إحالة المدير العام الأسبق للعقاري على القضاء و«رجلا أعمال» يحصلان على حوالى ملياري ليرة بالاحتيال
يبدو أن بعض المصارف تحتفظ إلى جانب السرية المصرفية التي تعتبر قانونية، بأسرار عديدة مشكوك في قانونيتها، قادرة على إثارة الدهشة عند اكتشافها والوقوف على تفاصيلها، وخاصة إذا كانت ناتجة عن ارتكابات غير مألوفة يصعب كشفها بطرق التدقيق التقليدية المتبعة من الرقابة سواء من داخل المصرف أم المطبقة من الجهات الرقابية المختصة، ما يجعل اكتشاف مثل هذه المخالفات تعتمد على فطنة المفتش أو من خلال معلومة تصل إلى هذه الجهات وتحسن استغلالها لإماطة اللثام عن تفاصيل المخالفة.
إحدى هذه الحالات يقدمها تقرير الجهاز المركزي للرقابة المالية المتضمن نتائج التحقق بالمخالفات المرتكبة لدى المصرف العقاري، فيما يخص منح كفالات مصرفية بضمانة شخصية، التي تعتبر مخالفات للأنظمة المصرفية لجهة اعتماد كفالات غير معمول بها في المصارف العامة، ما دفع الجهاز إلى الطلب من المحامي العام في دمشق إلى تحريك دعوى العامة بحق عدد من موظفي المصرف العقاري واثنين من متعاملي المصرف والمطالبة بإحالتهم على القضاء.
أوضح التقرير التفتيشي قيام المصرف العقاري بمنح كفالات مصرفية بقيمة إجمالية بلغت 1.920 مليار ليرة سورية بضمانة شخصية لاثنين من متعاملي المصرف، بلغت كفالة المتعامل الأول (أ.ب.ص) ملياراً و200 مليون ليرة سورية، على حين بلغت الكفالة الممنوحة للمتعامل الثاني (أ.م.ح) مبلغ 720 مليون ليرة سورية، وتقديم هذه الكفالات على أنها ضمانات ممتازة إلى اثنين من المصارف الخاصة وهما مصرف فرنسبنك سورية وبنك عودة سورية.
في التفاصيل
بيّن التقرير أنه تم استخدام هذه الكفالات لغير الغرض الذي تمنح الكفالات المصرفية لأجله، فاستخدمت لاستجرار قروض عادية من البنكين المذكورين (عودة وفرنسبنك سورية) بضمانة هذه الكفالات، وبعد موافقة إدارة المصرف العقاري على تغيير صيغة نموذج الكفالة بضمانة شخصية بناءً على طلب المصرفين المذكورين، بما يخدم موضوع منح المتعاملين مبالغ نقدية (قروضاً) بقيمة هذه الكفالات، وبشكل يخالف نظام العمليات والتعليمات التطبيقية لعمل المصرف العقاري، حيث إنه لم يتم اتخاذ إجراءات فنية وقانونية من المصرف العقاري مقابل قبوله بالصيغة الجديدة للكفالات بضمانات شخصية لحفظ حقوق المصرف (الصيغة الجديدة للكفالات تحتوي على عبارات لها تبعات قانونية سلبية على المصرف).
تحميل المسؤولية
خلص جهاز الرقابة المالية على خلفية التحقيق إلى تحميل المسؤولية إلى مدير الشؤون القانونية في المصرف العقاري (السابق) لقيامه بتوقيع حاشيتين على الصيغة الجديدة لنموذج كفالات بضمانة شخصية الأولى تفيد بأنه لا مانع من اعتماد الصيغة الجديدة لنموذج الكفالات، والثانية على نسخة نموذج الكفالة نفسها، مع تصديق المدير العام للمصرف العقاري (في عام 2010) إلى جانب الحاشية.
إضافة إلى تحميل التقرير المسؤولية لمدير الفرع التعاوني للمصرف العقاري (السابق) لقيامها بتنفيذ الكفالات المصرفية بصيغة جديدة مخالفة لتعليمات المصرف من خلال قيامها بإرسال كتاب إلى الإدارة العامة للمصرف مرفق به صورة عن نموذج الكفالة أحضرها أحد المتعاملين إلى الفرع بغرض الموافقة على إصدار الكفالة وفق الصيغة الجديدة التي تحتوي على عبارات تخالف التعليمات التطبيقية لنظام العمليات في المصرف العقاري.
إضافة إلى تحميل المسؤولية لفرنسبنك -سورية وبنك عودة- سورية، عن قبول هذا النوع من الكفالات وبالصيغة والشروط الواردة في نص الكفالة كضمانة لقروض لأجل عالية الخطورة (التعثر- عدم السداد) لغيرها من التسهيلات الانتمائية، دون أن تقوم هذه المصارف بأخذ رأي مصرف سورية المركزية (كجهة رقابية وإشرافية) بهذه الكفالات، ومدى توافق خط الائتمان الجديد مع الأنظمة والتعليمات النافذة في المصرف العقاري، حيث إن المصارف الخاصة المذكورة عدّلت صيغة نموذج الكفالات لتحويل الكفالات المصرفية المحددة الأغراض في القطاع العام إلى كفالات تحت الطلب ومنحت القروض بناءً على تحويل مفهوم الكفالة المعمول به في الجهات العامة إلى صيغة دفع فوري عند الطلب.
وحمّل التقرير المسؤولية لكلا المتعاملين عن عدم تسديد مبالغ الكفالات المحررة لمصلحة فرنسبنك -سورية وبنك عودة- سورية، مع العمولات وفوائد التأخير المستحقة لمصلحة المصرف العقاري، لكون قيمة هذه الكفالات قد مُنحت لهم عن طريق المصرفين في القطاع الخاص، على شكل قروض لأجل وعدم قيامهم بتسديد التزاماتهم تجاه المصرف العقاري وتجاه المصارف الخاصة المذكورة.
كما تم تحميل المسؤولية للمدير العام الأسبق للمصرف العقاري (م.د) عن إصدار كفالة مصرفية بضمانة شخصية بقيمة 100 مليون ليرة سورية لمدة أربع سنوات لمصلحة أحد المتعاملين، ولأمر بنك فرنسبنك- سورية وذلك بموجب الكتاب، إلى جانب مسؤولية مدير الفرع التعاوني للمصرف العقاري السابق لقيامها برفع الكتاب المرفق به طلب المتعامل المذكور بإصدار الكفالة المصرفية شخصية بقيمة 100 مليون ليرة سورية لمدة أربع سنوات لأخذ موافقة الإدارة العامة ثم تنفيذها، مخالفين بذلك نص المادة 111 من نظام عمليات المصرف الذي ينص على أن الكفالة لتسهيلات سنوية تمدد بعدها أو تجدد إذا قضت الحاجة مقابل عمولات ولا يجوز سنداً لذلك إصدار كفالة مصرفية لمدة أربع سنوات دفعة واحدة، إضافة إلى وجود مخالفة ثانية للمادة 111 من نظام عمليات المصرف عند تقسيم استيفاء عمولة الكفالة الممنوحة لأربع سنوات على سنتين بالتساوي على الرغم من إصدار الكفالة يجب أن تسدد كاملة وسلفاً، ولما نتج عن ذلك أثر مالي (فوائد التأخير) المستحقة عن الجزء غير المدفوع من العمولة تم تقديرها بقيمة 288 ألف ليرة سورية موضّحة مفصلاً بمتن التقرير بحيث تم تحميلها إلى كل من مدير المصرف العقاري الأسبق ومدير الفرع المنفذ بالتكافل والتضامن. كما حمل التقرير المسؤولية إلى المدير العام للمصرف العقاري الأسبق عن الموافقة على استبدال التأمين النقدي المدفوع مقابل الكفالات المصدرة (20% بدل نقدي من قيمة الكفالات الممنوحة من أحد المتعاملين) إلى ضمانات عينية بنسبة 15% من قيمة الكفالات بموجب كتابين (على الرغم من أن دراسة الفرع التعاوني اقترحت الموافقة على المنح بتغطية بنسبة 20% من قيمة الكفالة).
إضافة إلى مسؤولية مديرة الشؤون المالية في المصرف العقاري عن قيامها بالطلب إلى مديرة الفرع التعاوني للمصرف بتأجيل دفع العمولات والطوابع لمدة أسبوع لتمديد الكفالة الممنوحة لأحد المتعاملين برقم 96/2/ك بقيمة 200 مليون ليرة سورية، مخالفين بذلك نص المادة 111 من نظام عمليات المصرف التي تقضي تسديد عمولة التمديد سلفاً (وهذا الطلب الهاتفي مسجل خطياً لدى الفرع التعاوني للمصرف) ما نتج عن ذلك أثر مالي (فوائد تأخير عن تسديد العمولات بلغت قيمتها مبلغ نحو 11 ألف ليرة سورية)، تم تحميلها لمديرة الشؤون المالية في المصرف بالتكافل والتضامن مع مديرة الفرع التعاوني للمصرف.
وحمّل التقرير التفتيشي المسؤولية للجنة التسليف المركزي في المصرف العقاري المؤلفة من 5 أعضاء ومديرة الفرع التعاوني السابقة عن تأجيل عمولات تمديد الكفالات ذوات الأرقام 92/1/ك بقيمة 200 مليون ليرة سورية والكفالة رقم 99/1/ك بقيمة 400 مليون ليرة سورية، لمدة أربعة أشهر وذلك بموجب كتاب، مخالفين بذلك المادة 111 من نظام عمليات المصرف العقاري المشار إليها أعلاه وقد ترتب على ذلك أثر مالي بقيمة 288 ألف ليرة سورية (فوائد تأخير لمبلغ العمولات المؤجلة) بتحميل مسؤوليتها إلى جنة التسليف في المصرف المذكورة ومديرة الفرع التعاوني.
جهاز الرقابة المالية يقترح
بناءً على نتائج التحقيق التي قام بها الجهاز المركزي للرقابة المالية انتهى التقرير إلى اقتراح إحالة كل من المدير العام الأسبق للمصرف العقاري، ومدير الشؤون القانونية في المصرف العقاري سابقاً، ومديرة الفرع التعاوني في المصرف العقاري، على القضاء المختص بجرم إلحاق الضرر بالمال العام نتيجة عدم المحافظة عليه، وإهمالهم له سنداً للمادة /9-10/ فقرة /أ/ من قانون العقوبات الاقتصادية رقم 3 لعام 2013، وعدم تسليمهم أي مناصب قيادية مستقبلاً وذلك للأمور المنسوبة إليهم بمتن التقرير، وإحالة كلا المتعاملين على القضاء المختص بجرم الاحتيال والضرر بالمال العام وذلك للأمور المنسوبة إليهم بمتن التقرير.
كما اقترح التقرير وضع الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة وعلى أموال زوجاتهم إن وجدت وذلك تأميناً لسداد مبلغ وقدره 1.920 مليار ليرة سورية (قيمة الكفالات المصدرة) مع الفوائد القانونية المستحقة، وعلى العميلين المستفيدين عن الكفالات المصدرة)، وعلى المدير العام السابق للمصرف العقاري، وعلى مدير الشؤون القانونية في المصرف العقاري سابقاً، وعلى مديرة الفرع التعاوني في المصرف العقاري، وذلك بسبب عدم تقديمهم الضمانات الكافية التي تغطي قيمة الكفالات ورفع دعاوى من المصارف الخاصة المذكورة عليهم وعلى المصرف العقاري بسبب عدم تسديدهم لالتزاماتهم تجاه التسهيلات والقروض الممنوحة لهم ما يعرض أموال المصرف للضياع. كما اقترح التقرير التفتيشي تغريم كل من المدير العام الأسبق للمصرف العقاري والمديرة السابقة للفرع التعاوني بمبلغ 288 ألف ليرة سورية بالتكافل والتضامن (قيمة فوائد التأخير عن الجزء غير المدفوع من العمولة)، وتغريم مديرة الشؤون المالية في المصرف العقاري المديرة السابقة للفرع التعاوني بمبلغ 11 ألف ليرة سورية بالتكافل والتضامن (قيمة فوائد تأخير عند تسديد العمولات)، إضافة إلى تغريم أعضاء لجنة التسليف المركزية وعددهم 5 والمديرة السابقة للفرع التعاوني بمبلغ 288 ألف ليرة سورية بالتكافل والتضامن (قيمة فوائد تأخير لمبلغ العمولات المؤجلة)، مع اقتراح فرض عقوبة الحسم من الأجر الشهري بنسبة 2% لمدة شهرين بحق كل من أعضاء لجنة التسليف وذلك للأمور المنسوبة إليهم بمتن التقرير. واقترح التقرير وضع مخالفات المصرفين من القطاع الخاص (بنك فرنسبنك- سورية، وبنك عودة- سورية) بتصرف مصرف سورية المركزي كجهة إشرافية ورقابية على المصارف الخاصة، والطلب إلى المصرف العقاري اتخاذ الإجراءات القانونية بوضع مسؤولية فرنسبنك- سورية وبنك عودة- سورية أمام القضاء المختص وتقديم الدفوعات المناسبة في حال قيام المصارف الخاصة برفع دعاوى قضائية مقابل المصرف العقاري لدفع قيمة الكفالات على أساس أن تكون هناك تسويات مقبولة للمصرف العقاري في الأحكام القضائية.
وبقى السؤال: هل من الممكن أن يكون هذا الموضوع خطوة على طريق اكتشاف خفايا ومخالفات في المصارف، من خلال ابتكار الأجهزة الرقابية لآليات تفتيشية غير تقليدية من شأنها كشف فساد غير تقليدي.
محمد راكان مصطفى
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد