تفاهمات أولية لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية
تشهد الساحة الفلسطينية انفراجاً، عبّرت عنه المواقف التصالحية التي أطلقها مؤخراً كل من الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل. وأكدت مصادر فلسطينية مختلفة أن هذه «التهدئة» التي أعقبت اقتتالاً دموياً ومواقف متشنجة من الطرفين، هي ثمرة جهود واسعة شاركت فيها بقوة دوائر مصرية وسورية وفلسطينية. ولم تخفِ هذه المصادر حقيقة أن الجهد تركز ليس فقط على وقف الاقتتال أو تشكيل حكومة الوحدة، وإنما تجاوز ذلك لترسيخ «التهدئة» مع الجانب الإسرائيلي أيضاً.
وبدأت الجولة الجديدة من الاتصالات، والتي لما تكتمل بعد، قبل حوالى أسبوعين باتصالات مكثفة قام بها الطاقم المصري المكلف بالشأن الفلسطيني في الاستخبارات المصرية. وحينها جرى الإعلان عن أن الرئيس المصري حسني مبارك أمر الأجهزة المصرية بالعمل فوراً على وقف الاقتتال الفلسطيني ومساعدة الطرفين على تحقيق تفاهمات مشتركة.
وعملت الأجهزة المصرية على أكثر من صعيد وبجهد كبير، استدعى إشراك عدد من كبار القادة الذين كانوا قد أنهوا مهمتهم في التعامل مع الملف الفلسطيني، من بينهم اللواء محمد إبراهيم الذي كان قد ترك قطاع غزة نهاية العام الفائت.
وتوجه الجهد المصري في ثلاثة اتجاهات على الأقل: الرئاسي الفلسطيني، حماس، الفصائل خصوصاً حركة الجهاد الاسلامي ومستقلين من ناحية، والقيادة السورية من ناحية أخرى، وإسرائيل من ناحية ثالثة. وطلب المصريون من كل الفلسطينيين الكف عن التوتير والسعي للتهدئة ومحاولة فتح أبواب الحوار، كما طلبوا من السوريين المساعدة في دفع حماس والقوى الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقراً لها على الانفتاح على الحوار والسعي للتفاهم. وطلب المصريون من إسرائيل المساعدة في توفير الأجواء الميدانية التي تحول دون التصعيد وتسهل التوصل لاتفاق شامل حول التهدئة.
وإضافة إلى الاتصالات المصرية المباشرة مع كل هذه الأطراف، أسهمت في تلك الجهود جهات فلسطينية أبرزها المستشار المالي للرئيس الراحل ياسر عرفات، محمد رشيد (خالد سلام) والنائب زياد أبو عمرو المقرب من كل من عباس وقيادة حماس. وعمل إلى جانب هؤلاء خط آخر تمثل في المقربين من النائب الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي.
وكانت وجهة الوساطة المكوكية التي برز فيها رشيد وعمرو واللذان اجتمعا خلالها بالعديد من القادة السياسيين والأمنيين السوريين، بلورة الخطوط العامة للحل. وتم التباحث مع حركة الجهاد، التي أدت مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الداخل دوراً مركزياً في الوساطات الميدانية، لأداء دور في الوساطة العامة.
وبحسب مسؤولين فلسطينيين، كانت هناك قناعة بأنه إذا تم تحييد حركة الجهاد، التي تؤدي الدور الأبرز في إطلاق الصواريخ، فإن بالوسع إقناع الفصائل الأخرى بقبول التهدئة. كما أن مشاركة الجهاد الإسلامي في الوساطة العليا تزيح عن طريق حماس أي حرج سياسي قد يتأتى من موافقة حماس على حلول وسط تسهل تشكيل حكومة الوحدة.
وفي هذا الإطار، عرضت جهات مصرية على الأطراف الفلسطينية مواقف تتعلق باستعداد إسرائيل لشمل الضفة الغربية باتفاق التهدئة ومنح الضمانات. والمهم هو أن تتوقف عمليات إطلاق الصواريخ وتسهيل تشكيل حكومة فلسطينية جديدة.
وفي هذا السياق، توصل الوسطاء إلى تفاهمات أولية حول مبادئ تشكيل الحكومة الجديدة، وانتقل الحديث للبحث في صيغة رسالة التكليف وأسماء الوزراء. وعلمت «السفير» أن الصياغات لكتاب التكليف بلغت مرحلة تبادل المسودات بعدما تمّ الاتفاق على أن تستند إلى وثيقة الوفاق الوطني. وتم الاتفاق على أن يوجه عباس كتاب التكليف بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة، وأن ينقسم كتاب التكليف إلى قسمين يعرض الرئيس في قسمه الأول مواقفه التي هي مواقف السلطة والتزاماتها ثم يكلف في القسم الثاني الحكومة بإدارة شؤون الحياة العامة والوضع الأمني للفلسطينيين. وهذا يعني أن حماس توافق على مبدأ اعتبار الجانب السياسي والمفاوضات من صلاحية منظمة التحرير والرئاسة، الأمر الذي يوجه النقاش نحو مكانة المنظمة والإصلاح المطلوب فيها ضمن جدول زمني قابل للتحقيق.
وعلمت «السفير» أن كتاب التكليف في قسمه الأول يشمل خمس نقاط أهمهما أن منظمة التحرير هي المرجعية القانونية والسياسية للفلسطينيين وهي التي تفاوض عنهم على أساس ما جاء في وثيقة الوفاق. ويشير الكتاب أيضاً إلى أن الحل السياسي يجب أن يستند إلى قرارات الشرعيتين الدولية والعربية وقرارات القمم العربية وأن الحكومة تلتزم بالاتفاقيات التي أبرمتها السلطة من دون أن يكون هذا التزاماً من جانب القوى السياسية المؤلفة لها.
وجرى التفاهم كذلك على أن شؤون الأمن الداخلي توجب تفعيل مجلس الأمن القومي الذي يضم إضافة إلى الرئيس ورئيس الحكومة وزراء الخارجية والداخلية والمالية وقادة الأجهزة. وهكذا انتقل الخلاف ليدور حول تشكيلة الحكومة. واتفق الطرفان على أن يبقى إسماعيل هنية رئيساً للحكومة الجديدة وكذلك على تقاسم الحقائب الأخرى. ولكن الخلاف دار أولاً حول الحقائب الثلاث المركزية: الخارجية والمالية والداخلية. وأصرّ عباس على أن يسمّي بالتوافق مع حماس وزراء مستقلين لهذه الوزارات. وفيما أبدت حماس استعدادها لقبول تسمية عباس لوزارتي المالية والخارجية، أصرّت على تسمية وزير الداخلية. وأشارت مصادر فلسطينية إلى أنه في هذا الإطار تم الاتفاق على أن يكون زياد أبو عمرو وزيراً للخارجية وتفهم أن يكون سلام فياض وزيراً للمالية. وقالت إن عباس برر رفضه تسمية حماس وزير الداخلية بوجود رفض إقليمي واسع لذلك. فالقوى الإقليمية العربية التي تتعاون مع السلطة أمنياً في مجالات كثيرة لا ترتاح للتعامل في هذا الموقع مع وزير من حماس.
عموماً كان من المقرر أن يعود الوسطاء الخميس الفائت إلى العاصمة السورية، ولكن ذلك لم يحدث. ولكن مصادر فلسطينية قالت إن الوسيطين رشيد وعمرو يصلان اليوم إلى دمشق. ومن المقرر أن يصل عباس إلى دمشق نهاية هذا الأسبوع للاجتماع بالرئيس السوري بشار الأسد ووضع آخر النقاط على حروف الاتفاق الفلسطيني مع مشعل. وإذا انتهت هذه الوساطة بالاتفاق، فإن القاهرة سوف تشهد الإعلان الرسمي له بعد جلسات حوار مكثف مع سائر الفصائل الفلسطينية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد