أوباما يستعجل نتنياهو للتوصل إلى تسوية وعباس يهدد باللجوء إلى المحافل الدولية
برغم تطورات أزمة القرم بين روسيا وأوكرانيا، فإنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما آثر توجيه رسالة حادة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عشية لقائهما في البيت الأبيض، أمس، مفادها: وقت إسرائيل للسلام ينفد. وليس صدفة أنّ هذا الاستقبال الحاد من جانب أوباما يأتي في وقت كُشف النقاب فيه عن أن العام 2013 كان عام عربدة الاستيطان بشكل لم يسبق له مثيل. وربما أن هذا قاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في هذا الوقت الحرج، للتهديد باللجوء إلى المحافل الدولية لإيقاف إسرائيل عند حدها.
ويرى معلقون إسرائيليون أنّ اختيار البيت الأبيض لموعد نشر مقابلة الرئيس أوباما مع وكالة «بلومبرغ» الإخبارية لا يمكن أن يكون صدفة. واعتبروا أن نشر المقابلة يوم وصول نتنياهو إلى الأراضي الأميركية وقبيل لقائه بأوباما كان نوعاً من الكمين المخطط. وتزداد أهمية هذا الكمين بفحوى المواقف التي اتخذها أوباما وحدّة الكلام.
وقال أوباما للصحافي المقرب منه جيفري غولدبرغ من وكالة «بلومبرغ» إنّ وقت إسرائيل للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، ينفد. وقال أوباما في المقابلة إنه في الشأن الفلسطيني سيوجه لرئيس الحكومة الإسرائيلية السؤال «إذا لم يكن الآن؟ فمتى» و«إذا لم تصنع السلام، سيدي رئيس الحكومة، فمن سيصنع؟». وشدد أوباما على أنه «إذا كان نتنياهو لا يؤمن بأن اتفاق السلام مع الفلسطينيين هو الأمر الصائب لإسرائيل، فإن عليه بلورة مقاربة بديلة. ويصعب التفكير بأن صيغة كهذه ستكون ممكنة أيضا».
وانتقد أوباما بشدة سياسة إسرائيل الاستيطانية وحذر من عواقب فشل العملية السلمية على مكانة إسرائيل وقدرة الولايات المتحدة في الدفاع عنها في مؤسسات الأمم المتحدة. وقال إنّ «الصداقة بين أميركا وإسرائيل أبدية، لكن إذا لم يبرم اتفاق سلام واستمرت سياسة الاستيطان العدوانية... وقد رأينا بناءً عدوانياً في المستوطنات في السنوات الأخيرة أكثر مما رأينا زمناً طويلا... وإذا آمن الفلسطينيون بأن احتمال التوصل إلى دولة سيادية قابلة للحياة لم يعد ممكناً، فإن قدرتنا على مواجهة العواقب الدولية ستكون محدودة».
ووفر أوباما الدعم لوزير خارجيته جون كيري في مساعيه لبلورة اتفاقية إطار، موضحاً مواكبته جهوده وتقديم تعليماته. وقال إنه قلل مؤخراً من الحديث في الأمر منطلقاً من فرضية أن هذا يساعد كيري في مهمته. وأيد كلام كيري حول تحذيره لإسرائيل من خطر المقاطعة الدولية، معتبراً أن «كيري قال فقط ما يراه كل مراقب للوضع... وكلما مرت السنون فإن فرصة اتفاق سلام يمكن أن يقبله الإسرائيليون والفلسطينيون تتراجع. أولاً جراء التغييرات الديموغرافية، بسبب ما يجري في المستوطنات وبسبب أن الرئيس عباس يشيخ. ولا جدال حول التزام عباس باللاعنف وبالعملية السلمية. ولا نعرف كيف سيكون خليفته».
وأبدى أوباما قناعته بأن عباس مستعد للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وتوفير الترتيبات الأمنية التي تحتاجها. واعتبر أن «من الخطأ عدم استغلال هذه الفرصة»، مضيفاً «نحن لا نعرف ما سيحدث، لكننا نعرف أنه في كل يوم تغدو مهمة التوصل لاتفاق سلام أصعب. ونحن نعلم أن إسرائيل غدت بتزايد معزولة دولياً. قبل 20 عاما كانت إسرائيل تنال تأييداً أكبر من أوروبا في مجلس الأمن الدولي. وأعتقد أن هذا يجسد شعوراً حقيقياً لدى دول كثيرة ترى أن النزاع يستمر، ولا يجد حلاً، ولا أحد يريد المجازفة بالقفزة التي تجلب الحل».
وعبر الصحافي غولدبرغ عن انطباعه بأن أوباما يرى أن نتنياهو من ينبغي أن يبدي المرونة لإحداث اختراق سياسي. وتساءل أوباما في المقابلة «هل أنت مستعد لمواصلة احتلال دائم وثابت للضفة الغربية؟ وهل سيكون هذا طابع إسرائيل لزمن طويل؟ وهل ستنتهج على مدى عقد أو عقدين سياسة تقيد تقييداً متزايداً كل ما يتعلق بحركة الفلسطينيين؟ وهل ستفرض قيوداً على العرب الإسرائيليين بما يناقض التقاليد الإسرائيلية؟».
وبرغم كل ما سبق، أثنى أوباما على نتنياهو قائلا إنّ «الأمر المؤكد هو أن نتنياهو شخص ذكي. إنه متصلب. وهو يتحدث برقي وهو سياسي ماهر جدا. وأنا أصدقه عندما يقول إنه يعتقد بالحاجة إلى حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وأعتقد أنه يؤمن بذلك حقا». وشدد على أن كون نتنياهو من اليمين يساعده في تمرير اتفاق أكثر من أي زعيم آخر. وأضاف أنه «إذا استغل هذه الفرصة فستكون هذه هديته الأكبر التي يقدمها للأجيال المقبلة من الإسرائيليين. لكن الأمر صعب».
ولاحظ أوباما أنّ الموضوع الفلسطيني حساس في إسرائيل. «فالكثير جداً من الإسرائيليين ينظرون إلى ما يجري في المنطقة ويسألون أنفسهم: هل بوسعنا المجازفة ونيل فوضى على الحدود، قريباً جداً من مدننا؟». وشدد كذلك على أنه يفهم مخاوف نتنياهو و«لكنني قلت له إن الوضع لن يتحسن ولن يحل من تلقاء نفسه. وكلما مر الوقت سيزداد الفلسطينيون، ولن يقلوا، سيزداد العرب الإسرائيليون ولن يقلوا». وأشار إلى أنه لم يسمع حتى الآن بأي رؤية مقنعة يمكن أن تبقى فيها «إسرائيل يهودية وديموقراطية» من دون اتفاق سلام مع الفلسطينيين، موضحاَ «لم يقل أحد عن سيناريو موثوق كهذا. الأمر الوحيد الذي سمعته هو: ببساطة سنواصل فعل ما نفعله حاليا ونعالج المشاكل التي ستظهر ونبني مستوطنات حيثما نقدر، وعندما تبرز مشاكل في الضفة الغربية نحلها عن طريق استخدام القوة. ولكن لا ترى في أي نقطة حلا حقيقيا للمشكلة».
وفي نوع من الرد غير المباشر على كلام أوباما، حمل نتنياهو، أمس، على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معتبراً ضمناً أنه حتى الآن ليس شريكاً في عملية السلام. «فرقصة التانغو في الشرق الأوسط تحتاج على الأقل إلى ثلاثة. اثنان موجودان حاليا إسرائيل وأميركا. الآن ينبغي رؤية ما إذا كان الفلسطينيون أيضا موجودين». وشدد نتنياهو على أنه «في كل حال، من أجل التوصل لاتفاق، ينبغي الإصرار على مصالحنا الحيوية. لقد برهنت أنني أفعل هذا، مقابل كل الضغوط، مقابل كل الهزات وسأواصل فعل ذلك هنا أيضا».
والحقيقة أن نتنياهو فعلا يواصل ليس الصمود أمام الضغوط بل تحدي الأسرة الدولية بأسرها في موضوع الاستيطان. إذ أظهرت معطيات دائرة الإحصاء المركزي الاسرائيلي أنّ العام 2013 بُدئ ببناء 2534 وحدة استيطانية، وهي أكثر من ضعف ما تم بناؤه في العام 2012. واعتبرت الدائرة أن زيادة البناء في 2013 حققت نسبة 123 في المئة في المستوطنات وأنها تشكل حوالي ستة في المئة من مجموع بدايات البناء في كل أنحاء إسرائيل.
وأمام هذا الواقع، عاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتهديد بترك المفاتيح والتوجه إلى المحافل الدولية. إذ أبلغ زعيمة حركة «ميرتس» زهافا غالؤون في لقائه معها في مقره في رام الله، أمس، بأنه «إذا لم يوفر اتفاق الإطار حلولاً للقضايا الجوهرية، فلن أمدد المفاوضات. وسوف أترك المفاتيح على الطاولة وأتوجه إلى المحافل الدولية». وشدد على أنه لن يكون هناك تمديد للمفاوضات من دون إعلان نتنياهو عن تجميد الاستيطان والإفراج عن معتقلين فلسطينيين بعد المرحلة الرابعة المقبلة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد