احتجاجات الجنوب التونسي: فشل حكومي يمهد لـ...«انتفاضة ثانية»؟

08-06-2015

احتجاجات الجنوب التونسي: فشل حكومي يمهد لـ...«انتفاضة ثانية»؟

ينقسم الرأي العام في تونس إثر الاحتجاجات التي تشهدها محافظات الجنوب ـ على اختلاف أسبابها ـ بين مساند يطالب بنصيب من عائدات الثروات، ومعارض قد يذهب إلى حد اعتبار أنّ الاحتجاجات تقودها عناصر مقربة من الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، تستغل اﻷوضاع الاجتماعية اﻟﺼﻌﺒﺔ لأغراض سياسية ضيقة قد تضرب وحدة الصف الوطني.

ويرى النائب عن «الجبهة الشعبية»، عمار عمروسية،  أن الاحتجاجات التي تشهدها محافظات الجنوب التونسي «جاءت كنتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية»، مؤكداً أن أداء الحكومة كان «سلبيا»، ليزداد بالنتيجة الوضعان، الاجتماعي والاقتصادي، سوءًا.اعتصام في تونس العاصمة نهاية أيار الماضي، يطالب بمزيد من الشفافية في قطاع النفط (الأناضول)
ويضيف عمروسية أن «الجبهة الشعبية» متمسكة «بأساليب النضال المدني والجماهيري المشروعة»، محذراً من لجوء قوى وأطراف إلى اعتماد تلك الاحتجاجات ورقة ضغط، أو مقايضة، تفضي إلى زعزعة استقرار البلاد وتشتيت النسيج الاجتماعي ونسيج الدولة، خدمةً لمصالحها السياسية، داعياً في الوقت نفسه الحكومة إلى «مراجعة سياستها التي عمّقت الفجوة».
وتأتي هذه الأحداث على خلفية إطلاق ناشطين حملة على شبكات التواصل الاجتماعي كان شعارها الأبرز «وينو البترول؟». وتطالب الحملة السلطات بمراجعة عقود استغلال حقول النفط والغاز في تونس، وبنصيب المحافظات التونسية في الجنوب من عائداتها، فضلاً عن المطالبة بكشف ملفات الفساد في قطاع الطاقة. ويرى أولئك الناشطون، في تغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أن بلادهم اﻟﺘﻲ تقع بين جارتين نفطيتين (ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺷﺮﻗﺎ واﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻏﺮبا) تملك ﺛﺮوات مماثلة ﻟﻜﻦ «ﺷﺮكات أجنبية تنهبها».
ويقول النائب، عمار عمروسية، «نحن نعتقد أن جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، على ما فيها من تحسن، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أوضاع البلاد تتجه على جميع الأصعدة نحو التأزم». ويستطرد قائلاً «من العجيب أن حكومة (الرئيس الحبيب) الصيد ما زالت مواصلة حتى يومنا في الخيارات نفسها التي أهلكت البلاد والعباد (الناس)، فالمهم لم يكن تشخيص الأزمة أو الإقرار بها، بقدر ما كان إيجاد حلول»، موضحاً أن «الجمل الإنشائية التي جاءت في خطاب رئيس الحكومة (الحبيب الصيد) الأخير (يوم الجمعة الماضي) تعكس واقع الأزمة التي تمر بها الحكومة الحالية».
في سياق متصل، يوضح محمد الرزيق، وهو المسؤول الإعلامي للمركزية النقابية في قبلي، أن «عدم تكافؤ الفرص مع باقي الجهات ولّد تلك الاحتجاجات الغاضبة»، مشيراً إلى أن «الجنوب التونسي لم يأخذ حظه من التنمية والتشغيل برغم أنه مصدر الثروات الطبيعية والفلاحية (الزراعية)».
ويخشى محللون للشأن السياسي في تونس من أن تساهم هذه التطورات في استفحال الأزمة، ما سينعكس حكماً على مجمل أوضاع البلاد، وبخاصة بعد الاتهامات التي وجهت لـ»حراك شعب المواطنين»، الذي يقوده المنصف المرزوقي، على اعتبار أنّ الأخير لجأ خلال حملته الرئاسية ضد منافسه في حينه، الباجي قائد السبسي، إلى استخدام «المنطق الجهوي» في مناطق الجنوب. حتى إنّ بعض المحللين يذهبون اليوم إلى حد التخوف من مواجهة خطر تقسيم المناطق إذا واصلت بعض الأطراف تأجيج الصراع بين «الشمال والجنوب»، وذلك بسبب حرب التصريحات غير المسؤولة التي تأتي امتدادا لحالة التنافس السياسي بين الأفرقاء السياسيين.

وفي تطورات التحركات في المناطق الجنوبية، أوضح السياسي والحقوقي، محمد بن زايد، أن مدينة دوز (في قبلي) تسجل حالة من الهدوء، وخصوصاً بعد فرض حظر تجول ليلي في المدينة التي تشهد منذ الثلاثاء الماضي تحركات متفرقة. وقد سجلت وتيرة الاحتجاجات حرق مقرين للشرطة ليل الجمعة الماضي. وفي حديث إلى وكالة «فرانس برس»، أوضح مسؤول محلي أن المواجهات التي بدأت ليل الثلاثاء الماضي، جاءت «إثر منع محتجين من (التسبب في) وقف انتاج شركة غاز أجنبية تقع في الصحراء على بعد 25 كلم من مركز مدينة دوز، أو الاعتصام داخلها».
ودان بن زايد اللجوء إلى العنف المفرط وغير المبرر على يد بعض عناصر الأمن، الأمر الذي أدى إلى رد فعل عنيف من جانب المحتجين، مؤكدا أن من شأن ذلك فتح الباب واسعا أمام عودة العنف.
ووصف بن زايد الاحتجاجات بـ«الانتفاضة الثانية»، مشيراً إلى أن الاحتجاجات امتداد للتحركات المطالبة بالتنمية العادلة، التي انطلقت من الحوض المنجمي في محافظة قفصة عام 2008 وتزايدت في زمن حكومة «الترويكا».
وفي السياق، يقول المنسق الجهوي لاتحاد أصحاب الشهادات العاطلين من العمل، صالح بن عمر، إن الاحتجاجات امتداد متواصل بسبب سياسة الإقصاء والتهميش، التي كانت تتبعها الحكومات طيلة فترة العقود الماضية، وصولاً إلى يومنا هذا في سائر محافظات الجنوب التونسي. ويرى أن أداء الحكومة الحالية لا يرتقي إلى مستوى تطلعات أصحاب الشهادات العليا في الجهة. ويقول بن عمر «نحن نطالب بحلول عاجلة وبإجراءات أكثر صرامة، وخاصة على مستوى تشغيل أصحاب الشهادات العليا».
على الجانب الحكومي، وصف، قبل يومين، رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، الوضع الأمني في دوز بـ«غير المقبول»، مشيراً إلى أن «المطالب مهما كانت شرعيتها لا تبرر حصول هذه الفوضى والانفلاتات، وأن الحكومة لن تتسامح مع هذه التصرفات المخربة التي لا تخدم صورة تونس ولا ظرفها الاقتصادي الدقيق بل تزيده تفاقما وتأزما»، (وفق ما جاء على الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة التونسية).
عموماً، الخطير اليوم أنّ هذه الاحتجاجات توازي، أيضاً، واقعاً أمنياً بات مقلقاً عند الحدود الليبية القريبة نسبياً، حتى إنّ مصادر أمنية مطلعة تخشى من أن تستغل بعض الجماعات التكفيرية الاحتجاجات لشن هجمات وإحداث الفوضى، وهي خشية كانت واضحة في أحد البيانات الأخيرة الصادرة عن وزارة الداخلية التونسية.

محمد علي لطيفي

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...