الجزائر: حملة انتخابية أم حراك سياسي؟
بدأ سير العملية الانتخابية للرئاسيات في الجزائر بفتح مكاتب التصويت للجاليات الجزائرية المقيمة في الخارج يوم السبت الماضي عشية اليوم الأخير للحملة الانتخابية، التي تنافس فيها ستة مرشحين باستعراض إمكاناتهم لكسب أصوات الجزائريين الذين سيدلون بأصواتهم بعد غد الخميس.
وتميزت هذه الحملة، بحسب المراقبين الجزائريين المتتبعين لها، بنسيان المرشحين عرض برامجهم للجمهور واستعراض شخصياتهم وما يمكن أن يفعلوه كأشخاص، مما جعل تبادل الاتهامات والإساءات الشخصية جزءا من مظاهر هذه الحملة، التي دفعت معظم الجزائريين للتعبير عن استيائهم من مجراها.
وفي سياق تبادل الاتهامات، كانت حملة الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة أصدرت بيانا اتهمت فيه المرشــح علي بن فليس بـ«تعكير أجواء الحملة الانتخابية وتأجيج أعمال العنف وتهديد التناسق الوطني».
من جهته، قال بن فليس، في أحد تجمعاته، إنّ الجزائريين «لن يقبلوا التزوير، والسكوت عنه جريمة وسيكون بمثابة إبقاء على الإدارة الكولونيالية التي حاربها أبناء هذا الوطن». وفي تجمع آخر له في ولاية غليزان، تحدث بن فليس عن مؤيدي الرئيس الجزائري سلبا بالقول «إنهم يخاطبون الجزائريين بصيغة نحن أو الطوفان، وهذا سعيا منهم إلى إبقاء الوضع العام الذي تعيشه الجزائر على ما هو عليه».
لويزة حنون، مرشحة «حزب العمال»، وصفت في أول تجمع لها علي بن فليس بـ«الامبريالي الذي يسعى لخدمة مصالح أجنبية»، وهي ترى أنّ «عبد العزيز بوتفليقة وعلي بن فليس يحاولان فرض نفسيهما كقطبين لا بديل عنهما لتسيير دفة الحكم، وذلك باستعمال كافة الطرق التي قد تدفع إلى تفجير الأوضاع لكننا سنكسر هذه القطبية ونؤسس لقاعدة: لماذا بوتفليقة وبن فليس دون غيرهما، لم لا للويزة حنون؟». وجعلت حنون شعار حملتها الانتخابية «تأسيس الجمهورية الثانية»، داعية إلى «القطيعة مع المؤسسات الموروثة عن نظام الحزب الواحد لتأسيس الجمهورية الثانية التي لا تتعارض مع مبادئ ثورة تشرين الثاني 1954 بل تندرج في إطار استمرارية هذه المبادئ».
موسى تواتي، مرشح «الجبهة الوطنية»، برغم قناعته أنّ «الانتخابات ستزوّر»، اختار المشاركة فيها «لأنها الطريق الصعب لمحاربة التزوير». وفي أحد آخر نشاطاته، تداول في ولاية بليد مع المواطنين مشاكلهم والشأن الانتخابي، وعبر له بعضهم عن أن «الانتخابات محسومة، ولا داعي للمشاركة فيها»، مضيفين أنّ ثقتهم «معدومة في أي من المرشحين الستة». ورد تواتي على المجتمعين بالقول «تعتقدون أن الأمور قد حسمت لأنكم رضختم للأمر الواقع وللدعاية».
أما علي فوزي رباعين، رئيس حزب «عهد 54»، فكان في كل لقاءاته يقدم نفسه باعتباره المعارض الوحيد للنظام، ويهاجم الفساد المستشري في السلطة، داعيا إلى إقامة دولة الحق والعدل، فيما كان عبد العزيز بلعيد، مرشح «جبهة المستقبل»، يعلن أنه سيجعل الجزائر، إن أصبح رئيسا، «يابان أفريقيا».
حملات موازية
من ميزات الحملة الانتخابية التي جرت في الجزائر منذ انطلاقتها في 23 آذار الماضي، وحتى انتهائها مساء أمس الأول، كان ظهور حملات موازية على ثلاث جبهات.
أولى هذه الحملات جاءت من الأحزاب التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، ومن أبرزها الأحزاب الإسلامية التي تمكنت من الحصول على ترخيص بعقد تجمعات لعرض وجهة نظرها والدعاية لدفع المواطنين إلى عدم المشاركة في الانتخابات. وكان يمكن للدعوة إلى المقاطعة أن يكون لها تأثيرها على نتائج الانتخابات لو كان لنسبة المشاركة تأثير على تلك النتائج، فقانون الانتخاب الجزائري يتعامل مع الأصوات المعبر عنها في الصندوق من دون النظر إلى نسبتها من عدد أصحاب حق التصويت أو المسجلين في القوائم الانتخابية.
أما معارضو الشارع، الذين برزت من بينهم إعلاميا حركة «بركات»، التي أعلنت، أمس، أنها لن تعترف بالرئيس الذي ستفرزه الانتخابات الرئاسية، فليس لديهم كيان تنظيمي، كما ظهروا كانفعال غير محدد المعالم والأهداف وبعناوين متعددة مثل «رفض»، و«تنسيقية البطالين». بعضها يدعو إلى تغيير النظام، فيما البعض الآخر ضد العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، وآخرون لهم دوافعهم الجهوية (المناطقية) كمنطقة الآوراس، الذين تحركوا احتجاجا على شتم الوزير الأول السابق عبد المالك سلال لهم، والذي عاد فاعتذر.
الاتجاه الثالث مثله رؤساء سابقون ورؤساء حكومات، وجنرالات وضباط متقاعدون. ومن أبرز الرؤساء الذين تدخلوا في الحملة الانتخابية الرئيس السابق ليامين زروال، الذي عرض في رسالة مطولة دوافعه للخروج عن حالة التحفظ، واحتج فيها على فتح عهدات الرئاسة في التعديل الدستوري الذي أجراه الرئيس بوتفليقة في العام 2008.
كما أنطق معارضو العهدة الرابعة الرئيس الراحل علي كافي، فأظهروا شريطا مسجلا له قبل وفاته العام الماضي، ومن بين ما يقوله «لا يحق لبوتفليقة قانونيا وأخلاقيا أن يطلب لنفسه عهدة رابعة لأن ذلك من سمات الديكتاتور».
واتهم قائد الدرك الوطني الأسبق العقيد أحمد بن شريف «جماعة الرئيس بالاستيلاء على الحكم واتخاذ البلاد رهينة ... في يد المافيا السياسية والمالية بقيادة السعيد بوتفليقة»، في إشارة إلى شقيق الرئيس الجزائري.
كما وصف رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي الحملة الانتخابية بـ«المسخرة»، فالنتيجة «معروفة سلفا، في سلوك ليس جديدا على الجزائريين». وقال غزالي إنّ «الرئيس ليس هو من يقرر، وإنما الذين يقررون موجودون في الخفاء، وهذه ليست فرضية وإنما الحقيقة».
تخوف مما بعد 17 نيسان
يرى الجنرال المتقاعد محمد الطاهر يعلي أنّ «هذه الحملة الانتخابية تتمتع بالخصوصية التامة ... لمعطيات كثيرة بداية من الحراك القوي على المستوى الشعبي والسياسي الذي يرافقها، وكذا ترشح رئيس حالته الصحية لا تسمح له بأداء مهامه الدستورية، والدعم المعلن من قبل الإدارة ... لصالح مرشح بعينه، مما يجعل ظاهرة التزوير التي تطبع الانتخابات الجزائرية منذ العهد الاستعماري تتحول من وضع التخفي إلى الظهور العلني»، مضيفاً أنه «لهذه الأسباب والكثير غيرها ... هذه الحملة الانتخابية لرئاسيت 2014 لا مثيل لها».
ويتابع الجنرال يعلي أنّ الشعب «واع» لما يجري «وهذا أمر لا يجب الاستهزاء به لأنه قد يدفع بالجزائر نحو دوامة عنف جديدة ومجهولة العواقب».
ويشارك الكثيرون الجنرال يعلي في تخوفه، ليعبر عنه كل بطريقته، وليرى كل طرف وسيلة الحل لما يمكن أن يطلق عليه وصف «أزمة». فالمرشحون الستة يرى كل منهم في انتخابه رئيسا لحل الأزمة، في حين يؤثر آخرون ما يصفونه بـ«إقامة مرحلة انتقالية تؤسس لنظام جديد».
أما مولود حمروش، وهو رئيس حكومة الإصلاح التي أسست للتعددية في الجزائر، فيرى أن من مسؤولية ثلاث شخصيات في السلطة القائمة ـ هم عبد العزيز بوتفليقة وقائد الجيش قايد أحمد صالح ورئيس جهاز الأمن محمد مدين، الملقب بالجنرال توفيق ـ «التوافق على العمل لحل الأزمة». ويشير حمروش إلى أنّ «البرامج التي قدمها المرشحون إلى الرئاسيات خلال حملتهم الانتخابية ليست قادرة على الاستجابة للمشاكل الراهنة».
أحمد شاهين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد