاع المشاريع الصغيرة اهتماماً حكومياً محدوداً على خلفية أمراض المهنة الناجمة عن ولعها بالبيانات الكلية، يزيد عليه محلياً، إخفاق مؤسساتنا التمويلية بطرزها القديمة، ومعها هيئات تنمية المشاريع والتصدير وضمان المخاطر الوليدة، بالنفاذ عبر جدار الأنظمة، إلى الطاقات الاقتصادية الكامنة، فبعدما اكتفت لعقود بتمويل كبار المنتجين المحليين، لا يبدو أنها اليوم في وارد خوض الانقلاب المطلوب على بيروقراطيتها أو التخلي عن تحصنها خلف جدران المكاتب بانتظار الزبائن.
على هذه الخلفية، يمكن فهم مرور رئيس المجلس في اجتماعه على مبادرة «مشروعي»، التي أطلقتها الحكومة بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية، باعتبارها خلاصة سعيه الحالي لرأب فجوة التمويل في سياساتنا التنموية التي ازدادت إلحاحاً جراء التهديد المتزايد لاستقرارنا الاجتماعي وما ساقته الحرب أمامها من «هرس» طبقي لم يفصح عن كامل وجهه بعد، نظراً للانشداد الاجتماعي إلى مجرياتها، لكنه لن يلبث أن يفعل بعدها.
تعي الحكومة حاجتها من مبادرة «مشروعي» ومثيلاتها بدقة، وعليها لذلك دفع التجربة سريعاً نحو تحرير مكانز إنتاجية محيّدة مرميّة جانباً على أرصفة سياساتها الرسمية، وربطها بسلاسل قيمة قائمة وتشجيع أخرى ضمن رؤى قطاعية يمكن التعويل عليها لخلق تلك السلاسل، ومن ثم زجهما في صلب الاقتصاد ما يحقق رزمة من الأهداف الذهبية التي ستكون بمنزلة فعل معاكس لما كرسته الحرب -وتفعل- من تصدعات اقتصادية وتنموية واجتماعية، ولتلطيف الصدع الكلاسيكي الفاصل بين سياساتها الطارئة وبين منعكساتها، وتجاوز العقبات التقنية والإدارية لخفض نسب البطالة غير المسبوقة بأقل الأكلاف والمخاطر، وتهدئة الركود التضخمي المتصاعد بإكسير التشغيل والإنتاج، ومعالجة خلل الأسواق المتحفزّ عبر إضفاء المزيد من التوزان على كتلتي السلعة والنقد.. وبعد الحرب، ستتمكن من مناولة الكثير من هذه المشاريع الصغيرة إلى هيئات أكثر تخصصاً وأكبر حجماً لتتحول رقماً وازناً في اقتصاد التعافي.
إذا ما رأت الحكومة جدوى فيما سلف، فسيسهل آنئذ إقناعها بأن الأبعاد الراهنة لمبادرة «مشروعي» قد لا تكفي لتحقيق الآمال المعلقة عليها وقد تعرضها لمخاطر عدة بعد انطلاقها الأوسع، فمن باب التبدلات النقدية مثلاً، لم يعد لـ500 مليون ليرة التي رصدتها الحكومة لدعمها، من قدرة على تخليق أكثر من نصف المشاريع التي كانت متوقعة ساعة إطلاقها، ونصف المنتجات التي كان لها أن تتدفق من خلالها، ومن ثم نصف مساهمتها التنموية المرجوة، وهذا ما قد يتكرر مستقبلاً ليزيد الطين بلّة.
ما يمكن اقتراحه في هذا الجانب، يتلخص بدفع المبادرة نحو بداية جديدة أكثر قدرة ووصولاً واستقراراً ضمن البيئة التمويلية الوطنية، ومساعدتها في تبني نموذج فاعل يحاكي تجربة بنك الفقراء، الذي يمكن له أن يتيح لها الاحتفاظ بمرونة عملها وتقليص مخاطره من جهة، كما يسهل نفاذ التدفقات المالية إليها من مساهمين وطنيين وخارجيين اعتباريين وشخصيين، من الجهة الأخرى.
علي هاشم
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد