الجزيرة السورية أقدم منطقة زرع فيها القمح وحيد الحبة

امتلكت الجزيرة السورية العناصر الرئيسية لقيام السكن البشري وبناء الحضارة منذ آلاف السنين ففيها توجد المياه العذبة دائمة الجريان والتربة اللحقية الخصبة والمتجددة والسطح المنبسط هادئ الإنحدار والمناخ المناسب لقيام زراعة لأكثر من موسم.

وسكنت الجزيرة السورية منذ العصر الحجري القديم كما يقول المؤرخ الدكتور محمود السيد نائب مدير المخابر وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف واستمر السكن البشري في الجزيرة في عصر الهولوسين والعصر الحجري الحديث وما قبل الفخاري أ و ب وقد استقر الإنسان في تجمعات سكنية قامت في أماكن مكشوفة في العراء بسبب ندرة المغارات والكهوف موضحا أن أودية الجزيرة ذات ميزة تضاريسية مريحة للعمل الزراعي فهي قليلة الخوانق والتضاريس ذات الانحدارات والجوانب القاسية.

وبين السيد أن الجزيرة السورية تمتلك حاليا أكثر من نصف ثروة سورية من المياه السطحية والجوفية وتقدر بحوالي 13 مليار متر مكعب من الماء سنويا وهي في أغلبها سطحية تجري في أنهار الفرات ودجلة والخابور والبليخ وروافدها والكمية الأكبر من مياه الجزيرة السطحية تجري في أودية الأنهار والسيول الموسمية المؤقتة وهي من نوعية جيدة تشوبها في أعالي الخابور شوائب كبريتية لا تؤثر في جودتها وتقسم الجزيرة من حيث الثروة المائية وخصوبة التربة إلى ثلاث مناطق هي الجزيرة العليا أكثر المناطق ملائمة للاستقرار والجزيرة الدنيا وهي منطقة فقيرة بالأمطار والمياه الجارية السطحية والعيون لدرجة أنها لا تسمح بقيام زراعة غير مروية لكنها كافية لنمو غطاء عشبي لموسم واحد قصير الأمد وكذلك المياه الجوفية في الجزيرة الدنيا محدودة الكمية ومتدنية الجودة وترتفع فيها نسبة الأملاح وتوجد في طوابق صخرية عميقة ما يرفع تكاليف استخراجها وترب الجزيرة الدنيا منخفضة الخصوبة أو غير صالحة للزراعة.

أما المنطقة الثالثة فهي بيئة الأدوية وأشرطتها في أنهار الفرات ودجلة وروافدهما وفيها تتوافر المياه العذبة والترب الخصبة.

وأكد السيد أن الجزيرة العليا هي أكثر مناطق الجزيرة السورية ملائمة للاستقرار نظرا لارتفاع كميات أمطارها السنوية إلى متوسطات أعلى من حدود حاجة الزراعة البعلية بالإضافة إلى جريان مياه سطحية تغذيها ينابيع غزيرة تشكل جداول وأنهارا صغيرة ترفد أنهار الجزيرة الأساسية والجزيرة العليا غنية أيضا بالمياه الجوفية وفيها حوض رأس العين الذي يغذي ينابيع الخابور والبليخ ومجمع ينابيع الخابور التي تصنف كثاني أكبر ينابيع العالم من حيث حجم التصريف البالغ وسطيا 40 مترا مكعبا في الثانية الواحدة.

وتربة الجزيرة العليا متنوعة موضعية ومنقولة أغلبها حمل بواسطة المياه والسيول والأنهار القادمة من جبال طوروس الشرقية والهضاب والمرتفعات الواقعة شمال الجزيرة وكذلك السيول المحددة الهابطة من مرتفعات العارض الجبلي سنجار عبد العزيز وأراضي الجزيرة العليا وأودية الأنهار والسيول أراض خصبة ذات ترب بنية حمراء داكنة وصفراء ذات أصل كاربوني وبازلتي إضافة إلى مجموعة الترب اللحقية وطمي أودية الأنهار وروافدها التي تؤمن الأرضية الزراعية و الرعوية الجيدة.

ويؤكد المؤرخ السوري أنه كان ينمو في منطقة الجزيرة نوع من القمح البري وحيد الحبة يتشكل في سنابله صف واحد من الحبوب وأن بدايات الزراعة ظهرت في منطقة الجزيرة لأول مرة في العالم في زمن مبكر جدا يؤرخ بحوالي 10500 سنة خلت.

وعلى أرض الجزيرة السورية اكتشف في موقع تل المريبط أقدم قرية زراعية معروفة في العالم مورست فيها زراعة الشعير والقمح وحيد الحبة المهجن من القمح البري وحيد الحبة منذ حوالي 8500 سنة قبل الميلاد وهذا يؤكد أن ظهور الزراعة في الجزيرة السورية سبق ظهورها في أريحا الأغوار وفي تل أسود في حوض دمشق وغيرها من قرى العصر النطوفي التي عرفت الزراعة بعد سنة 8000 ق.م.

كما اكتشفت في الجزيرة السورية في موقع بقرص و تل السن أهم القرى السكنية البدائية والمؤرخة ب 7000 سنة قبل الميلاد والتي مورست فيها بدايات الزراعة المروية.

وأشار السيد إلى أن شكل القمح وحيد الحبة المزروع يشبه شكل القمح وحيد الحبة البري، إلا أن السنبلة تبقى على حالها عندما تنضج والبذور تكون أكبر.

وخلص نائب مدير المخابر إلى أن السوريين لم يقدموا للعالم فقط زراعة القمح والشعير بل علموا الحضارات الأخرى كيفية استخدام أرض السهل الفيضي في الزراعة خارج مواسم الفيضان وأساليب وفنون الزراعة المروية وآلية وتقنية جر وسحب وتصريف المياه والأهم من ذلك جنين القمح أو الرشيم وهو عنصر النمو في حبة القمح ويتوضع بين الأندوسبيرم وطبقات النخالة في الاتجاه المعاكس للشق الداخلي للحبة وهو أغنى أجزاء القمح بالفيتامينات والمعادن والأحماض النووية المهمة لنمو مخ الأجنة حتى بعد الولادة بستة أشهر ويحتوي جنين القمح على نسبة عالية من الفيتامينات وعلى رأسها الفيتامين ب1 الثيامين والفيتامين ب2 ريبوفلافين الفيتامين ب3 حمض البانتوتينيك والفيتامين ب 5 النياسين والفيتامين ب6 البيروديكسين وحمض الفوليك وفيتامين ه الذي يلعب دوراً كبيراً في تغذية الحجيرات النبيلة المنتجة للنطاف في الخصية.

ويستخدم طبيا أيضا في عمليات الهضم الصحيحة لاحتوائه على جملة من الأنزيمات الهاضمة وفي تغذية الجملة العصبية وللوقاية من التهاب الأعصاب وتقوية الشعر والجلد والأغشية المخاطية ومعالجة ضعف تشكل الكريات الحمراء ومعالجة حالات إجهاد العين وغيرها الكثير.

عماد الدغلي

سانا